بغداد: بعد مرور 100 عام على اتفاقية "سايكس ـ بيكو"، أكد مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان، أن الإصرار على السيادة والحدود لم تبق له أية أهمية في هذا الظرف، داعيًا الحكومة العراقية إلى إجراء حوار جدي من أجل التوصل إلى حلول جديدة للمسائل العالقة بين الإقليم وبغداد.

فرصة تاريخية وحدود الدم
البارزاني أشار الى أن "ثمة فرصة تاريخية سانحة توافرت لكل الأطراف السياسية للخروج من الازمات". وقال: "اذا ارادت الاطراف السياسية الهروب من تلك الفرصة، والتقاعس عن مسؤولياتها، فإن الشعب هو الذي يتخذ القرار النهائي".

واوضح البارزاني أن "الشعب الكردي قد تحمل الكثير من الويلات، التي واجهها على مر نحو مئة عام من التقسيم، كما اختبر اكثر من طريقة لابقاء العراق موحدًا، الا أن جميع محاولاته لم تؤتِ نفعًا".

واشار إلى أنه "سأكون ممتنًا في هذه الظروف لمن يأتي ويحتكم ويقرر على طريقة ليسلكها الاكراد حتى يبقى العراق موحدًا؟". ووقعت كل من بريطانيا وفرنسا الاتفاقية السرية في 16 مايو 1916، ممثلتين في الدبلوماسيين الفرنسي جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس، حيث حصلت فرنسا على سوريا، ولبنان ومنطقة الموصل في العراق، بينما ترك العراق، وتحديدًا بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية في سوريا لبريطانيا، التي حصلت أيضًا على السيطرة على فلسطين، وذلك بعدما ثبّتت عصبة الأمم مضمون اتفاق "سايكس – بيكو" في اقرار مبدأ الانتداب.

لم يكن وحده مسعود البارزاني من تناول الاتفاقية في حديثه، رغم صمت بغداد حيالها، فمستشار مجلس أمن اقليم كردستان، مسرور البارزاني وصف الاتفاقية بـ "غير العادلة"، وأوضح أن "100 سنة من الإخفاق وسفك الدماء كافية لكي نجرب سبيلاً جديداً، حان الوقت لنرفع الظلم عن كردستان". فيما قارن السياسي الكردي محسن سعدون بين الوضع في العراق وبين ما حصل في الاتحاد السوفيتي، مشيرًا الى "احتمالات تقسيم المقسم وتفتيت المفتت".

سعدون أشار في حديث لـ"إيلاف" الى ان "ما مرت به شعوب جمهوريات الاتحاد السوفيتي، التي نالت استقلالها، لم يكن بمثل معاناة الشعب الكردي". فيما يتساءل سعد سلوم الباحث المتخصص في التعددية في العراق والشرق الاوسط وعضو المجلس العراقي لحوار الاديان: "هل ماتت اتفاقية سايكس ـ بيكو أم تراها ستبعث من جديد وفقًا لمبدأ التناسخ الباعث لأمم جديدة".

ويقول في حديث لـ"إيلاف": "إذا خرج الاكراد بوصفهم الخاسر الاكبر، واكبر أمة من دون دولة، في ظل اتفاقية سايكس ـ بيكو، فهم سيكونون الرابح الاكبر من بديلها الجديد، وستنتج (حدود الدم) الجديدة هويات متخيلة كبرى وصغرى، وتنتج اجيالاً جديدة من النازحين والابادة الموشومة بالاهوال التي تقاسيها شعوب المنطقة".

لحظة سعيدة&
في حين، قال المحلل باسم العوادي ومدير مركز الصياد للدراسات السياسية: "لا شك ان مجريات الأمور في ثلاثة بلدان عربية (العراق، وسوريا، واليمن) تتحرك باتجاه تغيير الخرائط الداخلية حتمًا، إن استبعدنا تغيير الخارطة الخارجية".

وأضاف: "المناطق الكردية في سوريا أصبحت تحكم نفسها بنفسها، ولديها من القوة العسكرية الكافية التي تستطيع حتى مواجهة الجيش السوري لاحقًا، وإن كانت قريبة من النظام حاليًا"، لافتًا الى أن "هناك عملاً دؤوبًا على مناطق أمنية يمكن ان تزول مستقبلاً داخل الأراضي السورية لا يمكن ان تعود مرة أخرى بسهولة".

وفي ما يتعلق بفدرالية إقليم كردستان العراق، قال العوادي انها "أصبحت حقيقية كونفدرالية، فهي اسمًا مرتبطة بالعراق من أجل الحصة المالية السنوية، لكن السلطة المركزية في العراق لا تستطيع ان تفصل او تعيّن شرطياً في الإقليم، ووصل الأمر الى قناعة شبه تامة في العراق، وبالخصوص لدى الأطراف السنية والشيعية الأخرى، بأن إنفصال إقليم كردستان عن العراق سيكون لحظة سعيدة للعراق، وانه سينال الدعم الكلي لدى إعلانه".

وفيما أشار الى أن موضوع الانفصال قيد الدرس منذ فترة طويلة، وانه تصاعد في المراحل الأخيرة، وبالخصوص منذ اجتياح داعش للعراق، فقد اكد ان "تأخيره ليس شأناً عراقياً مركزياً، وإنما هي الصراعات الداخلية في الإقليم بين أطرافه الأربعة الرئيسة، فهي التي تعرقل الإنفصال، ما لم يتم التوافق على صيغ الحكم المستقبلية".

هويات فرعية
بدوره، قال الباحث سليم سوزا: "باعتقادي أن مشكلة الحدود بين دول الشرق الاوسط، والتي يقال انها نتاج اتفاقية سايكس بيكو (في حين انها الأصح نتاج اتفاقية سيفر، والبعض يقول انها نتاج اتفاقية لوزان)، ان مشكلة الحدود هذه لا تنهار، بسبب اجحاف تلك الاتفاقيات وظلمها في رسم معالم منطقة الشرق الاوسط، بل بسبب تصاعد الهويات الفرعية، الطائفية والقومية، وتعاليها على الهوية الوطنية".

واكد سوزا أن "الصراع في منطقتنا ليس على الحدود ابدًا، بل على تلك الهويات، وكيف تحاول كل جهة أن تكسب عاطفة من تلتقي معه في المذهب او القومية، وإقناعها أن الحل الأفضل لها هو تشكيل كيانات جديدة تضمن حريتها وكرامتها"، ماضيًا الى القول "بهذا الخطاب تتصدع الحدود، وتنهار نظرًا الى ان دولنا تحتوي على مكونات وطوائف متعددة، وليس السبب أن سايكس بيكو فشلت في صناعة دول متماسكة في الشرق الاوسط، بسبب اهمالها الخصائص الاجتماعية والثقافية لشعوب المنطقة، وصنع دول متعددة المكونات".

ولفت متسائلاً الى ان "كل دول العالم (بما فيها الغرب) هي دول أنشئت من مجموعات بشرية مختلفة في قومياتها ومكوناتها وخصائصها الثقافية والاجتماعية فلماذا لم تنهار؟".

ماذا عن تركيا؟
محافظ نينوى السابق اثيل النجيفي قال لـ"إيلاف": حيال حلم الأكراد بالوقوف على تلال حملت آثار خيول الأجداد، "كان هذا هو السؤال الأهم الذي سألته للدكتور احمد دَاوُدَ اوغلو عندما التقيته عام 2005 قبل ان يصبح هو وزيرًا للخارجية، وقبل ان اصبح انا محافظًا لنينوى.. ماهو نظرتكم عن الموصل؟، هل صحيح أنكم تفكرون بضم الموصل إلى تركيا؟. أجابني حينها: "وهل تعتقد أننا لا نفكر جيدًا لندخل مشاكل خطيرة الى داخل بلادنا؟".

وأضاف النجيفي ناقلاً كلام اوغلو: "أقصى ما نريده هو فتح العلاقات التجارية، وسهولة انتقال المواطنين والبضائع، فنحصل على ما نريد من دون خسائر".

وزاد النجيفي: "يتحدث الاتراك بمفهوم مختلف، مفاده أن الدول التي كانت تابعة للدولة العثمانية، أصبحت حليفًا مهمًا لتركيا، فكيف يتحدثون عن موضوع يحولهم من ممالك ودوّل مستقلة الى ولايات تابعة؟، وهل من مصلحة تركيا أن تدخل في خصومات مع حلفائها؟، وهل يتقبل الشعب التركي ذوبان قوميته التركية التي تشكلت وقويت خلال القرن الماضي؟".

النجيفي اكد أن "الغاء منظومة القيم والتقاليد التي تطورت ضمن الحدود الإدارية وإعادة رسمها من جديد أمر لا يمكن ان يكون سهلاً، ولن تتقبله شعوب المنطقة بسهولة".

وأضاف: "فيتعلق بعلاقات حضارية ودينية نشأت خلال قرون طويلة، ولكن خلال الربع الأخير من القرن الماضي سادت بين هذه الدول حالة من التقاطع الكامل، ومنع الامتزاج الحضاري والاجتماعي بين ايران وجنوب العراق وبين تركيا وشمال العراق، وكذلك بين عرب العراق وسوريا أو السعودية والخليج، وفي تقديري أنها حالة غير طبيعية أنتجت حضارة مشوهة غير متكاملة، وقطعت العراق عن موارد حضارية مهمة"، مؤكدًا أن "أي محاولة لتغيير الحدود ستصطدم بحواجز شعبية واقتصادية واجتماعية، وقد تحدث مشاكل كبيرة، تعود من بعدها هذه البلاد الى لحمتها الوطنية، لانها لم تعرف سابقًا مفهوم الدولة الحديثة الا بهذه الحدود".