مراكش: نظمت دار سعيدة (مؤسسة ثقافية ) بمراكش (جنوب المغرب)، مساء السبت ،ندوة « المرأة المغربية و أشكال النضال » بمناسبة مرور 40 سنة على رحيل المناضلة اليسارية المغربية سعيدة المنبهي (منظمة « إلى الأمام » الماركسية التوجه).
اللقاء الذي نظم من طرف جمعية « مبادرة تيزي » استضاف كلاً من عائشة الشنا، رئيسة جمعية التضامن النسوي (جمعية تعنى بالأمهات العازبات بالمغرب) ونبيلة منيب الأمينة العامة للحزب الإشتراكي الموحد، و أسماء لمرابط الطبيبة و الباحثة المهتمة بقضايا المرأة في الإسلام.

شكل اللقاء مناسبة تقاسمت من خلالها الفاعلات الثلاث، مع الحاضرين، محطات من مساراتهن النضالية باختلاف توجهاتها، كما تحدثن عن التحديات و الصعوبات التي واجهتهن، وتحديدا التهديدات التي تلقينها من التيار المحافظ، كما توجهن للشباب المغربي بنصائح من أجل الإنخراط في العمل الإجتماعي و السياسي.

عائشة الشنا وابتسامة سعيدة

قالت عائشة الشنا إنها تعرفت على سعيدة المنبهي عندما كانت هذه الأخيرة معتقلة رفقة ثلة من المحسوبين على التيار اليساري الماركسي في فترة السبعينيات من القرن الماضي. أنذاك كانت الشنا تشتغل كمساعدة إجتماعية بوزارة الصحة مكلفة زيارة السجناء.

وتضيف الشنا قائلة "لم اكن اخبر العمل السياسي و لا دهاليزه المخيفة، "مثلما تفعل هذه الجالسة بجواري" وهي تشير لنبيلة منيب، لكنني لن انسى تلك الإبتسامة التي طبعت شفتي المنبهي، عندما أخبرتني عن رغبتها في الالتحاق بالعمل معي في المجال الاجتماعي، عندما تغادر المعتقل. لكنها فارقت الحياة بعد دخولها في إضراب عن الطعام سنة 1977 بالسجن بالدار البيضاء .
بعد ذلك ستصطدم الشنا بوضع إنساني استثنائي جعلها تراجع كل حساباتها، حين صادفت أما عازبة وهي تتخلى عن طفلها مكرهة بأحد مستشفيات الدار البيضاء، بسبب ضغط الأسرة. رأت الشنا كيف تركت الأم رضيعها لتودعه مركزا للأطفال المتخلى عنهم؛ و في المساء عندما عادت لبيتها و أمسكت بطفلها لترضعه، وكانت حديثة الولادة، ظلت صورة ذلك الصبي الذي حرم من حضن أمه بسبب العار لا تريد أن تفارق مخيلتها، و لم يعرف النوم طريقا لجفونها تلك الليلة، لتقطع عهدا على نفسها أنها ستدافع عن هؤلاء النسوة و أبنائهن، و أن تفعل ما في وسعها حتى تحتفظ الأم العازبة بطفلها وتواجه الحياة و المجتمع مهما كلها الأمر .
سنوات بعد ذلك ، سوف تأسس الشنا جمعية تعنى بالأمهات العازبات، ستطلق عليها اسم "التضامن النسوي"، و التي ستتلقى بسببها تهديدات صريحة من طرف التيار المحافظ، الذي اتهمها بالتشجيع على الرذيلة، على اعتبار أن الحماية التي توفرها للأمهات العازبات، من خلال إيوائهن، هي تشجيع صريح على الفساد و الزنا.
لم يثنها ذلك ولم يضعف من عزيمتها، بل بالعكس أدركت الشنا أن الأطفال من أمهات عازبات هم أبناء هذا البلد ، و أن لهم الحق في الرعاية و الحماية و التعليم لأنهم أبناء هذا الوطن.
ووجهت الشنا، بلهجة قاسية، رسالة للشباب المغربي تحثه على الوقاية و أخذ الحذر من العلاقات خارج إطار الزواج، لأن العدد المسجل في نسبة الأطفال الذين يولدون خارج إطار الزواج مخيف (153 طفلا يولد كل يوم) حسب آخر الإحصائيات، فيما 24 طفلا يرمون في القمامة.

نبيلة منيب .. الصوت المزعج

من جهتها، اعتبرت نبيلة منيب أن المغرب الذي ناضلت من أجله المنبهي، و الذي دفعت حياتها ثمنا له لم يتحقق بعد، مؤكدة على ضرورة انخراط الشباب في العمل السياسي، لكن مع التسلح بالعلم و المعرفة.
وانتقدت منيب، كعادتها بلغة مباشرة، أن تتضمن المجالس المنتخبة في المغرب أشخاصا أميين، مشيرة إلى أن 1500 مستشار جماعي مغربي هم أميون، وهو ما لا يتناسب مع طموحات المغاربة ونخبهم السياسية لتحقيق الديموقراطية و العدالة الإجتماعية المنشودتين.

ودعت منيب الشباب إلى ممارسة العمل السياسي، لأن المغرب في حاجة لنخب سياسية قادرة على بلورة مشاريع تمكن من تطوير البلاد وتحقيق أماني المغاربة. كما أكدت على أن المغرب في حاجة اليوم لنقاش هادف و بناء يعيد للعمل السياسي دوره و أهميته، مشددة على أن ذلك لن يتأتى من دون إشراك الشباب و الإنصات لهم، و مشاركتهم في التجارب التي خاضها من سبقوهم بشكل يؤهلهم للإنخراط في مراكز القرار، كما دعت منيب النساء إلى التسلح بالعلم و المعرفة و العمل و ولوج عالم السياسة وأخذ مكانهم في مراكز القرار السياسي، مع الحفاظ على الأخلاق و المبادئ، حتى لا يبخس العمل السياسي ويصبح من جدوى.

أسماء لمرابط..نقطة ضوء

بدورها، تقاسمت أسماء لمرابط بعض محطات حياتها التي جعلت منها طبيبة تهتم بقضة المرأة في الفقه الإسلامي.
قالت لمرابط إن الفترة التي قضتها بالمنفى ( 15 سنة) رفقة أسرتها، كان لها دور في تشكل وعيها بشكل مبكر بقضايا النساء.

وأكدت لمرابط انها ترفض أن تصنف في خانة المناضلات، لأن عملها يقتصر فقط على الجانب الأكاديمي وليس الواقعي، كما هو الشأن بالنسبة لكل من عائشة الشنا و نبيلة منيب.
وقالت " كان والدي من أثرياء مدينة الرباط ، و كان مقربا جدا من الإتحادي المختطف المهدي بن بركة، حيث تم نفيه خارج البلاد رفقة اسرته".
سنوات المنفى الـ15 جعلتها في مواجهة العديد من الأسئلة التي لم تجد لها إجابات شافية، لتقرر خوض غمار البحث و التقصي لعلهما يشفيان التعطش الذي كان يلازمها للمعرفة، وهو ما دفعها للبحث عن إجابات في كتب الفقه الاسلامي. غير أن ذلك لم يمنعها من متابعة دراسة الطب نزولا عند رغبة والدها، بالموازنة مع قراءاتها الفقهية.
تقول أسماء إنها تربت في بيت محافظ مع أب متحرر و متنور، و أن هذا التناقض في الخطابين، هو ما دفعها لكي تعمق دراستها في كتب الفقه، حيث أثمرت هذه التجربة عن ميلاد كتب ألفتها أسماء وترجمت لعدة لغات منها « القرآن و النساء » و « الإسلام، المرأة و الغرب » ثم « الإسلام و النساء : الأسئلة المزعجة ».
وعن الصعوبات و التحديات، تقول أسماء انها عاشت خلال الفترة السابقة ظروفا صعبة، بسبب رأيها حول موضوع الإرث، حيث تم اتهامها بأنها زعزعت « ثوابت الأمة »، و لا تنفي أن ذلك آلمها كثيرا، لكنه لم يضعف من تشبثها بمواقفها المتنورة.
كما دعت لضرورة وجود تيار يقرأ الدين من منظور تحرري، ويقطع مع السلطة الذكورية في تفسير الآيات و الأحاديث.
و أكدت لمرابط عدم وجود اية قرآنية تقر بطاعة الزوجة لزوجها، عكس ما يدعيه البعض، كما دعت لإنشاء مدرسة للمفكر محمد عابد الجابري"لأن المغرب و الشباب في حاجة لقراءته واستيعاب فكره، مطالبة بأخذ العبرة و الدروس من تاريخنا الذي يعيد نفسه".