أدّت الهزائم المتتالية التي مُني بها تنظيم الدولة الإسلامية إلى تضييق الخناق على زعيمه أبو بكر البغدادي الذي يعيش في الخفاء محاطا بدائرة ضيّقة من المخلصين له، بحسب ما يؤكد خبراء ومسؤولون.
فمع تساقط مدن "الخلافة الإسلامية" واحدة تلو الأخرى، من الموصل والرقّة إلى تلعفر وقريبا دير الزور، في ظل ضربات مكثّفة للتحالف الدولي، لم يعد للبغدادي الذي سبق أن شغل الدنيا وأثار الرعب في كل مكان سوى منطقة نائية في وادي الفرات بين الحدود السورية والعراقية والأردنية يحتمي بها من غارات الجوّ وهجمات البرّ.
وصارت هذه المنطقة الصحراوية التي تقطنها عشائر سنّيّة عصيّة على الحكومات، المعقل الأخير للتنظيم والأمل المتبقي له بأن يطلق منها حرب عصابات في السنوات المقبلة.
ويقول الباحث العراقي هشام الهاشمي المتخصص في الحركات الجهادية لوكالة فرانس برس "يبدو أن البغدادي وسائقه أبو عبد اللطيف الجبوري ومراسله الخاص مسعود الكردي موجودون في وادي الفرات بين البوكمال (في سوريا) والقائم (في العراق)، لأنهم شوهدوا مرات عدة هناك".
وتقوم سياسة التنظيم حاليا على نظام يشبه ما اعتمدته حركة طالبان بعد هزيمتها في أفغانستان في العام 2001، وفقا للباحث، أي "الانتقال من تنظيم يسيطر على الأرض إلى جماعة قادرة على شنّ عمليات إرهابية كبيرة، وهو يملك الخبرة العسكرية والأمنية الكبيرة للقيام بذلك إضافة إلى المقدرات المالية".
- صعب المنال -
وأعلن مقتل البغدادي مرات عدة بعد غارات جوية حاولت النيل منه، لكن هذا الرجل الذي لم يظهر للعلن سوى مرة واحدة ملقيا خطبة الجمعة بعد تنصيبه "خليفة" في مايو 2014، وما زال حيّا على الأرجح، ويعيش متواريا في وادي الفرات، بحسب الجنرال الأميركي ستيفن تاونسند قائد التحالف ضد التنظيم في العراق وسوريا.
وقال تاونسند مطلع سبتمبر الجاري "لم أر أي دليل مقنع، أو معلومات استخبارية أو شائعة من أي مصدر تفيد بموته، بل هناك مؤشرات استخباراتية تدل على أنه ما زال حيا".
ويرى أن "المعركة الأخيرة مع تنظيم الدولة الإسلامية ستكون في الوادي"، ويقول "حين سنعثر عليه (البغدادي) أعتقد أننا سنحاول أولا قتله. الأرجح أنه ليس هناك من جدوى لمحاولة القبض عليه".
ويرجّح الخبير الأميركي آرون زيلين أيضا أن يكون البغدادي مختبئا في ذلك المثلث الحدودي، سواء في قرية أم في مغارة قرب النهر.
ويقول هذا الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط لوكالة فرانس برس إن البغدادي وقادة التنظيم "يحاولون الحفاظ على حياتهم في هذه المرحلة استعدادا لعودتهم".
ويضيف "إنهم يتّبعون الطريقة التي اعتمدت في العراق بين العامين 2009 و2012، حين هُزم التنظيم السابق، الدولة الإسلامية في العراق، تكتيكيا على يد العشائر السنيّة والجيش الأميركي، لكنه تمكّن من الصمود استراتيجيا" إلى حين تحوّل إلى تنظيم الدولة الإسلامية.
ويرى مسؤولون عراقيون أن الإيقاع بالبغدادي لن يكون بالأمر السهل، فهو يعيش في سريّة تامة محاطا برجال من أبناء عشيرته يحظون بثقته ويعرفهم منذ زمن طويل، وهو لا يرى الضوء ولا يستخدم أيا من وسائل الاتصال الحديثة، بل ينقل رسائله عبر وسطاء سريين.
والمنطقة التي يرجّح أنه يعيش فيها الآن تقطنها عشائر سنيّة ينتشر بين معظم أبنائها المنهج السلفي، وقد استقبلوا مقاتلي التنظيم على أنهم أبطال محرّرون في وجه السلطات السورية والعراقية التي يعارضونها بشدّة.
وسيعتمد التنظيم في أرضه هذه على التهريب الحدودي، وهو نشاط متجذر في هذه المنطقة الصحراوية العصيّة على اي سلطة بخلاف زعماء العشائر. وفي هذه المنطقة نفسها أقام تنظيم القاعدة أبرز معسكراته بعد الغزو الأميركي للعراق في العام 2003.
التعليقات