حينما جلس دانييل بارينبويم إلى البيانو ليعزف للموسيقار النمساوي الشهير فرانز شوبرت في حفل الوداع الأخير للرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك بحضور زعماء ومشاهير العالم، استدعت ملامح وجه المايسترو فضول العرب، وكانت المفاجأة أنه أول شخص يحمل الهويتين الإسرائيلية والفلسطينية معاً منذ فترات بعيدة، ويشتهر المايسترو بأنه رجل توافقي، يدافع بقوة عن الحقوق الفلسطينية، ولكنه إسرائيلي حتى النخاع في الوقت ذاته، كما أنه يجيد 6 لغات، وعاش وتعايش مع مختلف القوميات والجنسيات، سواء في أوروبا أو الشرق الأوسط، ومن قبلهما في أميركا اللاتينية.

فلسطيني أيضاً !

بارينبويم لديه جواز سفر خاص من السلطة الفلسطينية، ويحمل في نفس الوقت الجنسية الإسرائيلية والإسبانية، وهو من أصول أرجنتينية، فقد ولد في بوينس آيرس في 15 نوفمبر 1942 أي أنه يبلغ 76 عاماً، الأبوان يهوديان، الأب هو إنريك، والأم عايدة وكلاهما أرجنتيني يهودي، وقاما بتعليم الإبن دانييل الموسيقى والعزف على البيانو قبل أن يتجاوز الخامسة، وتعلم أصول الموسيقى على يد الأب وهو المعلم الأول والأخير له، وهاجر دانييل بارينبويم إلى أسرائيل رفقة عائلته في عام 1952، ثم انطلق إلى النمسا للإستمرار في عالمه الموسيقي.

محطم الحواجز

يعمل بارينبويم حالياً في أوبرا برلين، وسبق له قيادة أوركسترا شيكاغو السيمفوني، وأركسترا باريس، وكذلك ميلانو، واكتسب شهرته من العمل مع شباب من أصول عربية، وكذلك شباب من إسرائيل خلال فترة وجوده في إشبيلية، ويملك بارينبويم، تاريخاً موسيقياً حافلاً يمتد إلى ما يقرب من 70 عاماً، وما يميزه نجاحه في العبور بالموسيقى جميع الحواجز اللغوية والعرقية وكذلك الدينية والثقافية.

عدو الإحتلال الإسرائيلي

المثير للدهشة في شخصية وتكوين بارينبويم أنه يهاجم الممارسات الإسرائيلية التي يرى أنها تحمل تجاوزاً في حق الفسلطينيين، فهو من أكثر الأصوات التي تنتقد إسرائيل في احتلالها للأراضي العربية، وسبق أن أطلق تصريحات قوية في عام 2003 أشار خلالها إلى أن إسرائيل تتصرف بصورة بغيضة من الناحية الأخلاقية، وفي نفس الوقت خاطئة إستراتيجياً، مما يجعل وجود دولة إسرائيل معرضاً للخطر على حد قوله، وطلب علانية من خلال مقال نشرته صحيفة الجارديان في نوفمبر 2014 بضرورة الوصول لحل حاسم، يقضي بوجود دولة إسرائيلية، وكذلك دولة فلسطينية، على أن يعيش كل طرف في سلام لكي لا تستمر دائرة الحروب والكراهية في المنطقة. &

ومخلص لإسرائيل !

وعلى الرغم من أنه رجل حقوقي إلى جانب هويته الأساسية المتعلقة بالموسيقى، إلا أن بارينبويم إسرائيلي حتى النخاع، فقد ذهب إلى جبهة الحرب في عام 1967 وعزف لجنود&
إسرائيل، كما عاد وكررها في حرب أكتوبر 1973، بل إنه قرر أن يعزف وهو يرتدي كمامات الغاز في إسرائيل خلال حرب الخليج، فهو في نهاية المطاف مواطن إسرائيلي، وإن كان ذلك لم يمنعه من مناصرة بعض القضايا الفلسطينية التي يرى أنها عادلة.

6 لغات .. ثقافة بلا حدود

بارينبويم لم تتشكل ثقافته الموسوعية من فراغ، فهو يملك جذوراً لاتينية، وعاش في أوروبا بمختلف مدارسها الثقافية، سواء في ألمانيا أو النمسا وكذلك إيطاليا واسبانيا وغيرها، كما أنه كثير التواصل مع العرب، وفي الوقت ذاته فهو يحمل هوية دينية يهودية، ويجيد 6 لغات إجادة تامة، وهي الإسبانية، والعبرية، والإنجليزية، والفرنسية، والإيطالي، والألمانية، ومن المعروف أن اللغة تفتح أفق بلا حدود لثقافة لا سقف لها.