شن تنظيم الدولة الإسلامية في الأيام الأخيرة هجمات متكررة في بغداد لإثبات عدم تأثر قدرته الهجومية، رغم تعرّضه للضغوط، وتراجعه في بعض المناطق في شمال وغرب العراق.

بغداد: يسعى التنظيم "الجهادي"، من خلال هذه الهجمات، إلى عكس صورته كقوة قادرة على الهجوم، بهدف صرف الانتباه عن النكسات التي يتعرّض لها في مناطق متفرقة في العراق، اضافة الى صرف انتباه وسائل الإعلام عن هزائمه. وتصاعدت حدة الهجمات في بغداد، ما ادى الى مقتل اكثر من 140 شخصا خلال الايام السبعة الماضية، والتي تزامنت مع خلافات سياسية داخلية حادة، الامر الذي سهل تحرك المسلحين في العاصمة.

التفجيرات اسلوب اعتمده تنظيم الدولة الاسلامية، ولا يمثل استراتيجية جديدة، ويعد طريقة اساسية للهجوم والدفاع منذ سنوات لدى هذا التنظيم، الذي لم تتوقف تفجيراته في بغداد.

انخفضت الهجمات في بغداد، فيما تركزت في مناطق اخرى في العراق عند سيطرة "الجهاديين" على مناطق واسعة في شمال وغرب العراق، بعد هجومه الواسع في يونيو 2014.

استغلال الأزمة

وقال باتريك سكينر الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية وعضو "مجموعة صوفان الاستشارية": ان "التنظيم يستهدف بغداد، لانه في موقف دفاعي، وبإمكانه ان يطعن الحكومة (العراقية) في العاصمة". اضاف "مازالوا يستعملون (قنابل) لتنفيذ الهجمات (...) لكن من الواضح ان هناك من يصنع الاحزمة الناسفة، ويفخخ السيارات في بغداد، ما يؤدي الى تزايد وقوع المجازر".

واكد الكولنيل ستيف وارن المتحدث باسم قوات التحالف التي تقاتل تنظيم الدولة الاسلامية بقيادة واشنطن، ان الخسائر التي لحقت بالتنظيم في مناطق المواجهات دفعت الى تصاعد الهجمات في بغداد. واشار في الوقت عينه الى ان الازمة السياسية التي تعيشها بغداد "هي فرصة يمكن لهم استغلالها من اجل تفجير عجلات (مركبات) مفخخة" في المدينة.

وتعيش بغداد ازمة سياسية حول مساعي رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الى تشكيل حكومة من وزراء مستقلين تكنوقراط بدلا من وزراء مرتبطين باحزابهم. ودفع التوتر الى خروج تظاهرات متكررة غاضبة، وقيام متظاهرين في الشهر الماضي باقتحام المنطقة الخضراء، في وسط بغداد، وسيطرتهم لساعات على مبنى مجلس النواب، ما ادى الى توقف وشلل في عمل المجلس لاسابيع عدة. ووصف سكينر الحادث قائلا "انه تضافر لعوامل عدة نتيجته دامية".

وذكر بان "الجهاديين" حاليًا "تحت ضغط عسكري كبير، فيما توجد ازمة سياسية، يمكن لهم ان يستغلوها لإشاعة اقصى درجات الفوضى" في البلاد.

نقص أمني

قتل ما لايقل عن 94 شخصا واصيب عشرت بجروح جراء موجة تفجيرات بسيارات مفخخة، بينها انتحارية ضربت بغداد في منتصف الاسبوع الماضي، كما قتل 48 شخصا على الاقل في ثلاث هجمات ضربت المدينة الثلاثاء. استفاد "الجهاديون" من تراجع القوات العراقية خلال المواجهات الاولى ضد تنظيم الدولة الاسلامية في منتصف عام 2014، وحصلوا على كميات كبيرة من الاسلحة والمركبات التي تركتها تلك القوات.

لكن القوات العراقية، وبدعم من التحالف الدولي، تمكنت من استعادة السيطرة على مناطق واسعة ومدن مهمة، بينها تكريت والرمادي ومدن وقرى متفرقة في عموم البلاد. وتتولى قوات التحالف تدريب حوالى 22 الفا من عناصر قوات الامن، لكنها تركز على استعدادات القوات لتنفيذ عمليات ضد "الجهاديين"، وليس كقوات لحماية بغداد.

واكد الكولونيل وارن والعميد يحيى رسول المتحدث باسم قيادة القوات المشتركة العراقية ان القوات التي تتدرب على يد التحالف الدولي لا تتولى مهاما في بغداد. لذلك نرى تصعيدا في التفجيرات التي تستهدف بغداد منذ يونيو 2014، وتواصل قدرة "الجهاديين" على تنفيذ هجمات في العاصمة.

أجهزة كشف فاشلة

ويبدو من الواضح عدم تمكن القوات الامنية من تأمين حماية بغداد بشكل كامل من التفجيرات التي ينفذها "الجهاديون"، وقد تسهل اخطاء في تنفيذ اجراءات امنية الامر امام هؤلاء اكثر من اي وقت مضى. تواصل القوات الامنية استخدام اجهزة مغشوشة لكشف المتفجرات في بغداد رغم صدور حكم عام 2013 بالسجن لعشر سنوات بحق جيمس ماكورميك، الذي باع تلك الاجهزة للعراق، بتهمة الاحتيال.

وتردد مسؤولون عراقيين في الاعتراف بفشل "اجهزة الكشف" حتى ان رئيس الوزراء انذاك نوري المالكي اصر على انها فاعلة وتعمل. وتعتمد قوات الامن على هذه الاجهزة، كوسيلة اساسية للكشف عن المتفجرات والاسلحة عند حواجز التفيش في بغداد، التي تقوم احيانا بتدقيق بطاقات الشخصية وتفتش السيارات، في حين تبقى الاسلحة مخفية.

وادى الغضب الشعبي جراء الهجمات المتكررة الى زيادة الضغط على العبادي، الذي امر الثلاثاء القوات الامنية بتكثيف الجهود للكشف عن الخلايا التي تقف وراء تلك الهجمات، واعتقال المسؤول الامني في منطقة الشعب، في شمال شرق بغداد. ويرى المراقبون ان خفض عدد التفجيرات في بغداد يتطلب اجراء تغييرات كبيرة.