في حديث خاص لـ"إيلاف"، يروي طبيب أسنان المشاهير من فنانين وسياسيين كيف أهدر الإيرانيون والإخوان المسلمون دمه، ولقاءه بحسني مبارك.
&
إيلاف من القاهرة: بعد أكثر من 50 عامًا من الحياة والعمل في مدينة الضباب لندن، انتهى المطاف بطبيب أسنان المشاهير هشام العيسوي في مصر، متخذًا من مدينة سفاجا مقامًا له.

خلال العقود الخمسة التي عاشها في بريطانيا، عقد صداقات مع رموز سياسية وفنية عدة في مصر والعالم، منهم الفنانة الراحلة سعاد حسني التي كانت صديقة مقربة له، والشيخ محمد متولي الشعراوي، ووزير الأوقاف المصري السابق محمد المحجوب، ووزير الثقافة والإعلام المصري الراحل عبد القادر حاتم، إضافة إلى الكاتب الإيراني المعروف سلمان رشدي.

"إيلاف" التقت العيسوي، فكان هذا الحوار الخاص معه، الذي كشف فيه أنه تدخل في أزمة رشدي، ودافع عنه بشدة، فأصدر المرشد الأعلي الإيراني فتوى بإهدار دمه. وإلى المقابلة كاملة.
&
خادع إسرائيل
خلال حياتك في لندن، كنت صديقًا لسياسيين ولفنانين كثيرين. من أقربهم إليك؟
من حسن حظي أن كثيرًا من "العيانين بتوعي" كانوا من المشاهير، منهم فاتن حمامة، وماجدة، وسمير صبري، وعبد المنعم مدبولي، وصفية المهندس، إضافة إلى الدكتور علي لطفي رئيس الحكومة السابق. لكن يبقى الدكتور عبد القادر حاتم أقربهم إلى قلبي، ومن أكثر الشخصيات التي أعتز بها، هو رجل عظيم جدًا، مريضي وصديقي. فهو الرجل الذي رسم ونفذ خطة الخداع الاستراتيجي لحرب أكتوبر 1973، وأقرّت إسرائيل له بذلك، وقالت إن عبد القادر حاتم هو من خدعهم.

روى لي أنه دخل ذات مرة على الرئيس جمال عبد الناصر، فوجده مهمومًا، لأن الدودة أكلت القطن، المصدر الوحيد للدخل في مصر. رد عليه حاتم: "لا تقلق يا ريس، أنا كنت أجلس مع المستشار الألماني، وسألته: ماذا تفعل لو كنت مكاننا؟، فرد: أبيع شمس". فهم منه ضرورة أن تنوع مصر مصادر دخلها، وأن تستغل ما لديها من جمال الطبيعة وكنوز أثرية في جذب السياحة.&

عرض على عبد الناصر خطة للترويج السياحي في مصر، وأنشأ فنادق ومنتجعات جديدة، منها "مجاويش" و"سيدي عبد الرحمن". حتى أصبح يعتبر أبا السياحة في مصر.
&
فتوى المرشد بقتلي
&كيف كانت علاقتك بالكاتب الإيراني الأصل سلمان رشدي؟
تسبب إصدار المرشد الإيراني آية الله الخميني فتوى بإهدار دم سلمان رشدي، في معاداة المثقفين الغربيين للإسلام، وأثرت بشكل سيئ&جدًا في صورة الإسلام. وعلى الرغم من اختلافي الشديد معه في ذلك الوقت، فإنني دافعت عنه، وقلت إن الإسلام لا يهدر دماء أحد. وسعيت بقدر الإمكان إلى إيضاح صورة الإسلام من فتاوى إهدار الدم والتكفير، لكني فوجئت بهؤلاء يصدرون فتاوى تكفّرني أنا شخصيًا، وأفتى المرشد علي خامئني بأنني لست مسلمًا، وبالتالي فقد أهدر دمي أنا أيضًا.
&
لماذا أهدر دمك، على الرغم من أنك لم ترتكب كبيرة في حق الإسلام، بل تدافع عنه؟
السبب الرئيس هو أنني كتبت مقالة مطولة في "تايمز" البريطانية، بدأتها بقول الرسول محمد: "اللهم إغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". هاجمت نظام الملالي بقوة في تلك المقالة، وقلت إنهم لا يعرفون الإسلام الصحيح، أي الدين المتسامح، وإن الرسول لم يهدر دماء مسلم من قبل بسبب مقالة، وإن الإسلام يقول من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وإن رحمة الله وسعت كل شيء.
&
من المشنقة إلى الوساطة
كيف تعاملت مع هذه الفتوى؟ ما كان رد فعل الأوساط الثقافية والسياسية في لندن؟
حدث ذلك بعدما أجريت حديثًا مع صحيفة "إندبندنت" البريطانية، وقلت فيه إنني على استعداد للذهاب إلى إيران، وإلقاء محاضرة في جامعة طهران، أؤكد فيها أن فتوى الخميني بإهدار دم رشدي تخالف الإسلام، وأنها فتوى خاطئة.&

بعدها بأسبوع فوجئت بصحيفة "كيهان" الإيرانية الرسمية، تصدر بمقال على نصف صفحة تحت عنوان "المشنقة في انتظار العيسوي". كان محمد عروق، وهو إذاعي مصري ضمن أعضاء الجمعية، وبينما كان يجلس مع شيخ آخر ذات مرة يتدارسان كيفية الرد، أجرى أحد أعضاء الجمعية اتصالًا هاتفيًا بعلي رفسنجاني رئيس وزراء إيران في ذلك الوقت، وتحدث معه حول الأزمة وموقف طهران مني. وفي الأسبوع التالي صدرت صحيفة "كيهان" بمقالة في نصف صفحة عنوانه "إيران في انتظار العيسوي، وترضى به حكمًا بين طهران ولندن".

مر أسبوع آخر، وفوجئت باتصال من مدير إدارة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية البريطانية، يخبرني بما ورد في "كيهان". قلت له: "من أنا حتى أكون وسيطًا بينكم وبين إيران؟. دعاني إلى مكتبه لتدبير الزيارة، وقال إنهم سلكوا كل السبل للتهدئة مع إيران، وفشلت جميعها، ودعاني إلى السير في الوساطة. وعدت بأني سأكتب خطابًا إلى رفسنجاني من أجل حل أزمة إهدار دم رشدي. قلت في الخطاب إن إيران حضارة عريقة، ولا يمكن أن يهزّها كتاب أو كاتب، وما تفعله طهران يسيء إلى الإسلام. طلبت منه عدم قتل رشدي، والإعلان عن أن الحكومة الإيرانية ستحاكم أي شخص يقدم على مثل هذا الفعل، ولقي هذا الاقتراح قبولًا من الدولتين، وتم تفادي أزمة بينهما.
&
مُكفّر إخوانيًا
كيف استغلت قيادات جماعة الإخوان في بريطانيا الأزمة للنيل منك؟
كنت أتحدث مع رشدي باستمرار لساعات طويلة. ذات مرة قلت له: "تقول إنك مسلم، ويقولون إنك كافر، فلماذا لا نجهض خطتهم، وتعلن إسلامك على الملأ". استطعت إحضار وزير الأوقاف محمد على محجوب وبعض علماء الأزهر إلى لندن، وجلسنا مع رشدي في أحد مقار الأمن البريطاني، وأشهر إسلامه أمام وزير الأوقاف وعدد من العلماء وأمام وسائل الإعلام، عندها اتهمتني جماعة الإخوان بالكفر، لأنني تعاملت مع سلمان وصافحته، وقال رشدي حينها إنه حزين جدًا بسبب الفترة التي ابتعد فيها عن الإسلام.&

الحقيقة إنهم كفروني وأهدروا دمي، لأنني أبطلت مفعول اللعبة التي كانوا يستثمرونها في تجنيد الشباب للإرهاب والقتل، بحجة أن سلمان رشدي كافر ويحرّض الشباب على الكفر، فماذا سيفعلون بعدما أشهر إسلامه أمام الجميع؟. وإذ بهم يقيمون أربع دعاوى قضائية لطردي من بريطانيا، لكنهم فشلوا في النهاية.
&
كنت عضو مجلس إدارة الجالية المصرية... هل التقيت الرئيس السابق حسني مبارك؟
كان مبارك يعرفني عضوًا في مجلس إدارة الجالية المصرية في المملكة المتحدة، ومن خلال مقالاتي في الأهرام أو الصحف البريطانية، ومنها مقالة كتبت فيها أنه لم يكن يريد أن يتولى الرئاسة، لكنه أجبر عليها، وأنه تولى الحكم والبلد في حالة طوارئ، لكنه لم يستخدمها ضد أحد. هذه المقالة أعجبته جدًا.&

أنا من اقترح الطيب
بعد وفاة شيخ الأزهر سيد طنطاوي، نصحته بأن يتولى الدكتور أحمد الطيب مشيخة الأزهر، وأعتقد أنه أخذ بنصيحتي. في أثناء زيارة له إلى بريطانيا، جلس مع مجلس إدارة الجالية المصرية للحديث عن الإصلاحات الاقتصادية، وقلت له إن هذه الإصلاحات ستطحن محدودي الدخل، وإن ثورة يوليو قامت بالتزامن مع ثورة كوريا، فانظر الآن أين كوريا الجنوبية وأين مصر. لم يرد عليّ. انتقل لتناول الغداء مع السفير والوفد المرافق له، ونزل إلينا رئيس تحرير جريدة الأهرام، إبراهيم نافع رحمه الله، والكاتب الصحافي صلاح منتصر، وقال نافع إن الرئيس طلب من الوزراء ضرورة عمل برامج لحماية محدودي الدخل، ويبدو أنه اقتنع بحديثك عنهم. فقلت لهم ضاحكًا: يبقى لازم أهرب بجلدي أحسن يعيّني وزيرا.
&
وماذا عن خلافاتك مع الشيخ الشعراوي؟
كان الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله من مرضاي في لندن، وكان يحرص على زيارتي في كل مرة يسافر فيها إلى بريطانيا. كانت تدور بيننا مناقشات كثيرة حول القضايا الفقهية والإسلامية، ولا سيما التي تشغل بال المسلمين في أوروبا، ومنها قضية "الربا"، وكنت قد درست هذه القضية جيدًا، ووضعت فيها كتاب باللغة الإنكليزية بعنوان "ماذا عن الربا؟".&

كنا نجلس في فندق تشرشل في لندن ذات مرة، وقلت فيه إن العبرة في تحريم الربا ليست "الاستزادة فحسب"، لكن "الاستزادة ممن يستحق الصدقة". أوضحت له أدلتي على ذلك، وقلت له إن الله لم يذكر الربا، إلا وتقابله الصدقة، وجاء في القرآن "يمحق الله الربا ويربي الصدقات"، وإذا كانت الصدقة هي مال تعطيه إلى الفقير، فإن الربا مال تأخذه من المحتاج أو الفقير.&

لكن الشعراوي "طلع فيا.. شاط فيا"، وقال لي منفعلًا: هل تجادلني في قضية الربا؟، وهي المسألة الوحيدة التي أعتقد أنها صحيحة، ووضعت فيها دستور البنوك الإسلامية، وأتمنى أن أقابل بها الله. بعدها بسنوات، مرض بالتهاب المرارة، وحضر إلى لندن للعلاج، وطلب من مرافقيه الاتصال بي. حضرت إليه، وجلسنا نتناقش ساعات، وصرنا صديقين إلى أن توفاه الله.
&
&