ما الذي يغذي الإنقسام وإثارة الفتن والتعرّض بالإساءة إلى مختلف السياسيين الذين يختلفون بالرأي عن بعضهم البعض، خصوصًا بعد تعرّض الوزير وئام وهاب إلى شخص الراحل رفيق الحريري؟.

إيلاف من بيروت: صدر من المدّعي العام التمييزي القاضي سمير حمود قرار بقبول الإخبار المقدم من قبل مجموعة من المحامين في وجه الوزير السابق وئام وهاب، وإحالته على شعبة المعلومات للتحقيق وإجراء المقتضى.

وكان تقدّم عددٌ من المحامين بإخبار لدى النيابة العامة التمييزية في وجه وهاب، وكل من من يظهره التحقيق فاعلًا أو متدّخلًا أو محرّضًا، بجرم إثارة الفتن والمسّ بالسلم الأهلي.

يأتي الإخبار على خلفية الفيديو الذي تمّ تسريبه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والذي يُظهر وهاب وهو يتعرّض بالهجوم والإساءات الشخصية إلى رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري ووالده الراحل رفيق الحريري.

غرّد رئيس الحكومة اللبناني السابق تمام سلام عبر حسابه الخاص على "تويتر"، قائلًا: "عندما تتحوّل الأدبيات السياسية إلى تهريج سياسي وشتائم وقدح وذم واستدراج للفتنة، فبئس السياسيين وأشباه السياسيين، مهما كانت نياتهم ونيات من يقف وراءهم".

الآخر سياسيًا
في هذا الصدد يشير الإعلامي علي الأمين في حديثه لـ"إيلاف" "إلى أن تعزيز قبول الآخر سياسيًا وعدم التعرّض له يتطلب جهدًا على مستويات عدة، من خلال جهد ثقافي وتربوي، وأيضًا من خلال المناهج السياسية التي تعتمدها التيارات السياسية، والجهد يجب أن يكون على أكثر من مستوى، وهذا عادة يجب أن تقوم به مؤسسات المجتمع المدني والجامعيون والتربويون، والمسؤولية الأساس تقع على الدولة، ورؤيتها، لأن المعايير والمقاييس لأي دولة نريدها تنعكس وتتسرب إلى المؤسسات وإلى الإعلام بطبيعة الحال، وهناك موجة مسيطرة في الإعلام اللبناني تعمد إلى إلغاء الآخر، وهي الأقوى في الدولة والسلطة، وعلى مختلف الأصعدة، وبالتالي لا نرى في لبنان قوى بارزة ومؤثرة في المجتمع إلا من خلال الشخصيات المنحازة، والتي لديها أيديولوجية معينة، ولديها موقف وهي بصراع حاد مع الآخر، وهذا يغذي الإنقسام في المجتمع.

الآخر والصواب
ويرى الأمين أن شعورًا عامًا يسيطر اليوم، ومفاده "أنني على صواب، والآخر دائمًا على خطأ"، ورفض قول الإمام الشافعي، لأنه لم يعد مقبولًا في النقاش السياسي، والحياة الإجتماعية، فكل طرف يعتبر أنه يملك الحقيقة، ولا يرى أن جزءًا من هذه الحقيقة موجود عند الآخر، وإن كان في الثقافة والأدبيات العامة يجب الحديث عنه، لأن واقع الحياة الإجتماعية والإقتصادية مختلف تمامًا، نظام المصالح ربما يفرض هذه الذهنية، ويقوّي من عملية رفض الآخر، ويصبح رفض الآخر والإساءة إليه مصدرًا من مصادر القوة، والنفوذ، وكذلك تأمين نظام مصالح للحياة السياسية والاقتصادية، فكلما كان الشخص متصلبًا ضد الآخر، يجد من يسانده في الحياة وفي توفير مصالحه والنفوذ والقوة، خاصة مع غياب سلطة القانون.

قبول الآخر
في حين يعتبر الإعلامي العراقي منتظر الزيدي في حديثه لـ"إيلاف" "أن تعزيز مفهوم قبول الآخر سياسيًا يجب أن يكون بالعودة إلى مفهوم "المواطنة"، ومفهوم المجتمع المدني، والحفاظ على الهوية الوطنية، وأن الآخر مهما اختلف عني في السياسة والرأي يبقى شريكي في الوطن". وكلها أمور برأي الزيدي تُعزز في المدارس والجامعات والندوات ووسائل الإعلام، وعلى وزارة الإعلام، سواء في لبنان أو سائر الدول، أن تضع ميثاق شرف أو قانون للمطبوعات، غير القانون القديم، وعليه أن يحاسب ويجرّم بث الشائعات والتحريض الطائفي والمذهبي، لذلك القانون يحمي المواطن من الإعلام الموجّه.

ويلفت الزيدي إلى أن عدم تعزيز قبول الآخر في المدارس والجامعات والعائلات تحوّل إلى لغة كراهية تعتمدها الوسائل الإعلامية كافة، لأن رماد الحرب الأهلية اللبنانية لا يزال ساخنًا، لهذا نجد في بعض النفوس بقايا ضغينة، لذلك يحتاج الأمر تعزيز روح المواطنة ومحاولة النسيان، لكل الحروب والإقتتال كي يخرج المواطن اللبناني من عباءته القديمة ومن الحالة السوداوية لمأساة الحرب.


&