بغداد: رغم خسارة تنظيم "داعش" أكبر معاقله العراقية في مدينة الموصل، وأكثر من نصف معقله السوري في مدينة الرقة، فإن ذلك لا يعني نهاية النزاعات في هذين البلدين اللذين يواجهان تحديات ضخمة، وفق ما يشير خبراء.
ولم يعد تنظيم الدولة الإسلامية يسيطر سوى على مناطق محدودة في شمال العراق وغربه.
وفي سوريا، تمكنت قوات سوريا الديمقراطية، وهي تحالف عربي-كردي مناهض للجهاديين ومدعوم من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، من السيطرة على أكثر من نصف معقل تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة الرقة في شمال سوريا، فيما تمكن الجيش السوري من طرد مقاتلي التنظيم من محافظة حلب (شمال) وإلحاق هزائم به في البادية، وسط سوريا.
ويرى أستاذ التاريخ الدولي في معهد الدراسات العليا في جنيف محمد محمود ولد محمدو في حديث لفرانس برس أنه "عاجلا أم آجلا، سيخسر تنظيم الدولة الإسلامية الرقة".
ورجح ولد محمدو، وهو مؤلف كتاب "نظرية داعش"، أنه "كما في العراق، سيعود التنظيم مجددا في مكان آخر وبمظهر جديد".
وخلال ثلاث سنوات، استطاع تنظيم الدولة الاسلامية السيطرة على ما يقارب ثلث مساحة العراق، ومناطق واسعة في سوريا. وفي تلك المناطق التي "شبكها عسكريا، أنشأ إدارة ذاتية"، وفق ما يذكر ولد محمدو.
ويتابع أن "أثر تنظيم الدولة الإسلامية سيطول، وباستطاعته أن يعيد تشكيل نفسه على غرار تنظيم الدولة الإسلامية في العراق بعد العام 2007 عندما أعلنت نهايته ليعود أكثر قوة" حتى وصوله إلى إعلان "الخلافة" في الموصل العام 2014.
من جهة أخرى، يشير المتخصص بشؤون العراق إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية "يواصل هجماته دوليا".
ميثاق وطني جديد
ويسعى تنظيم الدولة الإسلامية وسط هزائمه، إلى تغيير استراتيجيته في مواجهة دول تسعى إلى تحويل مكاسبها العسكرية إلى مكاسب سياسية.
وقال المتخصص في الحركات "الجهادية" ماثيو غيدير لوكالة فرانس برس إن "المصطلحات الرئيسة لتنظيم الدولة الإسلامية اليوم (هي) إعادة التنظيم وإعادة الانتشار".
في العراق، وبمجرد استعادة السيطرة تدريجيا على المدن الخاضعة لتنظيم الدولة الإسلامية، فإن "الانقسامات التقليدية" الطائفية والسياسية والعرقية، ستعود للظهور مجددا على الساحة، بحسب ما يتوقع غيدير.
ويضيف أنه يجب مراقبة "ما إذا كان تنظيم الدولة الإسلامية سيستطيع الاستفادة من ذلك".
وبحسب ولد محمدو، فإن ذلك يعود إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية "هو التجلي العنيف والطويل والمعقد لنقاط الخلل العراقية"، لذلك من الضروري التوصل إلى "ميثاق وطني جديد".
ويرى الخبراء أن التحدي الأكبر للحكومة العراقية بقيادة الشيعة الذين يشكلون الغالبية في البلاد، هو استعادة ثقة السنة، وخصوصا في الموصل، أكبر مدنهم.
وفي الوقت نفسه، يتحتم على الحكومة المناورة بحكمة في وجه قوات الحشد الشعبي، التي تضم فصائل شيعية بعضها مدعوم من إيران التي تلعب دورا إقليميا بارزا وتسعى إلى تعزيز نفوذها في العراق وسوريا.
وبعد ثلاث سنوات من حكم "الخلافة" في سوريا والعراق، تسعى دمشق وبغداد اليوم إلى استثمار الانتصارات العسكرية كدليل على قوة الدولة وأجهزتها، وعلى استعادة دورها على الساحة الدولية.
وأكد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مرارا أن بلاده، التي قال عنها البعض إنها "انتهت" في العام 2014، أصبحت اليوم "أكثر قوة داخليا ودوليا".
غير أنه لن يكون بوسع البلاد تفادي الدخول في مراجعة للأسباب التي أدت إلى تنامي قدرات تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال العبادي في مؤتمر صحافي عقده مؤخرا إنه بعد "التحرير"، يجب أن "نستفيد من الدرس" من تلك الفترة التي "جعلت من كثيرين (من العراقيين) لاجئين في دول الجوار"، مشيرا في الوقت نفسه إلى وقوع "أخطاء كبيرة".
وأضاف "سأطرح هذا الموضوع في المرحلة القادمة".
وبقيت القضايا السياسية الداخلية في البلاد معلقة بشكل شبه كامل خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
لكن قبل شهر من إعلان "تحرير" الموصل في العاشر من يوليو، أعلن رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني تحديد موعد لإجراء استفتاء على استقلال الإقليم، الذي يلوح به الأكراد منذ سنوات.
ويرى الخبراء أن هناك تحديات كبيرة أمام حكومة بغداد، بينها المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، وتواجد قوات الحشد الشعبي الشيعية في المدن السنية، ومسألة الأقليات وخصوصا بعد المجازر التي تعرض لها الأيزيديون.
عودة إلى مربع الدبلوماسية
المشكلة نفسها مطروحة في سوريا، بمجرد استعادة السيطرة على الرقة. فالقوات الكردية التي تشكل غالبية قوات سوريا الديمقراطية قد تتصادم مع قوات النظام السوري.
ويؤكد خبير الجغرافيا والمتخصص في الملف السوري فابريس بلانش لفرانس برس أن النظام السوري "يريد السيطرة على المباني الحكومية في الرقة، ويرفض تأسيس إدارة حكم ذاتي في المدينة".
من جهته، يقول ولد محمدو إن الصراع في سوريا "يتجاوز مسألة تنظيم الدولة الإسلامية".
ويضيف أنه "تحت مسمى مكافحة الإرهاب الإسلامي، غضت عدة حكومات غربية النظر عن المجازر التي ارتكبها النظام السوري".
وفي ظل هذا الصراع الذي لا "توافق في الآراء فيه ولا رؤية ثابتة حوله" على الساحة الدولية، فإن "العودة إلى مربع الدبلوماسية أمر لا مناص منه".
ففي العراق كما في سوريا، ينتظر ملايين النازحين واللاجئين الذين فروا من مناطق القتال، العودة إلى منازلهم وإعادة بناء مدنهم.
ولكن قبل العودة والسكن وتوفير المياه والكهرباء والمدارس لنحو مليون نازح من الموصل، فإن استقرار المدينة هو التحدي الأكبر الذي تواجهه الأمم المتحدة، وفق ما أوضحت المنظمة مؤخرا.
وفي الرقة أيضا، لا يزال آلاف الأشخاص محاصرين وسط نيران المعارك من دون أي إمكانية وصول مساعدات إنسانية إليهم.
التعليقات