إيلاف: نظمت جائزة الشيخ زايد للكتاب الندوة الثقافية الثانية ضمن سلسلة من الندوات الدولية في متحف فيلا كامبيليو في مدينة ميلان الإيطالية تحت عنوان "الحوار الثقافي العربي الإيطالي".&

تضمنت الندوة &تعريف الجمهور الإيطالي بأهم مبادرات جائزة الشيخ زايد للكتاب لتشجيع الترشيحات التي تستقبلها الجائزة سنويًا من خارج العالم العربي.&

حضر الندوة عدد من ممثلي السفارات العربية، كقنصل عام دولة الإمارات العربية المتحدة وقنصل عام مصر وقنصل عام الكويت، إضافة إلى نخبة من المؤلفين والناشرين والمترجمين. كما شارك في الندوة كل من علي بن تميم، أمين عام جائزة الشيخ زايد للكتاب، وعبدالله ماجد آل علي، عضو مجلس أمناء الجائزة، والبروفيسور والفيلسوف كارلو سيني، والناشر ماركو زابارولي، والكاتب الصحافي أليساندرو ساكوزي، والأكاديمي باولو سبينتشي، وممثل مكتبة ميلان الوطنية ألدو بيرولا. وأدار الحوار المحرر والصحافي باولو جوالاندريس.

‎قدم بن تميم شرحًا عن المبادرات الثقافية والبعد العالمي للجائزة، إضافة إلى نبذة عن منحة الترجمة التي تستهدف التعريف بالثقافة الإيطالية. قائلًا: "تعد الترجمة الخيط الناظم الذي يربط بين المجتمعات، ويدعم نسيج الحضارة الإنسانية، وهي الجسر الذي يصل بين الشعوب ويقرب بينها؛ فالتفاعل بين الثقافات والحضارات المختلفة يعتمد في الأساس على الترجمة، لا بوصفها ترفًا فكريًا، بل لأنها حاجة إنسانية ملحّة، فالترجمة هنا ذات أثر ثقافي يسهم في تشكيل الوعي وتنوع الموروث الثقافي والفكري ، ويعزز من وسائل فهم العالم الآخر، واستيعاب ما فيه من تقدم ومعرفة".&

أضاف "إننا في جائزة الشيخ زايد للكتاب نفتح الأبواب لكل تعاون مثمر واقتراح بنّاء، لأننا في دولة الإمارات العربية المتحدة نؤمن بالتفاعل الإيجابي بين الحضارات، فالتفاعل والاحتكاك بين الحضارات يعد مكسبًا كبيرًا يجب أن يُوظف ويُستغل في تحقيق التقدم والتطور، ويمكن القول إنه لا يمكن عزل أي حضارة عن أخرى، إذ إنه لا توجد حضارة نشأت من تلقاء نفسها بمعزل عن الحضارات الأخرى، أو إنها لم تتفاعل مع غيرها من الحضارات، وذلك لأن الحضارة كيان ثقافي واسع وممتد، كما إن الحضارات والثقافات غير ثابتة، وتتغير مع الزمن، وتتفاعل مع بعضها البعض، الأمر الذي يؤدي إلى إثراء الحضارة الإنسانية بشكل عام، ففي تفاعل الحضارات تأخذ كل حضارة ما يناسبها وما يتفق مع طبيعتها".

من جهته قدم عبد الله ماجد آل علي، عضو مجلس أمناء الجائزة، والمدير التنفيذي بالإنابة لقطاع دار الكتب في دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، عرضًا حول جهود الدائرة لدعم أعمال الفكر والترجمة والثقافة والترويج للإرث الثقافي الإماراتي عالميًا، ومن هذه الجهود منحة الترجمة التي تقدمها الجائزة إلى الكتب المؤلفة عن الثقافة العربية.&

وقال: "تأتي هذه الأمسية وما تحمله من مبادرات دائرة الثقافة والسياحة لترسيخ مكانة أبوظبي باعتبارها منارة ثقافية على المستوى العالمي من خلال مشاريعها الفنية والفكرية والثقافية التي تحتضنها، والتي تلعب دورًا مهمًا في نشر قيم التسامح والحوار وثقافة احترام الآخر عالميًا، مثل متحف اللوفر أبوظبي الذي تم افتتاحه في العام الماضي، والمتاحف العالمية في المنطقة الثقافية في السعديات المستقبلية، والتي تضم متحف زايد الوطني ومتحف جوجنهايم أبوظبي".

تعقيبًا على أهمية الترجمة في التوعية الثقافية بين الشعوب، تحدث أليساندرو ساكوزي حول دور الترجمة والأسماء والمعاني، وتناول ما كتبه بورخيس حول ابن رشد (أفيرويس) في إحدى رواياته، حيث صور الفيلسوف الكبير في قرطبة يترجم الكوميديا والتراجيديا بطريقة معبّرة ارتبطت بالمضمون، ومنحت الاسم المترجم معنى ربما كان جديدًا عليها. وفسر بورخيس ذلك بأنه لم يكن هناك مسرح روماني أو يوناني في قرطبة، ولذا استخدم الفيلسوف الكبير المضمون، وزاد على المعاني شيئًا جديدًا لم يتضمنه الاسم سابقًا. وأكد على أهمية الترجمة وأهمية الفرصة التي تقدمها جائزة الشيخ زايد للكتاب إلى دور النشر الإيطالية وإلى الأدباء والمترجمين، وهذا ما سيمنح الأدب الإيطالي فرصة الثراء بالمعاني الجديدة والتعرف إلى الثقافة واللغة العربية.

أما البروفيسور والفيلسوف الشهير كارلو سيني فعلق على تأثير الحضارة العربية على الأوروبية بقوله: "لو كنت معلم مدرسة لمنحت نفسي الوقت المناسب للبحث والاستفادة من مدارس الترجمة الكبرى في العصور الوسطى في توليذو ومورسيا وإشبيلية. لا أعرف إن كان الجميع في بلادنا يعرفون فضل هذه المدارس العظيمة على ثقافتنا الغربية حتى هذا اليوم. إن هذه المرحلة الذهبية منحتنا فرصة التعرف إلى الحضارة اليونانية والعربية والإسلامية، ولولا هذه المدارس لاندثرت حضارات وتراث بالكامل".&

أضاف "لم يقتصر فضل الترجمة على الفلسفة، بل شمل العلوم الطبيعية واللغة والطب والفلك والرياضيات والهندسة وغيرها من العلوم. لقد حافظت أيضًا على علوم الأديان المسيحية واليهودية والإسلامية. إن من ينكر ذلك يرتكب جريمة بحق الإنسانية جمعاء.إن ما تقدمه جائزة الشيخ زايد للكتاب يأتي في سياق هذه المدارس الكبرى، وعلينا أن نأخذ بهذه الفرصة التي تمنح لنا من أجل خدمة الثقافة الكونية".

تم خلال الفعالية إلقاء نصوص شعرية لأبي العلاء المعري والشاعر الإيطالي الشهير دانتي. وتعليقًا على ذلك قال ألدو بيرولا " سمعنا نصًا لأبي العلاء المعري باللغتين العربية والإيطالية ونصًا لدانتي باللغتين العربية والإيطالية، وكان الإلقاء العربي يغني لنا الشعر ويأخذنا بعيدًا في أعماق المعاني. ولاحظ المستمع تقارب النصين بالرغم من أن نص أبي العلاء من القرن الحادي عشر ونص دانتي من الرابع عشر. إن التأثر بين النصين واضح من حيث الفكرة والمضمون، وكلاهما تناولا موضوعًا له علاقة بالدين والحياة، وهذا يدل على كونية وإنسانية الأدب الذي ينشغل بالإنسان وحياته وفكره وهمّه. وما أحوجنا اليوم إلى من يقدم مثل هذه الفرصة المهمة بمناسبة التعريف بجائزة الشيخ زايد للكتاب ليصنع من هذه الفرصة ترجمة ونصًا وعملًا يهمّ الإنسانية".

من جانبه قال الفيلسوف باولو سبينتشي "إن الأشكالية التي أود التحدث معكم حولها هي إشكالية سارة، وهي على عكس ما يمكن للمرء أن يتوقعه، فهي كنز كبير لنا جميعًا. إنها النص الشعري الذي كتب في عصر بعيد سابق لنا، والذي يعتبر جزءًا لا يتجزأ من تقاليدنا الثقافية. وبرغم هذا البعد فإننا نقرأه، ونجد في ما نفهمه جمالًا. نسعد بالنص ونسعد بالحديث عنه وباستحضاره. إنها رسالة الغفران لأبي العلاء المعري. وعندما أقول إنه جزء من تقليدنا الثقافية فإنني أشير إلى الكوميديا الإلهية لدانتي، الذي تأثر بلا شك بأبي العلاء. نصان بلغتين مختلفتين والترجمة جعلت التأثر والتناص ممكنين. إننا كما ترون نتحدث دائمًا بلغة عن اللغة والنص المكتوب أو المنقول أو المنطوق بلغة ما، وحديثنا هو تعبير عن فكرنا وتفكيرنا. أي إن التفكير بحاجة إلى اللغة. وباللغة لا نعبّر عن واقع فحسب، بل نعبّر عن فكرة، ربما لم تصبح واقعًا بعد، أي إنها فانتازيا وحلم، وهذه اللغة ارتبطت وبلا شك بجغرافيا معينة نطلق عليها اسم الوطن. والوطن ينتقل ولو جزئيًا مع اللغة".&

أضاف "اليوم تقدم جائزة الشيخ زايد للكتاب فرصة التعرف إلى هذا الأدب وهذه الثقافة العربية العريقة، فهي تقدم إلينا وإلى ثقافتنا فرصة العيش في وطن جديد والتعرف إلى هذه الحضارة عن قرب. إنني أحث دور النشر والكتاب والفلاسفة والأدباء والمفكرين على الاستفادة من هذه الفرصة النادرة التي تمد جسور الحوار والتواصل مع الآخر".

‎تعتبر ندوة ميلان هي الثانية ضمن سلسلة من الندوات التي تنظمها جائزة الشيخ زايد للكتاب خلال هذا العام للترويج للكتب الحائزة الجائزة، وستقام الندوة المقبلة في المملكة المتحدة. وحتى هذا اليوم، نظمت الجائزة بنجاح العديد من الندوات في معالم ثقافية عالمية ومراكز أدبية في كل من لندن وموسكو ولشبونة، وكان آخرها في نيويورك.


&