منذ الستينات من القرن الماضي وحتى هذه الساعة، لم تغب عن قصر قرطاج الرئاسي في تونس، مؤامرات النساء، حفيدات عليسة، أو الملكة ديدون، مؤسسة قرطاج التي ألقت بنفسها في النار بسبب قصة حب عاصفة كما ورد في "إنياذةّ فرجيل"...

والمرأة الأولى كانت وسيلة بن عمار، البورجوازية الأنيقة الشبيهة بالنساء المدورات السمينات في لوحات روبنس وادغار ديغا. في سنوات النضال الوطني عشقها الزعيم بورقيبة بعد أن شاهدها في حفل استقباله إثر عودته من المعتقل عام 1944، فلم تعد تغيب عن قلبه وعن ذاكرته حتى في أحلك الأوقات وأشدها عسرا. وفي مطلع الستينات من القرن الماضي، تخلى عن زوجته الفرنسية التي ساعدته على إنهاء دراسته في باريس ، ليتزوج حبيبة قلبه. ومنذ ذلك الحين،أصبحت تلقب بـ"الماجدة وسيلة بورقيبة"...

وحالما وطأت قدماها قصر قرطاج، اقتحمت "الماجدة" عالم السياسة لتصبح فاعلة ومؤثرة فيه بقوة واقتدار، كاشفة عن موهبة عالية في الدهاء، وفي حبك المؤامرات، وفي فض الخلافات في أعلى هرم السلطة، وفي كبح جماح "المجاهد الأكبر" في سورات غضبه المخيفة. لذلك كان جل الوزراء يخشونها، ويسعون للتقرب منه خوفا على مناصبهم. فإن غضبت على أحدهم، وجد نفسه محروما من رعاية "المجاهد الأكبر"،ومن عطفه الأبوي".

ولم تكتفي "الماجدة" التي لم يكن "المجاهد الأكبر" يرد لها طلبا، او يرفض لها نصيحة، بلعب أدوار خطيرة في السياسة الداخلية، بل كانت بين وقت وآخر تحب أن تكون" رسولة سلام"، و"سفيرة " بلا حقيبة. لذلك ارتبطت بعلاقات وثيقة مع شخصيات سياسية كبيرة أوروبية، وعربية مثل الرئيس السوري حافظ الأسد، والرئيس المصري أنور السادات، والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، والملك الحسن الثاني، وعبد العزيز بوتفليقة الذي كان آنذاك وزيرا للخارجية في حكومة هواري بومدين،ومع أمراء نافذين في سياسة المملكة العربية السعودية...

وفي أواسط الثمانينات من القرن الماضي، بدأ "المجاهد الأكبر" بسبب تقدمه في السن، يراكم الأخطاء والمواقف السلبية. ولم تكن "الماجدة" تخفي عدم رضاها عن ذلك سواء في حضوره أم في غيابه. وفي لحظة من لحظات غضبه التي تكاثرت في تلك الأيام العصيبة التي كانت فيها البلاد تعيش أزمات خانقة على جميع المستويات، سارع المجاهد الأكبر بالإنفصال عن حبيبة قلبه ، فاتحا قصر قرطاج لابنة أخته سعيدة ساسي ليستعين بها في كشف ما يدور في الكواليس وفي المكاتب المغلقة. وعلى مدى سنتين، ظلت سعيدة ساسي تمسك بكل خيوط الألاعيب السياسية داخل قصر قرطاج. ولم تنتهي مهمتها إلاّ عندما أجبر "المجاهد الأكبر" على ترك السلطة فجر السابع من نوفمبر-تشرين الثاني 1987.

وفي البداية، خيّر بن علي ابعاد زوجته ،نجلة الجنرال الكافي عن المشهد السياسي فلم تظهر إلى جانبه في أي مناسبة من المناسبات . وفي أواسط التسعينات بدأ التونسيون يتحدثون عن الأدوار الخطيرة التي بدأت تلعبها عشيقة الرئيس ليلى الطرابلسي في الحياة السياسية. وقد ازدادت هذه الأدوار خطورة بعد أن تزوجها لتصبح دائمة الحضور إلى جانبه في كل المناسبات،وباتت الجرائد تحرص على نشر صورتها الى جانب صورته . ولم تكن وسائل الإعلام تغفل مطلقا عن متابعة نشاطاتها الخيرية ،وتغطية الحفلات التي تقيمها بين وقت في قصر سيدي الظريف القريب من القصر الرئاسي،او في الفنادق الفخمة في ضواحي العاصمة الشمالية أو في الحمامات.

وقد ازدادت ليلى بن علي قوة ونفوذا بعد أن أنجبت ابنا عام 2005 محققة بذلك حلما عزيزا على "أبو البنات" ،أي الرئيس بن علي. لذلك أضحت تدخلاتها في الشؤون السياسية للبلاد معروفة ومكشوفة لدى جل التونسيين.وخوفا على مناصبهم، أصبح الوزراء يهابونها، ولا يترددون في خدمة مصالحها، ومصالح إخوتها الذين استغلوا نفوذها في قصر قرطاج ليحصلوا على ثروات طائلة بعد أن كانوا شبه عاجزين عن سد الرمق.

وكان التونسيون يعتقدون أن نفوذ النساء في قصر قرطاج ولى وانتهى مع ليلى بن علي. لكن الزمن سرعان ما أسقط ظنهم لتغرق تونس من جديد في اشاعات وأخبار يزعم أصحابها أن زوجة الرئيس الباجي قايد السبسي التي قاربت سن التسعين ّحشرت انفها" هي أيضا في الشؤون السياسية، وبدأت تنشط من أجل "توريث" السلطة لابنها حافظ قايد السبسي الذي يقود راهنا حزب نداء تونس. ورغم أن شعبية هذا الحزب الذي تمكن من الفوز على حركة النهضة في انتخابات خريف عام 2014، تضاءلت كثيرا بسبب ضعف الأداء السياسي ،والخبرة السياسية لدى حافظ السبسي، فإن والده لا يزال متمسكا به. وخلال الأشهر الأخيرة، ارتفعت أصوات كثيرة من داخل حزب نداء تونس ومن خارجه مطالبة الرئيس السبسي بإبعاد إبنه. مع ذلك ظل محافظا على موقفه .وهذا ما يؤكد بحسب" الألسن الخبيثة" خطورة الدور الذي تلعبه زوج الرئيس داخل قصر قرطاج مُحْيية بذلك أشباح ماض قاتم كان التونسيون يعتقدون أن "ثورة الكرامة والحرية" قد دفنته وإلى الأبد...