«إيلاف» من لندن: أول مرة يكون الشعب العربي على تماس فعلي ومؤكد مع شبكات التواصل الاجتماعي حين بدأت موجة الربيع العربي في تونس في عام 2010، وانتقلت إلى دول أخرى. 
برز المجتمع الشبكي العربي الفاعل على مستوى الحراك المدني في مصر إبان ثورة 25 يناير. وتطور الأمر إلى حد اندماج العالم الافتراضي في الحياة الواقعية اليومية العربية بعدما زاد انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، وتحولها إلى شبكات غضب في أيام الاحتجاجات، وشبكات أمل في أيام إعادة بناء الدولة الحديثة على أنقاض الأنظمة المتهافتة، ولو أن هذا ما بلغ تمامه.

ما هي
بناءً على هذا التطور، كانت فكرة "ترندينغ" من بي بي سي، وهي نشرة إخبارية تقدم للمشاهد أبرز ما يتداوله الناشطون في العالم الافتراضي، مؤسسة على عرض سريع للحوادث يخاطب الشباب بلغتهم الخاصة، ويستطيع بلوغ فئات المجتمع العربي كلها. لكن، أي أخبار لا تتناولها "بي بي سي ترندينغ"؟
يقول أحمد فاخوري أحد مقدمي نشرة بي بي سي ترندينغ لـ"إيلاف": "ببساطة، لا تتناول نشرة ترندينغ الموضوعات الإخبارية التقليدية التي تشبع بحثًا وتمحيصًا وتحليلًا في نشراتنا الإخبارية، وتُصنع منها تقارير غرفة الأخبار أو تقارير المراسلين الروتينية، وتتم الاحاطة بها بتعمق في برامجنا السياسية الحوارية على مدار اليوم .وحتى لو تناولتها ترندينغ، فإنها تنظر اليها من زاوية مختلفة تمامًا، هي الزاوية التي جذبت اهتمام مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي أو أثارت جدلًا بينهم، وربما تكون زاوية فكاهية أو جدلية سياسية".
فهل هي إذًا نشرة إخبارية لوسائل التواصل الاجتماعي؟ الجواب عن هذا السؤال تعريفي بامتياز: "هي نشرة إخبارية غير تقليدية. إذا قلنا نشرة إخبارية لوسائل التواصل الاجتماعي فهذا يعني اننا نجري مسحًا لحوادث اليوم من خلال منصات التواصل الاجتماعي، وهذا ما لا نفعله في ترندينغ. فوسائل التواصل الاجتماعي تغص بكل شيء من الأخبار والدعاية والجدل والفكاهة والإباحية والسخافة، كما تمتلئ أيضًا بالعمق والتحليل والبحوث".
أضاف: "سيكون متعذرًا على بني البشر تكوين فكرة عن ترندينغ بشكل دقيق من دون مساعدة محركات البحث الالكترونية، ومن غير المجدي فعل ذلك .ففريق ترنديغ يلجأ إلى آليات السبر لمعرفة الموضوعات التي استحوذت على اهتمام الجمهور في منطقة جغرافية معينة، ربما تكون هذه الموضوعات إخبارية وعناوين رئيسية في النشرات أو لا تكون".

لدينا دليلنا 
اليوم، دخلت وسائل التواصل الاجتماعي في صلب العمل الصحفي. لكن، هل سيحكم المستقبل أن يكون العمل الصحفي في صلب وسائل التواصل الاجتماعي؟ يقول فاخوري الذي يقدم النشرة الى جانب رانيا العطار لـ"إيلاف": "في بداية عشرينيات العام الماضي، عندما انطلق بث بي بي سي الإذاعي، كان أقصى الحلم إيصال صوت المذيع أو المطرب أميالًا عدة من برج البث. منذ عقدين فقط، لم يكن أحد يتصور أن هناك جهازًا بحجم كف اليد ويزن اقل من مئة غرام يمكنه ان يصلك بكل شيء في هذا الكوكب وما بعد هذا الكوكب بضغطة زر او من دونها . فالتطور الذي حصل في ثورة الاتصالات هو تحد حقيقي لكل ما نعرفه عن الصحافة التقليدية، وهذا يحتّم على كل وسيلة اعلامية ان تطور نفسها وبسرعة، فالزمن يركض وهناك جيل من الشباب والمبدعين سبقوا كل ما هو تقليدي".
لكن، في خضم ذلك، ما عادت هذه الصحافة الحديثة رحة بحث عن المعلومة بقدر ما هي عملية انتخاب في دفق المعلومات بمعايير محددة، "هي المعايير نفسها هي التي نشأت عليها بي بي سي، فلدينا دليل السياسة التحريرية وهو دليل العمل في منصات بي بي سي كلها، يعتمد صحفيوها كلهم على اختلاف لغاتهم، وأبرز بنوده الدقة والحياد الموضوعية والأمان في نقل المعلومة .فدليلنا الارشادي يقول بالحرف الواحد :بي بي سي لديها تقليد بالسماح للأفراد والجماعات والمنظمات للتعبير عن وجهاتهم او ارائهم ومعتقداتهم، والتقدم بدفوعهم وخلافاتهم عبر منصاتها، وهذا يمكن ان يمتد من الآراء الصريحة شديدة التحيز لأصحاب الحملات السياسة مثلًا، مرورًا بآراء المتخصصين والمهنيين بمن فيهم الاكاديميين والعلماء، وصولًا الى الآراء التي يدلي بها جمهورنا. هذا كله يمكن ان يضيف فهمًا عامًا ونقاشًا، خصوصًا عندما نوفر لجمهورنا سماع وجهات نظر طازجة للمسائل الراهنة ".

أنموذج مستقبلي
حسنًا، فهل تكون "ترندينغ" إذًا الأنموذج المستقبلي لنشرات الأخبار؟ لا يستطيع مقدم النشرة الجزم أن وسائل التواصل الاجتماعي ستكون مستقبل الإعلام، "فلا أحد يستطيع ضمان عدم تغير مسار التكنولوجيا نحو شيئ لا نتوقعه. لكن، بشكل عام، لدى بي بي سي مشروع طامح جدا هو مشروع 2020، تعمل عليه منذ سنوات، وقبل انتهاء المشروع ستعد إدارتها مشروعًا أكثر طموحًا لعشر سنوات قادمة".
أضاف: "الرائع في بي بي سي هو المرونة وقدرة التأقلم مع أي ظرف، إضافة إلى الإبداع، فهي مدرسة عريقة للصحافة في العالم".
إلى الآن، بحسب محدثنا، يصل الكثير من ردات الفعل الايجابية، "ويصلنا أيضًا بعض الانتقادات التي نستمع اليها برحابة صدر، كأي برنامج ترندينغ يتطور مع الزمن، وفي كل يوم نتعلم شيئًا جديدًا، وفي كل يوم نطمح إلى أن نكون أفضل، والحرية متوافرة لنا، وعندما تكون الحرية لن يقف شيء أمام الإبداع ".
وعلى الرغم من التقدم نحو هذا الإعلام الجديد، لا تنوي بي بي سي التخلي عن إحالة الخبر إلى مصادر إخبارية تقليدية، والاكتفاء بمصادر التواصل الاجتماعي بعد التحقق منها، "فوسائل التواص الاجتماعي تزخر بالإشاعات والأخبار الملفقة، ولدينا وسائلنا للتحقق من صحة الخبر، ولا أظن أن بي بي سي تجازف في العادة بتبني خبر من دون نسبه إلى مصادره، أما إذا وجدنا الخبر مدرجًا في مصار الاخبار التقليدية، فزيادة الخير خير".

نشرة مختلفة
يضيف: "يعمل فريق ترندينغ على مدار الساعة للتحقق من الأخبار الموجودة، ويحرص على اعتماد ردات أفعال صادرة عن حسابات موثقة، لكن نشرة ترندينغ في الإجمال لا تقدم الأخبار التي تظهر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، انما تتعامل في أحيان كثيرة مع انعكاس هذه الاخبار في الفضاء الإلكتروني الواسع، وهذا ما يجعله اكثر ثراءً".
تحضر فقرة الـ "سوشال ميديا" في كل نشرة إخبارية تقريبًا، لكن ما تقدمه بي بي سي في ترندينغ لا نراه في غيرها من وسائل الإعلام الرصينة، "فهي مختلفة كليًا عن كل ما عرفته القنوات العربية في ما يتعلق بالتواصل الاجتماعي .كان عملنا في الأخبار يعتمد الثقافة السردية عند المذيع، أي القراءة من نص معد مسبقًا، أو برامج حوارية يسميها الغرب talking heads، فنشرة ترندينغ تعتمد بالدرجة الأساسية على مقدم البرنامج الذي ينفرد بشاشة تفاعلية يستعرض فيها الأخبار بشكل حداثي، وبيده التحكم التام للتنقل بين عناصر القصة والانتقال إلى كل حديث فيها حتى لو كان خبرًا عاجلًا .وما يجعل بي بي سي متفردة في موضوع التواصل الاجتماعي هو حرية الانتقاء ووجوب تغطية القصة بعناصرها كلها، وبكل خلاف يدور حولها بكل جرأة، الأمر الذي لا تقدر عليه أي قناة عربية خصوصًا في الازمات التي تعيشها المنطقة".​