لندن: كانت أول جريدة في الهند أُسست عام 1780 بمثابة مؤرخ للحكم البريطاني على حقيقته. وهي تعلمنا أيضاً كيف يعمل الطغاة وكيف يمكن للصحافة المستقلة أن توقفهم، كما يكتب الصحافي والمؤرخ اندرو اوتيس على موقع بي بي سي نيوز.&

وكانت الصحيفة التي سُميت هيكيس بنغال غازيت، كناية بمؤسسها جيمس أوغسطس هيكي، معروفة بملاحقتها أقوى أصحاب السطوة والنفوذ في الهند. وكانت تحقق في حياتهم الخاصة وتتهمهم بالفساد والرشوة واستغلال الحقوق.&

واتهمت حاكم الهند البريطاني وارن هيستنغز برشوة رئيس قضاة المحكمة العليا في الهند. وذهبت الى ان هيستنغز وكبار مستشاريه كانوا يشنون حروب غزو غير قانونية ويفرضون ضرائب على السكان دون ان يكون لهم تمثيل بالمقابل ويقمعون حرية التعبير.&

دعوة إلى التمرد

كما كانت الصحيفة تكتب عن حياة الاوروبيين وفقراء الهند. وكانت قريبة من البسطاء بين فئات المجتمع الكولونيالي وخاصة الجنود الذين كانوا يقاتلون ويموتون في حروب شركة الهند الشرقية البريطانية.&
وكانت الشركة في ذروة قوتها تسيطر على مناطق واسعة من الهند بقوات مسلحة خاصة بها قبل أن تُحل عندما ثار الجنود الهنود في جيشها على البريطانيين في عام 1857.&

وفي الحقيقة ان الجريدة دعت الجنود الى التمرد قائلة انهم يضحون بأرواحهم "من أجل رجل مجنون"، في اشارة الى الحاكم هيستغنز.&
&
وفي مواجهة الجريدة قررت شركة الهند الشرقية تمويل صحيفة منافسة فيما لجأ الحاكم هيستنغز واعوانه الى التهجمات الشخصية واصفين الجريدة بالوقاحة وكتّابها بالأوغاد. وفي النهاية تحركت الشركة لغلق الصحيفة.&

وقدم الحاكم هيستغنز مرات عديدة دعاوى قانونية ضد مؤسس الجريدة نفسه هيكي بتهمة التشهير. وبسبب فساد القضاء وإرتشاء قضاته أُدين هيكي، ورغم استمراره في اصدار جريدته من السجن تسعة أشهر أخرى، فإن المحكمة العليا اصدرت قراراً خاصاً بمصادرة مطبعته وهكذا أُغلقت أول جريدة هندية بصورة دائمة.&

في النهاية وصلت تهم استغلال السلطة والحقوق الى لندن. وفتح اعضاء البرلمان تحقيقاً بالاستناد الى ما كانت صحيفة هيكيس بنغال غازيت تنشره. واسفر التحقيق عن استدعاء الحاكم هيستنغز ومحاسبته مع رئيس السلطة القضائية في الهند.&

إسكات الصحافة

ويلاحظ المؤرخ اوتيس ان القادة السلطويين يحاولون اليوم إسكات الصحافة، كما حاولوا تكميم اول جريدة هندية. وان مصدر قوتهم هو اقناع ما يكفي من الجمهور بتصديقهم وليس تصديق ما يقرأونه في الصحف.&

ولدى السياسيين الطامحين في أن يصبحوا حكاماً دكتاتوريين أدوات جديدة لزرع الانقسامات بين المواطنين.&

وبحسب المؤرخ أوتيس، فإن فايسبوك وواتس آب وتويتر وغيرها من اشكال الاعلام الاجتماعي أوجدت ما يسميه "فقاعات فلترية" حيث يستهلك الأشخاص ويتبادلون محتوى هم اصلا متفقون معه. والنتيجة ان اشخاصاً في سائر انحاء العالم ينقسمون بصورة متزايدة الى قبائل بعد ان اصبح بمقدور السياسيين ان يتواصلوا مباشرة مع مواطنيهم بفضل الشبكات الاجتماعية.&

ومن الأمثلة التي يسوقها المؤرخ اوتيس الرئيس الاميركي دونالد ترمب قائلا انه كثيراً ما يستهدف الصحافة بتغريدات تتهمها بترويج "اخبار كاذبة" وتصف الصحافيين بأنهم "اعداء الشعب".&

ويدعو اوتيس في مواجهة ذلك الى محاسبة شركات تكنولوجية مثل غوغل وفايسبوك وتويتر بسبب تأثيرها في المجتمع، وإلزامها بمعايير أخلاقية تعتمدها الصحف منذ عقود. فإن مسؤولية تقع على شركات الاعلام الاجتماعي لدعم التواصل والحوار وليس زرع الانقسام ونشر الكراهية.&

وهناك اليوم سياسيون منتخبون ديمقراطياً يستخدمون الاعلام الاجتماعي للنيل من قيم الصحافة الحرة وتأليب المواطنين ضد بعضهم البعض، كما يكتب المؤرخ اندرو اوتيس على موقع بي بي سي نيوز مؤكداً ان المعركة بين حاكم الهند هيستنغز ومؤسس أول جريدة هندية هيكي لا تختلف عن المعركة التي نواجهها اليوم، والشيء الوحيد الذي تغير هو الأدوات المستخدمة في المعركة.&

أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "بي بي سي نيوز". الأصل منشور على الرابط التالي:

https://www.bbc.co.uk/news/world-asia-india-45546585
&