شككت منظمة "هيومان رايتس ووتش" الحقوقية الدولية في صدقية الحكومة العراقية بمحاسبة عناصر الحشد الشعبي والشرطة الاتحادية عن الانتهاكات التي وصفتها بالجرائم المرتكبة ضد سكان المدن المحررة في الفلوجة وما حولها، مؤكدة أن تحقيقاتها محفوظة طي الكتمان، وحذرت من أن الإخفاق في مساءلة المقاتلين والقادة عن تلك الانتهاكات يُنذر بأخطار في معركة الموصل المنتظرة. 

إيلاف من بغداد: قالت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير لها اليوم عن الانتهاكات التي ترتكبها المليشيات العراقية المسلحة ضد سكان مدن في محافظة الانبار الغربية، واطلعت على نصه "إيلاف"، إن تحقيقًا للحكومة العراقية في انتهاكات مزعومة ضد المدنيين خلال العمليات العسكرية لاستعادة الفلوجة محفوظٌ طي الكتمان. واوضحت أن التقارير الجديدة حول انتهاكات خطيرة ارتكبتها "قوات الحشد الشعبي" و"قوات الشرطة الاتحادية" تضاف إلى عمليات القتل والاختفاء القسري والتعذيب التي أبلغ عنها منذ بداية العملية ووثقتها المنظمة.

الحشد الشعبي يعتقل نازحين من الانبار

طي الكتمان

واشارت المنظمة الى انه في الرابع من الشهر الماضي فتح رئيس الوزراء حيدر العبادي تحقيقًا في مزاعم سوء المعاملة، وأعلن بعد 3 أيام عن اعتقالات غير محددة و"إحالة المتهمين بارتكاب تجاوزات إلى القضاء لينالوا جزاءهم وفق القانون"، لكنّ المسؤولين الحكوميين لم يقدموا المعلومات ردًا على استفساراتها منذ منتصف ذلك الشهر بشأن وضع التحقيق: من يُجريه أو الخطوات المُتخذة حتى الآن.

وقال جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في المنظمة، إن "الإخفاق في مساءلة المقاتلين والقادة عن الانتهاكات الجسيمة يُنذر بأخطار في معركة الموصل، وحيث ان التحقيقات والملاحقات القضائية الجادة ضرورية لتوفير العدالة للضحايا وأُسَرهم وردع القوات الحكومية عن ارتكاب الفظائع".

وقالت "هيومن رايتس ووتش" إنها وجهت أسئلتها حول التحقيق إلى المتحدثين الرسميين باسم رئيس الوزراء والسلطة القضائية، كما تحدثت أيضًا مع أعضاء في البرلمان والسلطة القضائية ومسؤولين محليين في محافظة الأنبار ومسؤولين حكوميين عن حقوق الإنسان فضلاً عن الدبلوماسيين الأجانب والأمم المتحدة، لكنّ ايًا منهم لم يوفر أي معلومات عن التحقيقات المزعومة بما في ذلك توقيف أي شخص واتهامه، كما قالت.

إعدامات وإخفاء قسري

واشارت المنظمة الى انه في بداية عملية الفلوجة ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في 24 مايو الماضي، قال رئيس الوزراء العبادي إن حكومته اتخذت تدابير لحماية المدنيين ومع ذلك خلال أسبوعين من القتال كانت هناك تقارير ذات مصداقية حول إعدامات دون محاكمة وضرب للمحتجزين واختفاء قسري وتشويه القوات الحكومية للجثث.

واوضحت إن الانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن الحكومية في الفلوجة استمرت منذ هزيمة قوات داعش، حيث زودها شاهد بصورة قال إنه التقطها في 27 يونيو على المشارف الشمالية لمدينة الفلوجة لجثة مقطوعة الرأس مع حبل حول الساق اليسرى. وأضاف أنه رأى مقاتلي الحشد الشعبي، وهي قوة قتالية مساندة تحت قيادة العبادي، وتضم العديد من الميليشيات الشيعية، يتصورون مع الجثة قبل لحظات من التقاطه للصورة، معبرين عن فخرهم بقتل عضو في داعش، رغم أن وضع القتيل بصفته مقاتلاً أو مدنيًا وسبب الوفاة لا يمكن تحديدهما.

الحشد الشعبي يعتقل نازحين


حرق ونهب 

وشددت "هيومن رايتس ووتش" على أن تشويه الجثث جريمة حرب مثل قتل المقاتلين الأسرى أو المدنيين، موضحة ان الشاهد نفسه قال إنه رأى قوات الحشد الشعبي تحرق المنازل والمحال التجارية وسط الفلوجة، مرددين هتافات الانتقام وبعضهم ينهب. والتُقطت صورة تُظهر حرق المحلات التجارية في الفلوجة، كما ذكرت وسائل الإعلام حصول حرائق وأعمال نهب عقب دخول القوات الحكومية إلى المدينة.

واوضحت انه ظهر المزيد من التقارير حول انتهاكات خطيرة خلال العمليات العسكرية في الفلوجة، وابلغ عدة أشخاص، من بينهم مسؤولان من محافظة الأنبار، "هيومن رايتس ووتش"، إن أفرادًا من الشرطة الاتحادية والحشد الشعبي أعدموا يوم 3 يونيو أكثر من 10 مدنيين من عشائر جُمَيلة فرّوا من بلدة السجر قرية شمال الفلوجة.

كتائب حزب الله 

وقال أحد سكان الصقلاوية إنه في صباح 3 يونيو أتى إلى المنطقة أشخاص بالزي العسكري يدّعون أنهم من الجيش العراقي فأمروا النساء والشيوخ والأطفال بالانفصال عن الرجال، ثم فصلوا الرجال إلى مجموعات مختلفة، وضعها العسكريون مع 600 آخرين على الأقل، معظمهم من قبيلة المحامدة في شاحنات، واقتادوهم أخيرًا إلى معسكر طارق، وهو قاعدة للجيش جنوب الفلوجة على بعد 50 كيلومترًا غرب بغداد. وعندما ترجّل، عرف من الزي أن الحراس كانوا من "كتائب حزب الله"، وهي قوة بارزة ضمن الحشد الشعبي.

واوضحت المنظمة أن واحدًا من بين أكثر من 600 رجل وصبي، تلقوا العلاج في مستشفى عامرية الفلوجة، كانوا قد تعرضوا لانتهاكات على يد قوات الحشد الشعبي العراقية في الصقلاوية بعد أخذ هذه القرية من داعش، بحسب شهادة أشخاص قابلوا العديد منهم.

وقال احدهم إن قرابة 90 حارساً ضربوه وسجناء آخرين بوحشية طوال 24 ساعة مستعملين العصي والكابلات وهم يهتفون ضد السُنة .. موضحًا أن 3 رجال ماتوا أمامه. وفي صبيحة 5 يونيو، حررت قوات الشرطة المحلية الرجال وأرسلتهم الى مستشفى عامرية الفلوجة.

وقال عامل إغاثة عراقي في المستشفى إن أكثر من 50 رجلاً من الكرمة والصقلاوية أخبروه أن مقاتلي الحشد الشعبي ضربوهم بعد احتجازهم أثناء العمليات العسكرية وتعرضوا أحيانًا لمعاملة أكثر وحشية.

وقال المسؤول بمحافظة الانبار إن المحرَّرين أخبروه برؤيتهم مقاتلي الحشد الشعبي يأخذون 600 رجل أو أكثر من عشائر المحامدة. 

كما قدم مسؤول آخر في الأنبار قائمة بأسماء 49 رجلاً رآهم المُحرَّرون يموتون خلال الاحتجاز، وقائمة اخرى بأسماء 643 شخصًا آخرين من الصقلاوية ما زالوا مفقودين منذ 3 يونيو .

وفي 28 يونيو في شهادته لمجلس الشيوخ الأميركي، قال بريت ماكغورك مبعوث الرئيس الأميركي باراك أوباما الخاص للتحالف الدولي ضد داعش ردًا على سؤال من عضو مجلس الشيوخ إد ماركي حول تحقيق الحكومة العراقية، إن "حوالي 4-5 أفراد من الجيش العراقي اعتُقلوا.. لم ينتهِ التحقيق بعد". ووصف ماكغورك في 22 يونيو تقارير عن الانتهاكات بـ "فظائع معزولة ارتكبها البعض في الحشد الشعبي" .. وقال إن الحكومة العراقية "تفعل الصواب لضمان مساءلة أي شخص ينتهك حقوق الإنسان".

محاكمة المسؤولين 

ودعت هيومان رايتس ووتش سلطات العدالة الجنائية العراقية الى التحقيق في جميع الجرائم بما فيها القتل والتعذيب وغيرهما من الانتهاكات من قبل أي طرف خلال الصراع بسرعة وشفافية وفعالية، وصولاً إلى أعلى المستويات المسؤولة... مشددة على ان أولئك الذين تثبت مسؤوليتهم الجنائية تجب محاكمتهم بشكل مناسب.

كما طالبت السلطات العراقية باجراء ملاحقات قضائية عادلة بحق أعضاء داعش وغيرهم ممن يرتكبون هجمات غير قانونية ضد المدنيين.. وقالت "يجب أن تطال الملاحقات أيضا المسؤولين عن الهجوم الرهيب يوم 3 يوليو ضد أناس كانوا يتسوقون استعدادًا لعيد الفطر في حي الكرادة في بغداد، وقتل الهجوم 293 شخصًا واصاب 225 آخرين على الأقل. حيث ان مثل هذه الهجمات هي جرائم حرب وعندما تكون جزءًا من هجوم واسع أو منهجي ضد المدنيين، فهي تشكل جرائم ضد الإنسانية.

استقلال المحققين

وقالت المنظمة ان على أولئك الذين يجرون مثل هذه التحقيقات الجنائية ويتخذون القرارات حول الملاحقات القضائية أن يكونوا مستقلين عمّن يُحقَّق معهم كما يجب أن يكونوا من خارج السلسلة العسكرية النظامية، ولا يخضعون للتدخل السياسي. وعلى السلطات ضمان سلامة جميع الشهود في الوقت نفسه ينبغي إنشاء لجنة تحقيق أو ما يعادلها لدراسة المخاوف الأكبر حول ما إذا كانت الانتهاكات تُرتكب بكثرة أو بشكل منهجي.

وقال ستورك: "يجب أن تُدرك الحكومة الأميركية وتعالج الانتهاكات المستمرة على نطاق واسع من قبل القوات الحكومية العراقية، الغياب شبه التام للتحقيقات الشفافة أو أية تحقيقات على الإطلاق، كما يجب ألا تشيد الولايات المتحدة بالتزام الحكومة شفهيًا بالمساءلة بينما تغيب المعلومات التي تشير إلى حدوث أي شيء من هذا القبيل".

أسئلة 

وطرحت منظمة هيومان رايتس ووتش اسئلة عدة حول التحقيق في الانتهاكات مؤكدة انها مهمة، لكن لم يتم الاجابة عليها، وهي :

من يُجري التحقيقات ومن عيّن المحقّقين؟

ما هي ولاية التحقيق وصلاحياته؟

هل تشمل ولاية التحقيق مسؤولية القيادة عن الانتهاكات؟

هل يتبع التحقيق لمجلس القضاء الأعلى أم أنه هيئة خارج نطاق القضاء؟

هل يرتكز التحقيق على القانون الجنائي العسكري أو المدني العراقي، وهل يشمل انتهاكات قوانين الحرب والجرائم ضد الإنسانية؟

كم تحقيقًا فُتح حتى الآن، وما النتائج؟

هل كانت هناك اعتقالات؟ إن وُجدت، فما رُتب ووحدات المتهمين، وما التهم؟

هل ستُعلَن النتائج والتوصيات النهائية؟

وكانت الأمم المتحدة اتهمت الاربعاء الماضي ميليشيا شيعية تقاتل إلى جانب القوات العراقية ضد تنظيم داعش بخطف 900 مدني، وإعدام 50 على الأقل، بعضهم بقطع الرؤوس والبعض بالتعذيب. وتحدث المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة زيد بن رعد الحسين عن أدلة قوية بأن جماعة "كتائب حزب الله" العراقية ارتكبت فظائع بعد أن أبلغت المدنيين أنها جاءت لمساعدتهم.

وحذر في بيان بأنه مع استعداد العراق لشن هجوم آخر ضد تنظيم داعش في معقله في الموصل، فإن مزيداً من المدنيين السنة قد يواجهون أعمال عنف فظيعة انتقاماً من الجرائم، التي ارتكبها تنظيم داعش.