الرباط : أطلق اتحاد العمل النسائي المغربي من جديد حملة وطنية لمراجعة مدونة الأسرة ، وهو المطلب الذي بدأ يفرضه ظهور العديد من الإشكالات التي تحول دون التطبيق الجيد لمضامين المدونة في كثير من بنودها. فبعد مرور 14 سنة على تطبيق المدونة (منذ سنة 2004 )و إقرار دستور 2011 الذي ينص على المساواة بين النساء و الرجال في جميع الحقوق ، و كذا إحداث هيئة المناصفة، أصبح ضروريا مراجعة المدونة كي تتلاءم مع الواقع المغربي الجديد. 

« عندما يحدث نزاع أو طلاق بين الزوجين و تضطر الزوجة لترك بيت الزوجية و الذهاب لبيت أهلها، لا يسمح لها بتنقيل الأبناء نحو مدرسة أخرى أقرب لمحل سكنها الجديد، بموجب مذكرة وزارية لا تقبل الانفصال ، يطلب منها أن يحضر ولي امر الإبن أو الإبنة أي الأب، لكي يسلموه شهادة انتقال ». كانت هذه واحدة من الأمثلة العديدة التي ساقتها المشاركات خلال الندوة التي نظمها اتحاد العمل النسائي بمراكش، مساء السبت، تحت شعار « من أجل قانون أسري يضمن الملاءمة و المساواة ». أمثلة كثيرة تبرز مما لا يدع مجالا للشك التناقضات الحاصلة في مقتضيات قانون الأسرة، الذي مر على تطبيقه أزيد من أربعة عشرة سنة، وتعلن بشكل ملحوظ أن الوقت حان لإعادة النظر في كثير من تلك القوانين المتعلقة بمدونة وصفت من قبل الكثيرين، قبل 14 سنة، ب" الثورة الهادئة". 

وحسب المعطيات التي أدلت بها محاميات خبرن جيدا محاكم الأسرة وهن يترافعن في قضايا تتعلق بنزاعات بين الأزواج، فإن أغلب الأزواج في المثال الأول يكونون قد رفعوا أيديهم عن الزوجة وعن الأبناء، تاركين أسرهم بلا نفقة، فيكون من الصعب على الزوجة أن تقنع طليقها بالتوجه للمدرسة لتسلم شهادات الإنتقال للأطفال، وفي أحسن الحالات عندما تتوفق في الإتصال به، فإنه يغتنم الفرصة لتصفية حساباته مع الزوجة، ليكون مصير الأبناء الإنقطاع عن الدراسة لموسم كامل. 

شهادات صادمة ساقتها المشاركات خلال الندوة، حيث أبرزن أنه في حالات كثيرة تطرد الزوجة رفقة الأبناء من بيت الزوجية، وفي بعض الأحيان يتم أخراجها بالقوة العمومية مع أن الزوج يكون مالكا للعمارة بأكملها. 

لا أحد يمكنه إنكار الإصلاحات التي أتت بها المدونة، لكن الكثير من بنودها بقي حبرا على ورق، كاقتسام الممتلكات بين الأزواج، الذي لا يتم تطبيقه، إلا بشروط أبسطها أن تثبت الزوجة بالفواتير و الوثائق أنها ساهمت في تلك الأملاك. 

كل تلك الأمثلة التي ذكرتها محاميات و فاعلات حقوقيات أبرزت التناقضات الصارخة في مدونة الأسرة، مؤكدات أنها أصبحت في حاجة للتغيير الجذري، بعد أن عجزت عن حل العديد من المشاكل التي تتخبط فيها الأسر المغربية. 

الأسرة تفقر النساء

قالت عائشة لخماس المحامية ورئيسة العمل النسائي إن الأسرة تعمل على تفقير النساء، رغم كون العديد من الفتيات يسعين جاهدات للظفر بزوج، و أغلبهن يدخلن مؤسسة الزواج و هن حاملات لمدخرات و إرث أو أجرة عمل وكل ذلك يستثمرنه في الأسرة، علما أن أغلب العقارات أو الأملاك التي تكتسبها الأسرة بعد الزواج، و التي تكون الزوجات ساهمن فيها بشكل كبير يتم تسجيلها بإسم الزوج. وعندما يقع النزاع و يحدث الطلاق تخرج المرأة خاوية الوفاض. 

و أضافت لخماس أن المدونة وضعت عقدا مصاحبا لعقد الزواج يوثق لممتلكات الزوجة و الزوج كذلك حتى تضمن حقوقها، لكن تشير معطيات الواقع أن العدول الذين يوثقون عقود الزواج لا يشعرون المقبلين عليه بوجود هذا البند، مما يجعله مجهولا لدى الكثيرين، فتضيع حقوقهم.

و أكدت لخماس أن مشكل النفقة يعد من أكبر المشاكل التي تعاني فيها المدونة من معيقات التطبيق، حيث يطلب من الزوجة المطلقة أن تخبر عن مكان وجود الزوج لتنفيذ أحكام النفقة، و أنها حتى عندما تنجح في تحديد مكانه وتوقيت وجوده في ذات المكان، فإنه أحيانا يتلقى اتصالا هاتفيا ويتم إخباره من قبل بعض عناصر الأمن نفسها، حتى يختفي عن الأنظار. 

وزادت لخماس قائلة إن أغلب النساء المطلقات يتنازلن عن النفقة بسبب تعقيد المساطر و ضيق ذات اليد، مضيفة أن الفصل 16 المتعلق بزواج القاصرات أصبح ضروريا ألغاؤه، لأنه يخلف مآسي اجتماعية لا حصر لها. 

قضايا كثيرة تخص إثبات النسب و إعادة المطرودة لبيت الزوجية و اقتسام الممتلكات، كلها أثبتت عجز القوانين في حل النزاعات بخصوصها، تؤكد رئيسة اتحاد العمل النسائي، وهو ما يستوجب إعادة النظر في كل تلك القوانين. 

التمكين الإقتصادي للنساء

من جهتها ، كشفت فاطمة رومات رئيسة المعهد الدولي للبحث و أستاذة القانون الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط عن أرقام صادمة توضح علاقة مدونة الأسرة بالتمكين الإقتصادي للنساء، فبحسب تقرير الأمم المتحدة، فإن المرأة تشتغل ما بين 32 و40 ساعة أسبوعيا في الأعمال المنزلية، دون أن تتقاضى عنها أجرا، علما أن المدونة نصت على المساواة بين الزوجين في رعاية الأسرة، و حسب التقرير السنوي للجلس الإقتصادي و الإجتماعي و البيئي لسنة 2016 يحتل المغرب المرتبة 136 من أصل 144 فيما يخص وضعية النساء، كما ان نسبة البطالة في صفوف النساء بلغت 10، 10 في المائة، و22،1 في المائة في الوسط الحضري، و بلغ معدل نشاط النساء 23،6 في المائة، في حين لا تتجاوز نسبة رئيسات المقاولات المغربية 10 في المائة من مجموع المقاولات. 

وحسب المندوبية السامية للتخطيط فإن نسبة الحاصلات على الشهادات العليا و المعطلات بلغ 74،8 في المائة، وهو ما يعكس وضعية الهشاشة التي تعيشها النساء داخل الأسر و تكرسها قوانين المدونة. 

وخلصت رومات إلى أن التمكين الإقتصادي للنساء يعد عاملا أساسيا في إعاقة الكثير من تطبيق بنود مدونة الأسرة، وساقت مثالا حول اقتسام الممتلكات الذي قالت إنه ينبغي أن يكون إلزاميا، لأن الواقع أظهر فشل الأفراد في حسم مشاكلهم بمفردهم داخل جماعات من بينها الأسرة، مؤكدة أن أخذ بعين الإعتبار المقاربة الإقتصادية أثناء وضع قانون الأسرة أو مراجعتها، يساعد على الإنتقال من العمل غير المؤدى عنه إلى عمل مؤدى عنه يضمن التوزيع العادل لدخل افراد الأسرة. 

ولحل بعض تلك المشاكل اقترحت رومات التأمين على الطلاق، مشيرة إلى كونه يطرح الكثير من الجدل، كما عرفته العديد من الدول التي اعتبرته تأمينا على الخسارة، أو تأمينا عل الحياة، في حين أن كثيرين يطبقنه بنفس نظام التقاعد و المعاشات. 

و ختمت رومات قائلة إنه لا يمكن تحقيق التمكين الإقتصادي للنساء دون تعزيز مكانتهن القانونية داخل مدونة الأسرة، و ضمان حقوق الميراث و الملكية، مذكرة بواجب الدولة تجاه مواطنيها بتحقيق الأمن، الذي ما زال محصورا في عدد من الدول العربية حول المجال العسكري ، في حين أنه يفترض أن يمتد إلى جميع مناحي الحياة. 

مراجعة مدونة الأسرة ضرورة

أجمعت المتدخلات على أن مراجعة مدونة الأسرة هي ضرورة و ليست إختيارا أصبحت تفرضها ما يعرف بالثورة الصناعية الرابعة و التي تتميز بالسباق نحو الذكاء الصناعي، مما يعني أن المغرب باعتباره مجبر كغيره على السير في هذا الإتجاه، أصبح ملزما بالإستثمار في الكفاءات، بدل هدر الوقت في الأعمال المنزلية التي تغرق فيها معظم النساء دون أن يتقاضين أجرا على ذلك. 

 وخلصت المشاركات في الندوة إلى أنه بالرغم من أن المدونة جاءت بالعديد من المكتسبات إلا أن أغلبها ذو طابع معنوي كالمساواة بين الأزواج في رعاية الأسرة و حق المرأة الراشدة في تزويج نفسها، و إعطاء الزوجين إمكانية تحرير عقد مستقل خاص بتدبير الأموال المكتسبة أثناء الفترة الزوجية، إلى غير ذلك، حيث كل هذه المكتسبات تعد ذات صبغة معنوية، لكونها لم توضح آليات تفعيها، بالإضافة إلى وجود أليات أخرة مناقضة تفرغها من مضمونها، مثل انعدام المساواة بين الأم و الأب في الولاية على أبنائهما، حيث تحرم الأم من حضانة الأطفال في حالة تزوجت، في حين يحتفظ الأب بهذا الحق حتى ولو تزوج.