جزرة: لم تدخل سوسن كارابيديان وأفراد عائلتها الى كنيسة للصلاة منذ ثلاث سنوات... لكي يتمكنوا من البقاء في مدينة الرقة، اضطروا لدفع الجزية الى تنظيم "داعش". لكن مع اشتداد القصف والمعارك، تركوا كل شيء خلفهم وفروا الثلاثاء.
ووصلت سوسن (45 عاماً) وستة من اقاربها الى ضاحية جزرة غرب مدينة الرقة الثلاثاء في شاحنة صغيرة تابعة للمجلس العسكري السرياني، بعد ساعات من فرارهم فجراً سيراً على الاقدام من حي تل ابيض، الذي ما زال تحت سيطرة "داعش" ويتعرض للقصف في ظل اشتداد المعارك بين هؤلاء وقوات سوريا الديموقراطية.
وتقول السيدة التي كانت ترتدي عباءة سوداء أثناء استراحتها في منزل تحت سيطرة المقاتلين السريان لوكالة فرانس برس، "لم أكن أرغب بالخروج، لكن المنطقة حولنا تعرضت للكثير من القصف".
وتضيف سوسن التي تقيم في مدينة الرقة منذ زواجها قبل سبع سنوات، "عشنا أصعب اللحظات في الايام الثلاثة الاخيرة بسبب القصف العنيف. خفت على زوجي وعائلتي".
ولم تتمكن سوسن من أخذ شيء معها باستثناء قفص حملته على طول الطريق وبداخله طيرا ببغاء أسمتهما "عاشق" و"معشوق". وتقول "حرام أن أترك هذين الطيرين في الرقة. تركت كل شيء الا هما".
وتشهد المدينة التي تعد معقل تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا معارك مستمرة منذ شهرين، إثر هجوم بدأته قوات سوريا الديموقراطية المؤلفة من فصائل كردية وعربية مدعومة من واشنطن، وتمكنت بموجبه من طرد الجهاديين من أكثر من نصف مساحة المدينة تحت وابل من الغارات التي ينفذها التحالف الدولي بقيادة اميركية.
ويقاتل المجلس العسكري السرياني الذي يضم العشرات من المقاتلين المسيحيين السريان الى جانب هذه القوات في الرقة.
وتستعيد سوسن يبنما تحتسي الشاي، اللحظات الصعبة منذ بدء المعارك وفيما تمسك بيدها مسبحة صلاة يتدلى منها صليب صغير. وتقول "أثناء القصف على الرقة، كنا نجتمع ونصلي للرب حتى تهدأ الأمور".
ويشرح احد اقربائها للمقاتلين السريان على الخريطة نقاط تواجد عناصر تنظيم الدولة الاسلامية والطريق الذي سلكه الفارون. ودفعت المعارك عشرات الالاف من المدنيين الى الفرار تدريجياً من الرقة.
وتعد سوسن واقرباؤها من العائلات المسيحية النادرة التي بقيت في المدينة بعد سيطرة الجهاديين عليها.
وقبل اندلاع النزاع في العام 2011، كان المسيحيون من سريان وأرمن يشكلون واحدًا في المئة من إجمالي عدد السكان البالغ 300 ألف، معظمهم من السنة. وفرّ معظمهم لدى سيطرة التنظيم على المدينة.
"كنا نصلي سراً"
وخُيّر المسيحيون في مناطق سيطرة التنظيم بين اعتناق الاسلام أو دفع الجزية او الرحيل، تحت طائلة القتل. وغالباً ما عمد عناصر داعش الى تدمير الكنائس والمقامات الدينية حيثما حلّ.
الى جانب سوسن، تجلس قريبتها أليكسي (50 عامًا). تغطي وجهها بيديها، وتتحسر على تعب العمر وكل ما تركته خلفها. وتقول "الجميع خرجوا من الرقة وكل اغراضنا بقيت خلفنا. شعوري مؤلم حاولنا ان نبقى لكننا لم نعد نتحمل".
وترتدي أليكسي حجاباً بني اللون وعباءة سوداء.
وتضيف "في الفترة الاخيرة من الصواريخ، لم تبق نافذة الا وانكسرت"، مضيفة "كنا نأخذ صينية الطعام الى الدرج. أشعر ان رأسي سينفجر" من شدة سماع دوي القصف الذي تعرض له الحي حيث كانت تقيم.
ولا تقتصر معاناة أليكسي على ما عاشته في الايام الاخيرة، بل تمتد الى الخوف الذي لازمهم طيلة السنوات الاخيرة.
وتروي لفرانس برس "عندما دخلوا، أحرقوا الكنيسة وكل كتب الصلوات والانجيل وتمثالي مريم العذراء والمسيح".
وتضيف "كنا نحتفل بالاعياد بشكل سري، نبقى طيلة الوقت في المنزل خائفين.. كنا نشعل بعض البخور لنشعر بأجواء الاعياد".
وأقدم عناصر في تنظيم الدولة الاسلامية في سبتمبر 2013 على إنزال الصلبان عن كنيستي الشهداء الارمنية وسيدة البشارة الكاثوليكية في الرقة واحرقوا محتوياتهما وألحقوا بهما اضراراً كبيرة.
"شعرنا بالقهر"
ويقول كارديج كيرديان (50 عاماً) بينما يجلس ارضًا وقد بدا عليه التعب، "منذ العام 2013، لم أصلّ في الكنيسة. فجر داعش كل الكنائس وشعرنا حينها بالقهر".
واختار الرجل الذي غزا الشيب شعره وذقنه، البقاء في المدينة مقابل دفع الجزية للجهاديين.
ويقول "في العام الاول، أخذوا منا 55 ألف سوري (103 دولارات) كجزية على الشخص، وفي العام اللاحق دفعنا 66 ألفاً (124 دولاراً)، وفي المرة الاخيرة 166 ألفاً (313 دولاراً)".
وخلال وجوده في المدينة، عمل كارديج في الزراعة، اذ كان يستأجر قطعة من الارض ويعمل على زرعها ليقتات من مردودها.
وغادر كارديج مع افراد من عائلته الثلاثاء غداة تمكن احد اشقائه من الفرار من الرقة. وكانوا يخططون جميعهم للتوجه الى مدينة حلب (شمال) حيث يقطن اقارب لهم انقطع الاتصال معهم منذ شهر.
ويشرح قائد ميداني في المجلس العسكري السرياني يعرف عن نفسه باسم ماتاي (22 سنة) "في هذين اليومين تمكنت قواتنا تحت القصف من خلق ممر.. لاخراج المدنيين".
ويوضح انه بالاضافة الى هذه المجموعة، تم اجلاء عائلة اخرى الاثنين.
ويعلق كارديج بالقول "كان شعورنا لا يوصف حين رأينا المقاتلين المسيحيين في استقبالنا".
التعليقات