يلتقي رئيس كوريا الجنوبية، مون جاي إن، نظيره الكوري الشمالي، كيم كونغ أون، الجمعة، في خطوة دبلوماسية لم تتخذ بين البلدين منذ أكثر من عشر سنوات.
يأتي الحوار بين الرئيسين بعد أشهر من تحسن العلاقات بين البلدين، كما أنه سيمهد الطريق للمباحثات المقترحة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية.
وستتصدر قضايا نزع السلاح النووي والسلام في شبه الجزيرة الكورية أجندة اللقاء.
وبينما يشكك محللون في موافقة بيونغ يانغ على نزع أسلحتها النووية، لكن القمة المرتقبة تحمل كثيرا من الوعود للبلدين، كما أن لكل منهما مشاكله الأخرى، كالعقوبات والعائلات المنفصلة، التي يُتوقع أن تكون حاضرة هي الأخرى على طاولة المفاوضات.
ما مدى أهمية هذا اللقاء؟
يمثل اللقاء تلاقيا كبيرا بين البلدين. وإضافة إلى كونها المرة الأولى التي يلتقي فيها الزعيمان الكوريان منذ 2007، يعد اللقاء أول قمة من نوعها لزعيم كوريا الشمالية الشاب. وعلى عكس اجتماعه مع الرئيس الصيني، تشي جينبنغ، الذي أحيط بالسرية التامة وأعلن عنه بعد انتهائه، ستبث القمة بين الكوريتين على التلفزيون بثا مباشرا.
وقال جيمس كيم، مدير معهد آسان للدراسات السياسية: "إنه لقاء بالعالم الخارجي... لم يشارك كيم جون أون في مثل هذا الاجتماع من قبل."
ويحذو كيم جون أون حذو والده في علاقاته الخارجية، إذ اجتمع كيم جونغ مرتين مع رئيسي كوريا الجنوبية السابقين، كانت الأولى مع كيم داي جونغ عام 2000 والثانية مع روه مو هيون عام 2007.
وهدف اللقاءان إلى معالجة التهديد النووي وتعزيز العلاقات الاقتصادية المشتركة بين الكوريتين، ولجهوده في عقد اللقاء حصل كيم داي جونغ على جائزة نوبل للسلام.
وتحققت بعض المكاسب من تلك الاجتماعات، من بينها تأسيس مجمع كيسونغ الصناعي ولم شمل أسر شتتها الحرب بين البلدين.
لكن مسألة نزع سلاح بيونغ يانغ كانت صعبة المنال، كما تكررت الاستفزازات باستخدام ورقة الأسلحة النووية، التي بلغت أوجها مع مجيء حكومات محافظة في سيول واتخاذ مواقف أكثر صرامة إزاء بيونغ يانغ، ما أدى إلى إخراج جهود تحقيق السلام عن مسارها. وكانت أي محاولة لرسم العلاقة مع كوريا الشمالية بعيدا عن العزلة أو تبني سياسة أكثر اعتمادا على الجنوب تلقى انتقادات شديدة من الطرفين.
ويقول جيمس كيم إن البعض في كوريا الجنوبية سيقول إن كثيرا من المساعدات المرسلة إلى كوريا الشمالية، بهدف إقناعها بكبح طموحاتها النووية، لم تستخدم كما كان مأمولا منها.
وأضاف: "البعض يقول إن المساعدات زادت الأمر سواءً. يعتقدون بأنها ساهمت في تعزيز الموارد اللازمة للبرنامج النووي لكوريا الشمالية".
ماذا تريد كوريا الجنوبية؟
بعد أكثر من عقد من الزمن أو أكثر على خلفية التصرفات العدائية المتصاعدة والتهديدات بين البلدين، تمكنت سيول من توجيه بيونغ يانغ نحو طاولة المفاوضات.
وتولى الرئيس مون، الذي كان له دور في محادثات كورية ثنائية سابقة عقدت عندما كان مستشارا كبيرا للرئيس روه، مقاليد الحكم ما دفع إلى تحقيق مزيد من التواصل مع الجارة الشمالية.
ويقول جي يونج لي، الأستاذ المساعد في كلية الخدمة الدولية بالجامعة الأمريكية: "لا شك في أنه (الرئيس مون) يريد أن تكون المصالحة جزءا من ميراثه (السياسي)".
إن آمال الرئيس مو من القمة المرتقبة واضحة للغاية. وقال مو، في وقت سابق، إن التوصل إلى اتفاقية سلام بين الكوريتين أمر "يتعين السعي إليه" لوضع حد للصراع المتواصل في شبه الجزيرة الكورية.
وتدرج وزارة الوحدة، التي تشرف على العلاقة مع كوريا الشمالية، نزع السلاح النووي والحد من التوترات العسكرية على رأس أهداف الاجتماع، يليها التوصل إلى استئناف العلاقات الاقتصادية والاجتماعية مع كوريا الشمالية. وقد تُناقش القمة كذلك إعادة فتح مجمع كيسونغ.
وأغلق المجمع الصناعي، الذي شكل نموذجا غير مألوف في التعاون بين الكوريتين، عام 2016 بعدما قالت سيول إن كوريا الشمالية تستولي على رواتب العمال في المجمع وتحوله إلى صناديق خاصة لدعم طموحاتها النووية.
ويقول الرئيس مون إنه سيعيد فتح المجمع الصناعي، الذي كان يوظّف نحو 55 ألف عامل من كوريا الشمالية في مصانع مملوكة لكوريا الجنوبية، إذا أحرز تقدم في قضية نزع السلاح النووي.
كما ستطرح كذلك قضية لم شمل 60 ألف أسرة تقطعت أواصلها بسبب الحرب الكورية على طاولة النقاش. وعقدت اجتماعات لم شمل الأسرة آخر مرة في 2015 قبل أن تسوء العلاقات مرة أخرى لعدة أسباب، على رأسها برنامج بيونغ يانغ النووي. كما يتوقع إدراج مسألة العمال الأجانب الذين اعتقلتهم كوريا الشمالية في قائمة القضايا المطروحة على طاولة الحوار.
ماذا عن كوريا الشمالية؟
لكن أهداف كوريا الشمالية ليست بهذا الوضوح. فكثير من المحللين يقولون إن فرض العقوبات القاسية هي التي دفعت كيم الآن إلى طاولة الحوار.
وشددت العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والأمم المتحدة، بهدف الحد من قدرات كوريا الشمالية الاقتصادية، العام الماضي بعد تصاعد التهديدات العسكرية.
ويقول جيمس كيم إن كوريا الشمالية ترى أن التواصل مع جارتها الجنوبية "الطريق الوحيد للوصول إلى واشنطن لتهدئة الأوضاع والتفاوض معها" بشأن عدة قضايا مثل العقوبات.
وتقول وسائل الإعلام في كوريا الشمالية إن "الثقة بالنفس" لا العقوبات هي التي دفعتها إلى السعي للحوار.
لكن تحركات أخرى أشارت إلى رغبة بيونغ يانغ في تخفيف العقوبات. فقبل أسبوع من القمة التاريخية، قالت كوريا الشمالية إنها ستوقف جميع الاختبارات النووية وإطلاق الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
ولقي هذا التحول ترحيبا كبيرا من مون والرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.
ويقول إيوان غراهام، مدير قسم الأمن الدولي في معهد لوي الأسترالي، إنه بالنسبة لكيم فإن كل الطرق تؤدي إلى الولايات المتحدة، وإن الحوار مع مون "هو الثمن الذي عليه دفعه" للوصول إلى هناك. ويضيف أن تأمين مساحة للتواصل مع ترامب قد يمنح الزعيم المعزول فوزا في الداخل.
ويقول لي إن كيم يريد أن "يُعامل معاملة تساويه مع القادة الأمريكيين".
وأضاف: "نميل إلى الاعتقاد بأن المستبدين يستطيعون القيام بأي شيء، لكنهم يتعرضون لضغوط مستمرة. لكن على (زعيم كوريا الشمالية) أن يقلق بشأن وضعه الداخلي في بلاده".
ماذا الذي يُتوقع تحقيقه؟
وتقول وزارة الوحدة إن أكثر من ثلاثة أرباع الكوريين الجنوبيين "يشعرون" بالإيجابية إزاء القمة.
وتنظر الغالبية إلى المحادثات على أنها نقطة بداية نحو إمكانية توحيد الكوريتين ونزع أسلحة بيونغ يانغ النووية.
ويقول لي إن "المحادثات يمكن أن تكون نقطة انطلاق جيدة."
وستتجه الأنظار إلى كيفية اتصال الزعيمين الكوريين. ويقول كيم إن نجاح القمة سيعتمد على الرئيس مون و"كيمياء" كيم، وما إذا كان الطرفان سينسجمان.
ويضيف: "أعتقد بأنه سيكون اجتماعا جيدا للزعيمين، لكن قضية ما إذا كان سيؤدي إلى نزع السلاح النووي، فلست متأكدا".
التعليقات