مكة المكرمة: حصلت السعودية خلال قمّتَين للبلدان الخليجيّة والعربيّة في مكة المكرّمة ليل الخميس الجمعة على تأييد غالبيّة هذه الدول لاستراتيجيّة المواجهة التي تتّبعها مع إيران، في وقت دعت الرياض المجتمع الدولي إلى استخدام "كافّة الوسائل" لردع طهران خصمها الأكبر في المنطقة.

وندّد البيانان الختاميّان للقمّتَين بـ"سلوك" إيران في المنطقة، وحظِيا بدعم جميع الدول العربيّة والخليجيّة، باستثناء العراق.

وقال العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في خطاب ببداية القمة الخليجية التي شارك بها رئيس الحكومة القطرية إنّ "ما يقوم به النظام الإيراني من (...) تهديد لحرّية الملاحة العالميّة (...) يُعدّ تحدّياً سافراً".&

وأضاف "الأعمال الإجراميّة التي حدثت مؤخّراً (...) تستدعي منّا جميعاً العملَ بشكل جاد للحفاظ على أمن ومكتسبات دول مجلس التعاون".

واعتبر العاهل السعودي أنّ "عدم اتّخاذ موقف رادع وحازم لمواجهة الأنشطة التخريبيّة للنظام الإيراني في المنطقة هو ما قادَه للتمادي في ذلك، والتصعيدِ بالشّكل الذي نراه اليوم".

وانعقدت قمّة عربيّة طارئة بُعيد انتهاء القمّة الخليجيّة مباشرةً، علماً أنّ مكّة تستضيف قمّة ثالثة مساء الجمعة هي القمة الـ14 لمنظّمة التعاون الإسلامي التي تضمّ 57 دولة بينها إيران.

وتتّهم السعوديّة إيران بالتدخّل في شؤون دول المنطقة وبزعزعة استقرار البحرين والعراق وسوريا ولبنان واليمن عبرَ دعم مجموعات مسلّحة في هذه الدول وتسليحها.

وفي القمة العربيّة، طالب الملك السعودي المجتمع الدولي باستخدام "كافّة الوسائل" لردع إيران.

وأوضح "نطالب المجتمع الدولي بتحمّل مسؤوليّاته إزاء ما تشكّله الممارسات الإيرانيّة (...) من تهديدٍ للأمن والسلم الدوليّين، واستخدام كافة الوسائل لردع هذا النظام، والحدّ من نزعته التوسّعية".

وترأّس القمّة الخليجيّة العاهل السعودي، وحضرها نجله ولي العهد الأمير محمّد بن سلمان، ورئيس وزراء قطر الشيخ عبدالله بن ناصر آل ثاني.

وزيارة رئيس الحكومة القطريّة هي الأولى لمسؤول قطري رفيع إلى السعوديّة منذ الأزمة التي اندلعت في الخليج عام 2017، إثر قرار الرياض وثلاثة من حلفائها قطع العلاقات مع الدوحة.

وصافح الملك السعودي رئيس وزراء قطر لدى وصوله إلى مقرّ انعقاد القمّة. والتقط الحاضرون صورة جماعيّة قبيل انطلاق الاجتماع في قصر الصفا المطلّ على الحرم المكي.&

الشراكة مع واشنطن

تشكّل القمم الثلاث مناسبةً للرياض لمحاولة إظهار أنّ الخليج والعالمين العربي والإسلامي كتلة واحدة في مواجهة الجارة الشيعية إيران، بعدما وجدت المملكة في التوتّرات الأخيرة مع طهران فرصة لتشديد الضغوط على خصمها الأكبر في المنطقة.

وقال الملك سلمان في خطابه أمام قادة الخليج "لقد استطعنا في الماضي تجاوزَ العديد من التحدّيات التي استهدفت الأمن والاستقرار (...) وسنعمل معاً بحول الله لمواجهة كافة التحدّيات والتهديدات بعزمٍ وحزم".

وأكد البيان الختامي للقمّة الخليجيّة "قوّة وتماسك ومنعة مجلس التعاون، ووحدة الصفّ بين أعضائه، لمواجهة هذه التهديدات"، مؤكّداً "المبادئ التي تضمّنتها اتفاقية الدفاع المشترك بين دول مجلس التعاون من أنّ أمن دول المجلس وحدة لا تتجزّأ، وأنّ أيّ اعتداء على أيّ من الدول الأعضاء هو اعتداء عليها جميعاً".

كما تمّ الاتّفاق على تعزيز "الشراكة" مع الولايات المتحدة في ما يتعلّق بالتعامل مع إيران.

ومنذ تشديد الإدارة الأميركيّة العقوبات على قطاع النفط الإيراني بداية مايو، تسارعت الأحداث في المنطقة، إذ تعرّضت ناقلات نفط لهجمات نادرة قبالة سواحل الإمارات، وتكثّفت هجمات متمرّدي اليمن المقرّبين من إيران على السعوديّة، بينها هجوم على خط أنابيب للنفط قرب الرياض بطائرات بلا طيّار.

اعتراض عراقي

وكانت السعودية طالبت الأربعاء عبر وزير خارجيّتها ابراهيم العساف العالم الإسلامي بـ"رفض تدخّل" إيران في شؤون الدول الأخرى، وذلك خلال لقاء لوزراء خارجيّة منظمة مجلس التعاون غاب عنه وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف.

وصدرت هذه التصريحات بعدما صرّح مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون خلال زيارة لأبوظبي الأربعاء أنّه من "شبه المؤكّد" أنّ إيران تقف وراء الهجوم الذي استهدف أربع سفن قبالة سواحل الإمارات هذا الشهر.

في هذا السياق، قال براين هوك، المبعوث الأميركي الخاصّ بإيران، إنّ نتيجة تحقيقات دول عدّة في عمليّات التخريب سيتمّ إعلانها قريبًا.

وأضاف هوك الخميس "نحن بالتأكيد نتطلّع إلى تغيير في موقف النظام الإيراني".

وكانت الولايات المتحدة عزّزت حضورها العسكري في المنطقة، عبر إرسال حاملة طائرات وإعلانها زيادة عديد قوّاتها بـ1500 جندي، وسط تهديد إيراني بإغلاق مضيق هرمز الذي تعبر منه يوميّاً 35 بالمئة من إمدادات النفط العالميّة التي تنقل بحراً، في حال وقعت حرب.

وإيران عضو في منظّمة التعاون الإسلامي، لكنّ شكوكاً تحيط بمشاركة رئيسها حسن روحاني في القمّة، في ظلّ انقطاع العلاقات بين طهران والرياض منذ 2016. ومنظّمة المؤتمر الإسلامي هي ثاني أكبر منظمة حكومية دولية بعد الأمم المتحدة.

وتُقيم إيران التي تتشارك حدوداً مع أفغانستان وباكستان والعراق وتركيا، علاقات مهمّة مع أنقرة وإسلام آباد.

كما أنّها تدعم علنًا جماعات سياسيّة نافذة في لبنان والعراق وسوريا، ما يصعّب على هذه الدول تبنّي مواقف متشدّدة من طهران، كما تأمل السعودية.

وقد ندّد بيان في ختام القمّة العربيّة بـ"سلوك" إيران في المنطقة، اعترض عليه العراق الذي دعا عبر رئيسه برهم صالح إلى حوار مع الجمهوريّة الإسلاميّة.