تحفّظ نائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي على إقامة إقليم سني في العراق من دون إجماع وطني، واتهم حزب الدعوة بتخريب العراق. وقال إن العبادي ليس عدوانيًا، لكنه عجز عن فتح ملفات مهمة، كما إنه يقول ما لا يفعل، واصفًا هتاف الجماهير العراقية ضد إيران أخيرًا بأنه تأكيد لرفض شعبي واسع النطاق على إيران أن تأخذه في الحسبان وتتعامل معه بجدية، مشددًا على أن إيران مارست دورًا تخريبيًا في العراق، وهي المعوق الرئيس لإستقراره وتقدمه وإزدهاره.

إسطنبول: عبّر الهاشمي، الذي رفعت الشرطة الدولية "الانتربول" قبل أيام اسمه نهائيًا من قائمتها الحمراء للمطلوبين دوليًا، في حوار مطول أجرته معه "إيلاف" في مقر اقامته في إسطنبول التركية، عن ندمه للمشاركة في العملية السياسية، واعتبر حركة اعتصام مجموعة من النواب دليلًا على الفوضى وغياب إرادة واعية، تتبنى التغيير طبقًا لسياق منهجي أو أهداف واضحة.

الهاشمي: المالكي مجرم حرب والعبادي يحميه بابتزاز إيراني

وأشار الى انه يتفهم توجه الاكراد نحو تقرير المصير، لكنه اكد على ضرورة بقائهم في إطار العراق الموحد، واعتبر حراك الصدريين مطلوبًا ضمن الزخم الجماهيري الضاغط للاصلاح. &

وإلى القسم الثاني من الحوار مع الهاشمي:

*إلى أي مدى في رأيكم تغيّرت الأوضاع برحيل المالكي وتولي العبادي رئاسة الحكومة، خاصة أنه جاء بموافقة العرب السنة والأكراد وبعض الشيعة؟
نوري المالكي ترك إرثًا لا يضارعه في البشاعة والسوء أي رئيس وزراء حكم العراق منذ تأسيس الدولة العراقية، وآثار حكمه لا تزال ماثلة وطاغية على السطح، داعش من جهة، سطوة الميليشيات الطائفية والدولة العميقة التي أسس لها على مدى ثماني سنوات من جهة أخرى، الفساد المستشري، التخلف المروع في الخدمات، الانقسام المجتمعي الحاد، الظلم والتمييز الطائفي، السيادة المفقودة، الأمن الهش... أما دور العبادي فهو لم ينصرف للإصلاح، بل للتكتم والتستر على هذا الإرث، الذي خلفه له المالكي رئيس حزبه، وصحيح أن العبادي ليس عدوانيًا، لكن في ظل حكمه لم تتحسن الأوضاع، لأنه عجز عن فتح ملفات مهمة، حيث المتهم الأول فيها نوري المالكي وعصابة حزب الدعوة. العبادي فقد مصداقيته، فهو يقول ما لا يفعل، ولو كان صادقًا، لتخلى عن الحزب، الذي يتحمل تاريخيًا كامل المسؤولية في خراب العراق، ما يستدعي تقديم قادته إلى العدالة.

*إنخرطتم في العملية السياسية منذ عام 2004، فهل جاءت الأحداث كما كنتم تتوقعون؟
لا بد أن يكون وراء إنخراطي في العملية السياسية غرض نبيل يستحق الثمن الغالي الذي دفعته، وأنا صابر محتسب، وأقصد إستشهاد أخوتي الثلاثة، وأقول بحزن أن مآلات العملية السياسية كانت كارثية، رغم أني، ومعي القلة من السياسيين، عملنا على توجيه تطور الأحداث بما يخدم إستقرار ووحدة وإزدهار العراق وسيادته، لكن هذه الأحلام تلاشت تحت الضربات الموجعة من جانب أطراف داخلية وخارجية، دفعت بالاتجاه المعاكس، ونجحت مع الاسف، أقول اليوم، وبعد مضي ثلاث عشرة سنة على غزو العراق، لو أستقبلت من أمري ما استدبرت لأصررت على عدم المشاركة أصلًا.&

*هل تعتقد أن العملية السياسية قد وصلت الى طريق مسدود، وكيف يمكن في تصورك تصحيح هذه الاوضاع؟ من الداخل؟ أم بتغييرها بشكل كامل؟
نعم، العملية السياسية وصلت الى طريق مسدود، ولا مفر من التغيير، لكن من الملاحظ عند هذه النقطة ينقسم العراقيون إنقسامًا حادًا. أما رأيي الشخصي فهو ينصرف للتغيير، إذ لم يعد مجرد الاصلاح يكفي لمعالجة خراب طال مختلف أوجه الحياة في العراق، لكن لا تغيير من دون مراجعة منهجية لتجربة ثلاث عشرة سنة، وعلى ضوء مخرجات هذه المراجعة نبني خارطة الطريق للتغيير.
&
أما الآلية، فتبدأ من وحدة القوى الوطنية العراقية المعارضة في الداخل والخارج والدعوة الى مؤتمر دولي كأن يكون القاهرة 2 أو مكة 2 برعاية دولية، يشارك فيه ممثلو قوى مختلفة، ومن خلال المؤتمر المذكور لا بد أن يقرر العراقيون مدى رغبتهم في العيش المشترك، وبعد ذلك الاتفاق على شكل الدولة العراقية، وشكل دستورها... كل ذلك يجري بالتوافق والتفاهم، وليس بالعنف وسفك الدماء.

ما يعوق هذا الحل، التفرق والانقسام، بل التناحر ما بين القوى الوطنية من جهة، وغياب الارادة الدولية في التغيير حتى اللحظة من جهة أخرى، ومن دون هذين العاملين لا أدري كيف يمكن أن يتحقق التغيير؟.. إن أكبر تحدٍّ يواجهنا وسيواجهنا مستقبلًا هو النفوذ الايراني، وإذا لم نضمن إستعادة القرار السياسي العراقي المختطف، فإن عجلة التغيير سوف لن تدور...

*حركة الاحتجاجات الاخيرة وإعتصام أكثر من 100 نائب بدأت بمطلب إقالة الرؤساء الثلاثة، ثم إنحصرت في رئيس البرلمان لماذا؟&
هذا دليل على الفوضى وغياب إرادة واعية تتبنى التغيير طبًقا لسياق منهجي أو أهداف واضحة، حتى موضوع تغيير الرئاسات أو التركيز على التغيير الوزاري لا أعتقد أن ذلك يكفي لمعالجة الخراب العام الذي دمّر مرافق الدولة، ومزق الشعب، وخرب القيم... إنه لايعالج أصل المشكلة، بل ينصرف لمعالجة إفرازاتها.

*هل تعتقد أن حركة الاحتجاج التي يقودها الصدر في الشارع جدية وحقيقية... وهل هي ضمن الصراع الداخلي الشيعي الشيعي؟، حيث إنه تركها واعتكف في إيران تاركًا أنصاره يحتجون في الشوارع؟
الزخم الجماهيري مطلوب كورقة ضغط لا يمكن الاستغناء عنها، لكن النجاح لا يتوقف على الحشد فحسب من دون إطار منهجي للتحرك تتقدم فيه الجماهير من صفحة إلى أخرى، من خلال خارطة طريق حتى تبلغ الغرض النهائي، تغيير المواقف فجأة خلاف التوقعات أو خارج سياق تطور الأحداث يصيب الجماهير بالإحباط ويعطل مسيرتها ويفسح المجال للقوى الرافضة للتغيير أن تعزز مواقعها وترد... ولذلك، فالمراجعة وتصحيح المسار مطلوبان على عجل. &

* ماذا يعني هتاف الجماهير في ساحة الاحتفالات ومن مبنى البرلمان ضد إيران وتدخلها في شؤون العراق؟
تعبير صادق عن الضمير العراقي الرافض للهيمنة والتبعية، هو تحصيل حاصل لرفض شعبي عراقي واسع النطاق، على إيران أن تأخذه في الحسبان وتتعامل معه بجدية، هذا الهتاف دليل جديد على أن موقف شعب العراق، حتى من أبناء عشائر الجنوب، يرفض تفريط الطغمة الحاكمة بسيادة العراق والسماح بالهيمنة الايرانية، إيران مارست دورًا تخريبيًا في العراق، وهي المعوق الرئيس لإستقرار العراق وتقدمه وإزدهاره، التغيير لا بد أن ينطلق من تحرير الارادة العراقية من الهيمنة الايرانية، ولهذا كان الهتاف الجماهيري الشعبي ذا مغزى في هذا الظرف تحديدًا.&
&
*الى أي مدى تعتقد أن حزب الدعوة برؤساء وزرائه الثلاثة مسؤول عمّا وصلت إليه أوضاع البلاد؟
الأطراف التي ساهمت في خراب العراق عديدة، ولا يمكن أن ننسى الأجندة الخفية التي كانت وراء الغزو عام 2003، والدور الانتهازي لإيران ومواقف أطراف معادية أخرى، لكن حزب الدعوة، وهو يحكم منذ عام 2005 حتى اللحظة، يتحمل قسطًا كبيرًا من المسؤولية في هذا المجال، حقيقة وأنا مشارك في العملية السياسية أستطيع القول بثقة إن الانحراف المنهجي بدأ فعلياً منذ حكومة إبراهيم الجعفري، لكن حكم نوري المالكي على مدى ثماني سنوات كان الاسوأ على جميع الاصعدة، وحتى اللحظة، ورغم ضغط تيار شعبي عريض ينادي بالتغيير، نجد أن العبادي يسوف ويماطل ويؤجل، وهو يتبنى رؤية ضبابة مشوشة، فيها الكثير من الوعود والقليل القليل من الاصلاح. & &&
&
*تنطلق دعوات بين الحين والآخر إلى إقامة الإقليم السني كحل للإضطهاد الذي يتعرّض له العرب السنة.. ماهو موقفكم؟
المطلب دستوري وله ما يبرره، بل وله تأييد واسع النطاق في المحافظات ذات الغالبية العربية السنية، لكن من يضمن أن تنتهي المعاناة والقهر حالما يكون للعرب السنة إقليم خاص بهم؟، ومن يضمن أن لا تؤدي هذه الخطوة الى التقسيم، حيث سيخرج الكل في نهاية المطاف خاسرًا؟.

أخشى أن تكون هذه الوصفة، إن لم تتحقق في إطار توافق وطني، ذات آثار ونتائج كارثية، لهذا أقترح عدم القفز الى حلول جاهزة، حتى يلتئم الاطراف كافة حول طاولة مفاوضات، في إطار مؤتمر وطني، برعاية دولية، لبحث المسألة العراقية، والخروج بتوصيات يتوافق عليها الجميع، لا شك ستكون على جدول الاعمال موضوعات عديدة متشعبة، في مقدمتها الإجابة عن السؤال التالي (هل بقيت فرصة للتعايش الوطني أم بات من المتعذر قبول الآخر... وبناء على الجواب، نضع بالتوافق ملامح العراق دولة المستقبل)، في جميع الاحوال هذا الوضع الذي نحن فيه غير مقبول على الاطلاق، ولا بد من تغييره. &

*ماهو رأيكم في إتجاه السلطات في إقليم كردستان إلى إجراء إستفتاء حول تقرير المصير؟
الكرد مكون رئيس في تركيبة شعب العراق، وقد عشنا معهم سنوات الشدة وسنوات الخير، والمصلحة العامة لكل الاطراف، ما يقتضي بقاءهم في إطار العراق الموحد، ومع ذلك نتفهم تطلعاتهم، وقد لبّى الدستور بالمناسبة رغبتهم في تحويل العراق من دولة مركزية الى دولة فدرالية، وأكد على أن العودة الى العراق الإتحادي تمت بطواعية، وليس بالقوة أو القسر.&

الأوضاع الشاذة هي التي تدفع بالمكونات الاجتماعية المختلفة إلى التفكير بأحوالها والقلق على مستقبلها بعيدًا عن الإطار الوطني، خلاصًا من دولة فاشلة... كما وصفت الامم المتحدة العراق في ظل هيمنة حزب الدعوة. ولهذا يطرح الاكراد الاستفتاء على تقرير المصير، بينما يطرح العرب السنة مشروع الاقليم السني.

يذكر أن الشرطة الدولية "الانتربول" قد طوت هذا الاسبوع آخر صفحة من حكم القضاء العراقي على الهاشمي بالإعدام بتأكيد رفع اسمه نهائيًا من قائمتها الحمراء للمطلوبين بالاعتقال، مؤكدة عدم اقتناعها بالمبررات التي قدمتها السلطات العراقية لصدور الحكم، فيما وصف الهاشمي القرار بأنه تأكيد على ان التهم التي ساقتها السلطات العراقية للحكم عليه باطلة. &

وسبق للقضاء العراقي في عهد الولاية الثانية لرئيس الحكومة السابق نوري المالكي أن أصدر في التاسع من سبتمبر عام 2012 حكمًا غيابيًا بالاعدام ضد الهاشمي بزعم قيادة فرق اغتيالات في البلاد، حيث أثارت قضيته توتراً بين القوى السياسية، خاصة بين القائمة العراقية، التي يتزعمها اياد علاوي، وينتمي إليها الهاشمي، وائتلاف دولة القانون الذي ينتمي إليه المالكي.

ثم دخل الأكراد على خط الأزمة بعدما سمحوا للهاشمي بالمكوث في إقليم كردستان الشمالي، ورفضوا تسليمه إلى حكومة بغداد، لعلمهم أن قضيته لا تتعدى استهدافًا شخصيًا، قبل أن ينتقل لاحقاً إلى خارج العراق، حيث استقبلته رسميًا قطر والسعودية وتركيا.

وأصدرت الشرطة الدولية "الإنتربول" من مقرها في ليون في فرنسا، في مايو عام 2012، مذكرة توقيف دولية تطالب بمساعدة الدول الـ190 الأعضاء فيها لـ"تحديد مكان وتوقيف" الهاشمي، الذي صدرت بحقه مذكرة توقيف عراقية في ديسمبر عام 2011.