تعد زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى بكين خطوة نوعية في تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الإمارات والصين، خصوصًا أنها أثمرت 16 اتفاقية ومذكرة تعاون في الدفاع والاقتصاد والتجارة والبيئة والتعليم والجمارك والطاقة.

إيلاف من دبي: أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في دولة الإمارات العربية، أن الإمارات والصين تجمعهما تطلعات وطموحات ورؤى مشتركة للاستثمار في بناء الإنسان ولمستقبل يسوده الأمان والسلام والاستقرار في المنطقة والعالم.

وكان الشيخ محمد بن زايد وصل إلى قاعة الشعب الكبرى في العاصمة الصينية بكين، حيث جرت له مراسم استقبال رسمية، لمناسبة زيارة الدولة التي يقوم بها، وكان في مقدم مستقبليه الرئيس الصيني شي جين بينغ وكبار القادة الصينيين.

وفي تغريدة على "تويتر"، قال الشيخ محمد بن زايد: "سعدت بلقاء صديقي العزيز شي جين بينغ رئيس الصين. تجمعنا تطلعات وطموحات ورؤى مشتركة للاستثمار في بناء الإنسان ولمستقبل يسوده الأمان والسلام والاستقرار في المنطقة والعالم... الإمارات والصين ماضيتان بخطى طموحة بمسيرة تعاونهما نحو المستقبل الواعد".

علاقات استراتيجية

عقد ولي عهد أبوظبي والرئيس الصيني الإثنين جلسة مباحثات رسمية، تناولت تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين الصديقين، وعددًا من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. وأكد الشيخ محمد بن زايد أن تطوير العلاقات مع الصين توجه إماراتي استراتيجي تعمل الإمارات على تعزيزه خلال السنوات المقبلة.

في بداية جلسة المباحثات في قاعة الشعب الكبرى في بكين، رحب الرئيس الصيني بزيارة ولي عهد أبوظبي&والوفد المرافق، مؤكدًا أن الزيارة تعطي دفعًا قويًا للعلاقات الثنائية، بما يلبي تطلعات البلدين وشعبيهما، إلى فتح آفاق أوسع للتعاون في مختلف المجالات.

واستعرض الجانبان خلال اللقاء علاقات الصداقة ومسارات التعاون الاستراتيجي الشامل بين الإمارات والصين، وأهم المقومات والفرص الواعدة لتطويره، خصوصًا في المجالات الاستثمارية والاقتصادية والعلمية والثقافية والطاقة المتجددة، بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين وشعبيهما الصديقين، إضافة إلى العديد من القضايا والمستجدات التي تشهدها المنطقة، وتبادلا وجهات النظر بشأنها.

ترقية الشراكة

قال الشيخ محمد بن زايد& إن ترقية الشراكة الاستراتيجية القائمة بين البلدين منذ عام 2012 إلى شراكة استراتيجية شاملة، لمناسبة الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الصيني لدولة الإمارات خلال عام 2018، كانت بمنزلة تتويج لمسار طويل وناجح من التعاون الإماراتي – الصيني الذي أثمر شراكات رائدة في المجالات المختلفة، منوهًا بالنمو الكبير الذي شهده معدل التبادل التجاري بين البلدين خلال السنوات الماضية، ما جعل الصين الشريك التجاري الأول للإمارات، وبما يميز العلاقات الإماراتية - الصينية من تنوُّع كبير، يشمل التكنولوجيا والفضاء والصناعة والاستثمار والطاقة والتعليم والثقافة وغيرها.

وأكد&أن الإمارات تفتح أبوابها للاستثمارات الصينية، "وحريصة على تذليل أي عقبة أمام هذه الاستثمارات، كما تشجع رجال الأعمال الإماراتيين على الاستثمار في الصين، واكتشاف فرص التعاون، وبناء الشراكات الفاعلة التي تصب في مصلحة التنمية في البلدين".

طرف فاعل ومحطة أساسية&

وأشاد بمبادرة "حزام واحد - طريق واحد" التي أطلقتها الصين منذ سنوات، واصفًا إياها بالمبادرة التنموية والحضارية الرائدة، مؤكدًا أن موقع الإمارات الاستراتيجي وبنيتها التحتية العصرية وقدراتها اللوجستية المتطوِّرة وعلاقاتها التجارية المتنوعة والواسعة مع مختلف دول العالم، بما فيها الصين، ودورها المسؤول في سوق الطاقة العالمي، يجعلها طرفًا فاعلًا في مبادرة «حزام واحد - طريق واحد» ومحطة أساسية من محطاتها.

&

الشيخ محمد بن زايد والرئيس الصيني في خلال المباحثات الثنائية

&

كما أكد أن الإمارات حريصة على حرية حركة الملاحة الدولية وسلامتها في منطقتي الخليج العربي والشرق الأوسط، والتعاون مع الصين وغيرها من الدول الصديقة لتحقيق هذا الهدف، وضمان التدفق الآمن لإمدادات النفط إلى العالم، لما يمثله ذلك من أهمية كبرى بالنسبة إلى استقرار الاقتصاد العالمي، وعدم تعرضه لأي مخاطر أو تهديدات، منوهًا بأن الصين بما تملكه من قدرات وإمكانات كبيرة "لها دورها المحوري في العالم، وحضورها المؤثر في القضايا المطروحة على الساحتين الإقليمية والدولية، وترتبط بمنطقتي الخليج العربي والشرق الأوسط بشكل عام بعلاقات قوية ومتنوعة، ولذلك، فإن دولة الإمارات تتطلَّع دائمًا إلى دور صيني فاعل في إقرار السلام في منطقة الشرق الأوسط، والتصدِّي لمصادر الخطر والتهديد، مشيرًا إلى التوافق والتعاون بين البلدين في العمل ضد التطرف والإرهاب والقوى الداعمة له، كونه أكبر تهديد لأمن العالم واستقراره وتنميته"، ومعبرًا عن تفاؤله بمستقبل العلاقات الإماراتية - الصينية، وارتياحه إلى ما تشهده من تطور وازدهار مستمرِّين.

وثيقة منهجية

من جانبه، قال الرئيس الصيني إن زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى بلاده تجسد اهتمامه بتعزيز العلاقات الثنائية وتطويرها، معربًا عن تقديره للدعم الذي يبديه لعلاقات البلدين الصديقين، ومنوهًا بالزيارة التاريخية التي قام بها إلى الإمارات خلال عام 2018، والتي أسهمت في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، مقدرًا حفاوة الاستقبال التي حظي بها خلال الزيارة.

أضاف: "إن البلدين يعملان بشكل متواصل على تطوير العلاقات الثنائية القائمة على أسس الثقة والمصالح المتبادلة"، معربًا عن ارتياحه لمستوى تطور ونمو العلاقات بين البلدين، ومشيرًا إلى البيان المشترك الذي سيصدره الجانبان في ختام زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بشأن تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الإمارات والصين، والذي يعد وثيقة منهجية مهمة للبلدين.

وأقام الرئيس الصيني مأدبة غداء كبرى تكريمًا للشيخ محمد بن زايد آل نهيان والوفد المرافق.

16 اتفاقية ومذكرة تفاهم

شهد الشيخ محمد بن زايد والرئيس الصيني الإثنين مراسم تبادل اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين البلدين شملت المجالات الدفاعية والاقتصادية والتجارية والبيئية، إضافة إلى التعليمية والجمارك والطاقة، والتي تهدف إلى تطوير الشراكة الاستراتيجية الشاملة والتعاون الثنائي بين البلدين وفتح آفاق جديدة للعمل المشترك في مختلف القطاعات.

&

الشيخ محمد بن زايد والرئيس الصيني عقب توقيع الاتفاقيات ومذكرات التفاهم

&

شملت الاتفاقيات والمذكرات التي وقعها البلدان:

- اتفاقية في مجال التعاون الدفاعي والعسكري بين البلدين
- مذكرة تفاهم في مجال حماية البيئة والمحافظة عليها بين وزارة التغير المناخي والبيئة في دولة الإمارات ووزارة الإيكولوجيا والبيئة في الصين
- مذكرة تفاهم بشأن التعاون العلمي والتكنولوجي للذكاء الاصطناعي بين مكتب الذكاء الاصطناعي في مكتب رئيس الوزراء في دولة الإمارات ووزارة العلوم والتكنولوجيا الصينية
- مذكرة تفاهم بين مكتب الأمن الغذائي في مكتب رئيس الوزراء في الدولة ووزارة الزراعة والشؤون الريفية الصينية في حكومة منغوليا الداخلية بشأن مشروعين للأمن الغذائي وحديقة متكاملة للزراعة والثروة الحيواني
- مذكرة تفاهم بين الدولتين لتشجيع المؤسسات الإماراتية والصينية على التعاون التجاري والاقتصادي مع أفريقيا
- مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية بين وزارة الطاقة والصناعة في الإمارات والإدارة الوطنية للطاقة في الصين&
- مذكرة تفاهم بين وزارة التربية والتعليم في الإمارات ومعهد كونفوشيوس-هانبان بشأن إدخال اللغة الصينية ضمن مناهج التعليم في المدارس الإماراتية
- مذكرة تفاهم للتعاون بين دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي والمتحف الوطني الصيني&
- مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الطاقة بين شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) وشركة النفط البحرية الصينية الوطنية (كنوك)
- اتفاق بين الهيئة الاتحادية للجمارك في الإمارات والإدارة العامة للجمارك في الصين بشأن الاعتراف المتبادل ببرنامج المشغل الاقتصادي المعتمد في جمارك الإمارات وإدارة ائتمان المؤسسات في جمارك الصين
- مذكرة تفاهم بين سوق أبوظبي العالمية واللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح الصينية
- اتفاقية تعاون بين سوق أبوظبي العالمية ومجموعة «إيفيربرايت» لتأسيس المجموعة الصينية مركزها المالي والاستثماري في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في سوق أبوظبي العالمية
- اتفاقية بين سوق أبوظبي العالمية والمؤسسة الصينية الوطنية للطاقة النووية «سي إن إن سي» لإنشاء المؤسسة، التي تعد أكبر المؤسسات المملوكة للحكومة الصينية، مركزًا للخزانة ومركزًا ماليًا وتشغيليًا واستثماريًا في سوق أبوظبي
- مذكرة تفاهم بين موانئ أبوظبي وشركة جيانغسو للتعاون عبر البحار والاستثمار المحدودة والبنك الصناعي والتجاري الصيني المحدود
- مذكرة تفاهم بين مؤسسة الإمارات للطاقة النووية والمؤسسة الصينية الوطنية للطاقة النووية "سي إن إن سي"
- اتفاقية بشأن التعاون البحثي المشترك بين جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا وجامعة تشينخوا الصينية

إعمار والمطار: 11 مليار دولار

كذلك، أبرمت «إعمار العقارية» اتفاقية مع مطار بكين داشينغ الدولي لتنفيذ مشروع بقيمة 11 مليار دولار شاملة قيمة الأرض التي تبلغ مساحتها 5 كيلومترات مربعة من المطار البالغ مساحته 50 كيلومترًا مربعًا.&

&

مجسم لمطار داشينغ في بكين الذي تطور إعمار مشروعاً فيه

&

وقال محمد العبار، رئيس مجلس إدارة الشركة لوكالة أنباء الإمارات من بكين، إن تنفيذ المشروع يستغرق عشر سنوات ويتضمن مشاريع سكنية ومرافق ترفيهية، مؤكدًا أن تنفيذ شركة إماراتية للمشروع يدل على الثقة التي تحظى بها الشركة وهو أمر يدعو للافتخار.

أوضح أن فوز "إعمار" بتنفيذ المشروع يعد أيضًا إشارة واضحة على العلاقة المتميزة بين الإمارات والصين، معربًا عن أمله في أن تشكل هذه الاتفاقية بداية لفتح فرص جديدة في السوق الصيني الذي يعد الأضخم على مستوى العالم.

وأفادت تقارير بأن هذا المشروع سيسهم في تحقيق الصين طموحها المتمثل في إزاحة الولايات المتحدة من صدارة سوق الطيران العالمية. وأشارت التقارير إلى توقعات حديثة صادرة عن الاتحاد الدولي للنقل الجوي (أياتا) والتي أفادت بأن الصين ستعتلي صدارة أسواق الطيران العالمية بحلول منتصف حقبة العشرينيات من القرن الحالي.&

الأسبوع الإماراتي - الصيني

في إطار زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى الصين، نظمت وزارة الثقافة وتنمية المعرفة الإماراتية فاعليات الأسبوع الإماراتي الصيني في بكين، وتستمر حتى 24 يوليو الحالي، من خلال مجموعة من العروض الثقافية والفنية والتراثية لتعريف الجمهور الصيني على الموروث الثقافي الإماراتي الكبير وما يزخر به من قيم أصيلة.

تشارك في الفعاليات الثقافية عدد من الفرق الشعبية، كما تقيم وزارة الثقافة وتنمية المعرفة قرية تراثية تتضمن عددًا من الحرف اليدوية مثل البراقع والتلى وخياطة الدمى والدخون وخياطة الملابس والحناء بالإضافة إلى مشاركة بيت القهوة.

أكدت نورة بنت محمد الكعبي، وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة، أهمية التفاعل الثقافي في مد جسور التواصل مع الأصدقاء في جمهورية الصين الشعبية، وتعزيز الحضور الثقافي الإماراتي على الساحة العالمية بما يبرز تاريخ الإمارات وتراثها الحضاري ومساهمتها في إثراء الحضارة الإنسانية.

وقالت إن الأسبوع الإماراتي - الصيني يلعب دورًا رئيسًا في تعزيز التواصل بين المثقفين والمفكرين في البلدين الصديقين، ويوسع آفاق التعاون بين المجتمع الإبداعي والثقافي الإماراتي الصيني ويؤسس لمساحات مشتركة ترسخ التكامل في المشهد الثقافي.

أضافت أن زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى الصين "تفتح آفاقًا جديدة في تاريخ العلاقات بين البلدين وتدشن لمرحلة من شأنها أن تسهم في استكشاف فرص جديدة للتعاون وتوطيد علاقات الصداقة التي تستند إلى إرادة سياسية قوية من قيادتي البلدين الصديقين والتي تتميز بالتنوع والعمق والتناغم في مختلف القضايا".

تابعت: "تخطو الإمارات والصين خطوات واسعة وبوتيرة متسارعة نحو تعميق العلاقة الثنائية وتطويرها إلى شراكة استراتيجية في المجالات كافة، فالشراكة بين البلدين تحمل أبعادًا ثقافية وحضارية، وكلا البلدين يتمتع بتاريخ عريق وموروث حضاري مشرق، إذ تشكل زيادة التبادل الثقافي أحد المستهدفات الأساسية في استراتيجيتنا الحكومية".
&