واشنطن: انتصرت روسيا على أميركا في سوريا بفضل سياسة الرئيس باراك أوباما وتقاعسه عن العمل الجاد ضد نظام بشار الأسد. وتعود أزمات الشرق الأوسط خلال العقد الماضي، في جانب كبير منها، إلى رفض الولايات المتحدة ان تستمع إلى ما يقوله حلفاؤها في المنطقة. ومن هنا الرأي القائل ان الرئيس دونالد ترمب شريك أفضل من أوباما بصرف النظر عن خطابيته ضد المسلمين.
وعلى امتداد أشهر نقل زعماء بلدان عربية حليفة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط هذا الرأي، وهو يفسر سبب الشعبية التي يتمتع بها بين هؤلاء الزعماء بالمقارنة مع سلفه أوباما.
أحد هؤلاء الزعماء سعد الحريري رئيس وزراء لبنان الذي قال في مقابلة مع مجلة "بوليتيكو" الأميركية في ختام زيارته الأخيرة إلى واشنطن "ان النتائج المؤسفة لعدم تحرك" الولايات المتحدة في المنطقة هي عودة روسيا لاعباً اقليمياً كبيراً ونفخ الحياة في نظام بشار الأسد وتلاشي فرص التوصل إلى اتفاق سلام بين اسرائيل والفلسطينيين في المستقبل المنظور.
وتابع الحريري قائلا ان "الوضوح" والأمل بسياسة أشد حزما تجاه النظام السوري هما السبب في انه وزعماء عرباً آخرين معه يفضلون ترمب على علاته خلال الأشهر الستة الأولى من رئاسته.
تنازلات
ولا يقل أهمية عن ذلك التعامل بالقدر نفسه من الحزم مع حماة الأسد في ايران ايضاً. واستعرض الحريري التنازلات التي قدمها أوباما إلى ايران مقابل موافقتها على توقيع الاتفاق النووي كمثال يبين كيف ضلت أميركا طريقها في الشرق الأوسط.
أشار الحريري إلى أنّ الأسد والروس ضحكوا على أوباما عندما اتفق معهم في عام 2013 على إزالة الأسلحة الكيميائية من سوريا وان أوباما كان يجب ان يقوم بعمل عسكري ضد النظام السوري حين عبر الخط الأحمر الذي رسمه أوباما نفسه وقصف النظام شعبه بقنابل الغاز السام.
وقال الحريري عن نظام الأسد "نحن نعرف افعالهم ونعرف اكاذيبهم ونعرف ما يفعلونه بمواطنيهم ونعرف كيف يتصرفون معهم. وبالتالي حين يقول بشار الأسد انه سيتخلص من الأسلحة الكيميائية فانه لا يتخلص منها. ومن يصدقه فهذا خطأه، ولهذا السبب حين رُسم الخط الأحمر كان بامكان أميركا ان تتوصل إلى الاتفاق نفسه بعد التحرك ضده ولكن وقع الرسالة كان سيكون أفضل في المنطقة والنظام كان سيفهم ان أميركا جادة في ما تقول".
تحادثوا مع الروس
ويرى رئيس الوزراء اللبناني ان ترمب ليس لديه خيار الآن سوى التعامل مع موسكو. وقال "ان القوة الرئيسة في سوريا اليوم هي روسيا وبالتالي إذا اردتم حل القضية السورية فعليكم ان تتحادثوا مع الروس. وهذه هي النتيجة المؤسفة للتقاعس عن التحرك، والآن بعد ان أصبحوا هناك لا بد من التحادث معهم".
كما حمَّل الحريري أوباما مسؤولية الفجوة الكبيرة بين كلماته "الملهمة" حين القى خطابه في القاهرة عام 2009 موحياً بانتهاج سياسة جديدة في المنطقة و"اللاشيء" الذي اسفرت عنه جهود أوباما لتحقيق السلام بين اسرائيل والفلسطينيين.
ولاحظ ان الزعماء العرب في الوقت الذي عارضوا غزو جورج بوش للعراق في عام 2003 عارضوا انسحاب الأميركيين منه في عهد أوباما عام 2011 عندما شعر كثيرون في المنطقة بأن الانسحاب ترك فراغاً خطيراً ملأه في النهاية صعود تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" في العراق وسوريا معاً.
وقال الحريري لمجلة بوليتيكو انه "حين بدأت الحرب في العراق قال لكم جميع حلفائكم في المنطقة ألا تذهبوا إلى هناك وعندما انسحبتم قال لكم جميع حلفائكم في المنطقة ألا تنسحبوا، وقال لكم جميع حلفائكم أن تتحركوا بشأن سوريا ولكنكم لم تتحركوا. لذا أنا ادعو إلى التحادث مع حلفائكم والاستماع اليهم، فهم موجودون هناك وأدرى بشؤون المنطقة".
دعم لبنان
وأسفرت زيارة الحريري للبيت الأبيض عن تعهد ادارة ترمب بالاستمرار في دعم لبنان وتقديم 140 مليون دولار اضافية لمساعدته على الاستمرار في مساعدة اللاجئين السوريين في اراضيه.
وحين تطرق الحديث إلى الوضع الداخلي لفت الحريري إلى بقاء لبنان بلا رئيس ثلاث سنوات بسبب الخلافات بين الفرقاء اللبنانيين، بما في ذلك بين تيار المستقبل بقيادته وحزب الله. وقال الحريري في حديثه لمجلة بوليتيكو "رأينا اننا إذا بقينا هكذا سينتهي بنا المآل كما في سوريا أو العراق".
ولكن كل يوم من ولاية الحريري يشكل تحدياً لحكومته. وخلال وجوده في واشنطن قرر حزب الله تنفيذ هجوم في منطقة الحدود اللبنانية مع سوريا لاستعادة اراض تسيطر عليها جبهة النصر التي تنتمي إلى تنظيم القاعدة وداعش داخل الأراضي السورية. وهو قرار قال الحريري ان الجيش اللبناني لا علاقة له به. وأكد رئيس الوزراء اللبناني "ان حزب الله قرر احادياً التوغل في الأراضي السورية دون ان يأخذ نصيحة الحكومة" في هذه العملية.
وفي تقدير الحريري فان من الأفضل لدى التعامل مع حزب الله ان تركز الولايات المتحدة على ايران وليس وكيلها في حكومته. وقال في هذا الشأن "نحن نعتقد ان حزب الله قضية اقليمية، انها لم تعد قضية لبنانية. فحزب الله موجود في سوريا والعراق واليمن ولهذا يجب ألا نركز على حزب الله بوصفه كياناً لبنانياً بل قضية اقليمية ولكي نحل هذه القضية أو حتى ان نعمل عليها يجب ان يكون هناك تفاهم اقليمي". وأضاف "أنا رئيس وزراء لبنان ولن ادخل في نزاع اقليمي. كل ما أريده هو حماية بلدي لأننا عشنا الحرب الأهلية ورأيناها ودفعنا ثمنها 200 الف قتيل".
وأعاد الحريري التذكير بأن لبنان بلد صغير في منطقة مضطربة وانه لم يأت إلى واشنطن لإلقاء المواعظ ومهمته ليست تعليم القوى الكبرى ما تفعله بشأن سوريا أو حزب الله أو ايران. وقال الحريري ان في لبنان مثلا يقول ما معناه إنكَ ما دمتَ تعرف حجمك فحاول ان تحمي ما عندك "وان هذا ما نحاول ان نفعله واعتقد ان هذه السياسة أنقذت لبنان حتى الآن".
أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "بوليتيكو". الأصل منشور على الرابط التالي:
http://www.politico.com/magazine/story/2017/07/31/donald-trump-middle-east-barack-obama-215441
التعليقات