يشهد لبنان ارتفاعًا في متوسط حالات الطلاق السنوي، فما هي الأسباب التي تؤدي إلى تصاعد هذه النسبة فيه، وما دور مفهوم الحقوق والواجبات لدى الزوجين في ارتفاع تلك النسبة؟.

إيلاف من بيروت: تشهد حالات الطلاق في لبنان معدلات آخذة في الارتفاع سنة تلو أخرى. ففي آخر إحصاء صادر من "الدولية للمعلومات" إشارة صريحة إلى ارتفاع متوسط حالات الطلاق السنوي.&

إذ بعدما كان هذا المتوسط يبلغ نحو 7000 حالة طلاق، إرتفع في العام 2017 إلى 8580 حالة، أي بزيادة نسبتها 22.5% عمّا كانت عليه في الأعوام السابقة.

لا يبدو أن ثمة ما يؤشر إلى ما تراجع هذه النسبة، إن لم نقل زيادتها عامًا بعد آخر، فما الذي يدفع اللبنانيين واللبنانيات إلى الطلاق؟.&

غزو التواصل الالكتروني
على مر السنوات، وفي ظل ظروف الروتين، ينكس الزوجان عهدهما في الارتباط الأبدي، لتختفي الوعود، وليحل محل الحب والتفاهم البغض والكراهية، وتصبح الحياة الزوجية جحيمًا مطلقًا، ولا يعد الزوجان يرغبان ألا في أمر واحد: التخلص من الرباط الزوجي الذي يجمعها، لكن الأمر ليس بالسهولة المطلقة، خصوصًا لدى الطائفة المسيحية في لبنان، التي تعتبر أن "ما جمعه الله لا يفرّقه إنسان"، ويخرج الزوجان من رباطهما، بعد جهد جهيد وتعب نفسي يلاحقهما، فيقررا عدم خوض التجربة ثانية.

السؤال المطروح "هل سبب الطلاق هو الحالة الاقتصادية أم الخيانة الزوجية أو حتى عدم تحمل المسؤوليات". هنا يعتبر المحامي المتخصص في قضايا الطلاق أندريه فاضل في حديث لـ"إيلاف" أن كل تلك العوامل مجتمعة تؤثر في اتخاذ قرار الطلاق، وأن الأمر عائد إلى الإشباع الغرائزي، الذي يسعى إليه الزوجان، بغضّ النظر عن الإشباع الفكري.

يضيف: "يبقى أن ارتفاع نسبة الطلاق في لبنان سببه غياب ثقافة الحقوق والواجبات وظروف اقتصادية واجتماعية صعبة وانعدام لغة التواصل بين الزوجين، إلى جانب غزو مواقع التواصل البيوت، وتسببها في فتور وجمود العلاقات".

تعدد القوانين
يتابع :"إن كانت هذه الأسباب نفسها تتكرر في العديد من الدول العربية، إلا أن ما تعمّق المشكلة في لبنان هي كثرة القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية والعائدة إلى الطوائف المختلفة، والتي تجعل الحصول على الطلاق في كثير من الأحيان خطوة شاقة، وتتطلب صبرًا طويلًا.

يلفت إلى أنه في لبنان الطريق طويل وشاق ينتظر امرأة تطلب الطلاق، خصوصًا مع اصطدامها بعوائق قانونية واجتماعية واقتصادية ودينية جمّة في غياب قانون مدني موحد للأحوال الشخصية.

وتدفع المرأة في لبنان فاتورة باهظة من كثرة قوانين الأحوال الشخصية في بلدها، والتي تختلف باختلاف ديانتها وطائفتها، وهو ما يعمّق عدم المساواة بين وضعها ووضع الرجل، وينقص الحماية المؤمّنة لها ولأطفالها، عند حصول خلافات عائلية أو في حال طلب الطلاق.

إذ يصل عدد قوانين الأحوال الشخصية إلى 15، كل منها يطبّق على أبناء طائفة معيّنة، وعدد الطوائف المعترف بها في لبنان هو 18 حاليًا.

مخاوف مسبقة
يبقى القول إن الحديث عن الطلاق في لبنان لا يمكنه أن يتغاضى عن الموقف السلبي للشباب من الزواج بحد ذاته. ويقول المحلل الاجتماعي عبدو قاعي لـ"إيلاف": "الشباب لا يتزوجون اليوم خشية الطلاق، علمًا أن الفتيات يسعين اليوم إلى التعلم والتألق في مجالهن العملي، ما يؤخّر سن الزواج".&

يضيف قاعي: "إن الحال الاقتصادية في لبنان ساهمت في تراجع سن الزواج، خصوصًا أن الطرفين يسعيان إلى الحصول على وظيفة. والمرأة اليوم بعد خوضها المجال العملي تسعى إلى الحصول على نفوذها في الحياة الزوجية، ما يؤدي إلى تهرب الشباب منها.&

بالنسبة إلى قاعي فإن معظم الزيجات اللبنانية عقلانية، وليست بدافع الحب، خصوصًا أنها تتم في عمر متقدم، ما يؤدي إلى نشوء الخلافات، فيُطرح الطلاق كحل أساسي للمشكلة.

أولوية الرجل
يتعلق الموضوع أيضًا بمدى تأثير الرجل بمحيطه، حيث إن هناك شبه غياب لمشاركة المرأة في القرار. يؤكد قاعي أن الحل يكمن في إعادة تربية الشباب على قواعد المشاركة الزوجية في القرار، علمًا أن الشباب اليوم لم يعتادوا على تقبل فكرة المساواة، وإنما السيطرة والهيمنة على الجنس اللطيف.&

يشير إلى أن الإحصاءات الأخيرة تدل على أن دور المرأة لا يزال محصورًا في تربية الأطفال، بينما الرجل مؤتمن على توفير لقمة العيش، كذلك يجب أن يفهم من الزواج بأنه ليس علاقة صداقة، بل علاقة جنسية. وفي الماضي كانت هذه العلاقات تتم ضمن الزواج. أما اليوم فأصبحت تتم خارجه، ما يؤخّر الزواج.

حفلات للطلاق!
أصبحت حفلات الطلاق، في لبنان المنفتح على الدول الغربية، أصبحت ممكنة، ولا تغيب عنها أجواء الفرح والرقص والغناءّ!.

إذ أعلنت وكالة لتنظيم الأعراس والمناسبات عن إعدادها لهذا النوع من الحفلات في بلد يعاني من نسبة مرتفعة جدًا من الطلاق.
وتبشّر حفلات الطلاق المفعمة بأجواء احتفالية وطقوس إيجابية ببداية جديدة وحياة مختلفة للمطلقة أو للمطلق، كما إنها تودّع بالغناء والرقص حياة كئيبة ومتعثرة.
&