عبدالإله مجيد من لندن: في ركن متجر هادئ لبيع الكتب في مدينة كركوك شمالي العراق تحلقت حول طاولة مجموعة من العراقيين الذين كانوا يتبادلون الحديث بأصوات تقرب من الهمس لأن ما يقولونه يمكن ان يوقعهم في مهالك إذا وصل الى اسماع الشخص الخطأ.
جماعة "المنطق"
في هذا الركن يجد العلمانيون العراقيون الشباب البيئة التي يرتاحون لها.
مؤسس المجموعة شاهو (29 عاماً) موظف حكومة وجد نفسه قبل سنوات عالقاً بين تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" بجهاديته الدموية وسندان الحكومة العراقية بفسادها وعدم كفاءتها. فقرر تأسيس هذا المنتدى وسماه منتدى "المنطق".
وجماعة "المنطق" هي الملاذ الفكري للعلمانيين العراقيين الذين لا تعترف الحكومة بوجودهم ويكون الموت مصيرهم إذ عرف بهم الاسلاميون المتطرفون، ناهيكم عن "داعش". &
وتبين نظرة سريعة على صفحاتهم على فايسبوك انها تزخر بالانتقادات للثقافة السائدة وحتى لبعض النصوص الدينية مع مواد بالعربية والكردية تستعرض آراء مفكرين مثل ريتشارد دوكنز وسام هاريس.
على خطى علمانيي الغرب
وتحدث شاهو لصحيفة "العربي اليوم" عن اعجابه بالعلمانيين الغربيين مثل دوكنز وجاك جاك روسو.
وحين سُئل شاهو عمن ينال اعجابه من المفكرين الاميركيين اجاب: "حين يتعلق الأمر بالولايات المتحدة فنحن لا نركن اليهم لأنهم يغالون في احكامهم بالأسود والأبيض".
واضاف "ان الفلسفة الفرنسية أفضل لنا بكثير لأن علاقة قوية تربطهم بالعرب".
النموذج الفرنسي
وبحسب شاهو فان العلمانية الفرنسية يمكن ان تكون نموذجاً للعراق في المستقبل وقال "نحن في هذه الجماعة نحاول ان ننسخ الخبرة الفرنسية في العلمانية التي بُنيت من خلال علاقة طيبة بين الأفكار والسلطة".
ودافع شاهو عن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الذي قال ان البرقع "ليس محل ترحيب" في فرنسا واصفاً البرقع والنقاب بأنهما اشياء جديدة على اوروبا. &واضاف شاهو "ان هذه القطع من الملابس لا تحترم المرأة وليس العكس".
ولكن جماعة "المنطق" تختلف بشأن هذه القضية. ويقول زاير (65 عاماً) صاحب متجر الكتب الذي يجتمع فيه افراد الجماعة انهم يرتكبون اخطاء ايضاً لمجرد اعجابهم بالنظام الفرنسي.
وأكد زاير انه ليس من المستغرب ان تتنامى العلمانية في اماكن مثل كركوك قريبة من مناطق تحت سيطرة داعش.
وقال: "سيكون هناك دائماً رد فعل ايديولوجي على داعش".
منذ السبعينات
وكشف زاير لصحيفة "العربي الجديد" انه اصبح ملحداً بل ويسارياً قبل نحو 40 عاماً مشددا على ان العلمانية ليست جديدة في العراق.
وقال زاير "ان حركتنا لم تأت من فراغ ومنذ السبعينات لم تتمكن الحكومات والسلطات المتعاقبة على اختلافها من تقديم شيء للشعب".
وتابع زاير ان العلمانيين العراقيين يريدون إحداث نهضة في بلدهم.
واشار الى "ان غالبية الادباء والفنانين في كردستان علمانيون. نحن نكسب المعركة الثقافية. والتحديات المطروحة الآن هي تحقيق النصر في المعركة الايديولوجية والسياسية".
وعن النموذج الذي يرى زاير ان اقليم كردستان يجب ان يقتدي به قال "ان تركيا لا يمكن ان تدَّعي حقاً انها علمانية فالمؤسسة الدينية تتمتع بنفوذ واسع للغاية وهو نفوذ يمتد أبعد من اردوغان".
النساء والمثليون
ورداً على سؤال عما إذا كان من الجائز ان تصبح امرأة رئيسة حكومة اقليم كردستان قال زاير "ان الجنس ليس مهما بل المؤهلات هي المهمة والنساء في العراق حبيسات الرجال على الدوام، وهن مواطنات من الدرجة الثانية".
شاهو مؤسسة الجماعة يذهب أبعد من ذلك قائلا ان المعركة يجب "ألا تكون من أجل المرأة فقط بل من اجل المثليين ايضا، فنحن نحترمهم جميعاً ولكن يجب تحريرهم اولا".
شاركت في هذا النقاش خان در وهي مغنية من كركوك في التاسعة والعشرين تضع مكياجاً كاملا على وجهها. واقرت خان در بأنها تخاف مما يمكن ان يحدث لها ثم استدركت قائلة "لكني يجب ان أكون أمينة لمعتقداتي ولن اعيش معتقدات شخص آخر".
آثار الرصاص تخرم الشارع خارج متجر الكتب حيث جرى اللقاء، وفي حين ان داعش يتراجع على الأرض فانه ما زال يشكل خطراً مميتاً خارج ساحات القتال بل بصفة حين يكون بعيدا عن جبهات القتال.
ويقول شاهو ان "داعش" قد يحاول اغتياله "ولكن لدينا أسلحة أفضل حين يتعلق الأمر بمعركة الأفكار وهذه هي المعركة الوحيدة المهمة على المدى البعيد".
أعدت "ايلاف" هذا التقرير بتصرف عن "العربي الجديد". الأصل منشور على الرابط التالي:
https://www.alaraby.co.uk/english/indepth/2016/10/31/iraqs-new-atheism-in-the-shadow-of-islamic-state
التعليقات