نصر المجالي: وأخيرا، تم الإعلان عن فوز الطبيب الكونغولي الدكتور دينيس موكويغي الموصوف بمساعد الناجيات من جرائم الاغتصاب بجائزة نوبل للسلام للعام 2018 بالمشاركة جنبا مع ضحية اغتصاب تنظيم الرعب (داعش) الفتاة الأيزيدية العراقية نادية مراد.

وتم ترشيح موكويغي لجائزة نوبل لثلاث مرات في السابق ولكنه لم يفز بها إلا اليوم الجمعة، ويقول مراقبون: لكن ما فعله لا توفيه جائزة نوبل وحدها. فقد استطاع هذا الطبيب ومساعدوه علاج 45.482 ناجية من جرائم اغتصاب.

ويعرف موكويغي البالغ من العمر 63 عاما بأنه طبيب نساء كونغولي أسس وعمل في مستشفى بانزي في بوكافو، حيث تخصص في علاج النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب الجماعي من قبل قوات المتمردين. وقام بتقديم الدعم المادي والنفسي للنساء اللواتي يقعن ضحايا للعنف الجنسي.

وأصبح خبيرًا ورائد عالمياً في كيفية علاج الأضرار التي تلحق بالنساء اللواتي تعرضن للاغتصاب الجماعي. وفي عام 2014 فاز دينيس بجائزة سخاروف لحرية الفكر. كما كان بجائزة "أولف بالمه" الدولية التي يمنحها البرلمان السويدي كل عام، وفي حديثه للإذاعة السويدية بعد التكريم قال:" لولا أنه هناك أمل لما كنت أنا موجود &هنا".

مستشفى بانزي&

واهتم الفائز بجائزة نوبل للسلام منذ إنشاء مستشفى بانزي في بوكافو في عام 2008 هو وموظفوه بعلاج الآلاف من المرضى الذين سقطوا ضحايا لهذه الاعتداءات، حيث ارتكبت معظم الانتهاكات في سياق حرب أهلية طويلة المدى.&

وبدأ الطبيب الكونغولي، الذي حاز وثائقي عنه بعنوان "الرجل الذي يعالج النساء: غضب أبقراط"، على جائزة مؤخرا، مشواره المهني طبيبا لأمراض النساء يرغب في مساعدة الإناث في بلاده، جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وعندما افتتح مستشفى بانزي في عام 1999، كان يتصور أنه وسيلة لتحسين معدلات وفيات الأمهات في بوكافو، عاصمة شرق الكونغو، حيث تتوفى واحدة من كل 100 امرأة أثناء الولادة.
وكان موكويغي المتخصص في طب النساء، قال في وقت سابق أثناء قبول جائزة سيول للسلام في كوريا الجنوبية إن أول مريضة طرقت باب العيادة لم تكن على وشك الوضع، بل "امرأة تعرضت لاغتصاب بعنف بالغ".

وفرضت هذه المريضة تحولا في حياة الطبيب الصغير، الذي أصبح مستشفاه مؤسسة دولية لعلاج ضحايا الاغتصاب من الصدمات الجسدية والانفعالية والنفسية.

أجساد النساء

ويوضح الطبيب الكونغولي: "ما أفعله حقا ليس علاج أجساد النساء، بل الدفاع عن حقوقهن، ومساعدتهن على إدارة شؤونهن باستقلالية، ودعمهن نفسيا، وذلك من خلال عملية شفاء تسترد خلالها النساء كرامتهن المفقودة خلال جريمة الاغتصاب".

ويؤكد الطبيب أن "الكثيرين لا يفهمون ما هو الاغتصاب، ولكننا ندرك أنه صدمة عميقة تحتاج معها المرأة لاسترداد الثقة في نفسها مجددا".

ويطبق موكويغي مقاربة شاملة في التعامل مع كل ضحية اغتصاب تشمل العلاج الطبي والنفسي والدعم الاقتصادي والتدريب وإعادة الاندماج في المجتمع والمساعدة القانونية لاسترداد حقها من المغتصب.

واشتهر الطبيب الكونغولي في الدوائر العالمية لسنوات وحصل على عدة جوائز في مجال الإغاثة الإنسانية. والغريب أن الوثائقي الذي سجل تجربته وعُرض في مهرجانات دولية "الرجل الذي يعالج النساء"، رفضت الحكومة الكونغولية الموافقة على عرضه. وفي هذا الوثائقي تحكي نساء عن اللمسة الإنسانية لهذا الطبيب وتفانيه في علاج ضحاياه، وعدم تأففه خلال مراحل العلاج الصعبة.

مخاطر&

وحسب تقارير ووثائق، تعرض الطبيب الكونغولي لمخاطر بسبب عمله. وفي سبتمبر 2012 ألقى كلمة في الأمم المتحدة عن رعب الاغتصاب الجماعي في الكونغو. وبعد الكلمة بشهر واحد، اقتحم رجال مسلحون منزله وحاولوا قتله وزوجته وابنتيهما، وتدخل حارسه. وخلال تبادل إطلاق النار، تظاهر الطبيب وعائلته بالموت. وغادر الكونغو بعد ذلك بوقت قصير، ولكن باعت نساء شرق الكونغو من محاصيلهن لدفع ثمن تذكرة الطائرة التي أعادته للوطن.

وقال الطبيب: "بعد هذه المبادرة، لم أعد أستطيع الرفض". وعاد إلى البلاد عام 2013 وهو أكثر عزما على محاربة الفظائع والعنف. وفي حديث سابق لهيئة الإذاعة البريطانية، أوضح: "حياتي تغيرت بالكامل منذ العودة. أقيم حاليا في المستشفى، واتخذ احتياطات أمنية. لقد فقدت جزءا من حريتي".