تشهد الحالة السياسية في مصر هجومًا برلمانيًا كاسحًا ضد حكومة مصطفى مدبولي، لاسيما بعد خروج تظاهرات محدودة في يومي 20 و21 سبتمبر الماضي، احتجاجًا على الغلاء والفساد.

إيلاف من القاهرة: فتح الهجوم البرلماني غير المسبوق، الباب على مصراعيه، أمام الحديث عن تغيير وزاري مرتقب، لامتصاص الغضب الشعبي، لاسيما في قطاع الخدمات، ومنها التعليم والصحة والتموين، الهدف منه "تقليل فرق السرعات"، بين جهود رئيس الجمهورية الذي يعمل بسرعة فائقة، ورئيس الحكومة الذي يعمل بسرعة جيدة، وبعض الوزراء الذين يعملون ببطء شديد، حسب تصريحات المتحدث باسم مجلس النواب.

تتعرض حكومة الدكتور مصطفى مدبولي لهجوم شديد من قبل البرلمان، بسبب الفشل في امتصاص غضب الفقراء، على خلفية ارتفاع الأسعار. واستهل رئيس البرلمان علي عبد العال دور الانعقاد الخامس بالهجوم على الحكومة، متحدثًا عن "إجراء إصلاحات سياسية وحزبية وإعلامية"، خلال الفترة المقبلة، حتى يمكن للمواطنين المصريين "جني ثمار الإصلاح الاقتصادي الذي استلزم إجراءات قاسية"، على حد تعبيره.

قال عبد العال، في بداية شهر أكتوبر الجاري، مهاجمًا الوزراء، إن "المجلس لن يسمح بحضور أقل من خمسة وزراء في كل جلسة عامة"، وأعلن أنه يرفض أن "يقتصر الأمر على حضور نواب أو مساعدي أي وزير، باستثناء بعض الوزراء، الداخلية، والخارجية، والدفاع، ممن يتطلب عملهم التحرك الميداني داخلياً وخارجياً"، حسب قوله.

ووجّّه رئيس البرلمان، حديثه إلى وزير شؤون مجلس النواب عمر مروان، قائلًا: "الحكومة تتعبنا، وتسبب لنا إرهاقاً... ولا نعرف لماذا؟".

وشن رئيس كتلة الغالبية، ورئيس ائتلاف دعم مصر، النائب عبد الهادي القصبي، هجومًا على رئيس الحكومة خلال حضوره الجلسة العامة أمس، وقال: "هناك تشريعات حكومية تصل إلى المجلس متأخرة، وغياب الوزراء في موضوعات مهمة، وتأشيرات الوزراء للنواب غير واضحة".

أضاف "القصبي" في كلمته خلال الجلسة العامة، أثناء إلقاء مدبولي بيان الحكومة، أن "البرلمان لا ينكر الإنجاز الذي حدث في ملفات الطاقة والكهرباء"، مشيرًا إلى أن: "انتقلنا من حالة ظلام إلى نور، وحققنا في ملف الكهرباء اكتفاء ذاتيًا، وارتفعت المعدلات الاقتصادية، كل هذه الملفات حققنا فيها إنجازات كبيرة، ونتمنى مواصلة التطوير في هذا السياق".

وأضاف زعيم الغالبية أن "الأمانة الوطنية تحتم علينا أن نعيد النظر في كل الملفات التي تمس صاحب السيادة المواطن المصري، الذي تحمّل بالفعل عبئًا مضنيًا، وكان ثابتًا في مواجهة كل الفتن والتحديات".

قال النائب صلاح حسب الله، المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، في تصريحات له، إن "هناك ضرورة لإجراء تعديل وزاري سريع"، وأرجع ذلك إلى أن "الدولة تتحرك بسرعات مختلفة، رئيس الجمهورية يعمل بسرعة فائقة، ورئيس الوزراء بسرعة جيدة، وبعض الوزراء يعملون، والبعض الآخر لم يحضر بعد، ويجب إجراء التعديل الوزاري لتقليل فرق السرعات بين وزراء الحكومة".

من جانبه، جزم وكيل البرلمان، سليمان وهدان، باقتراب إجراء تعديل وزاري على حكومة الدكتور مصطفى مدبولي، وقال: "أكيد بلا شك هناك تعديل وزاري قادم".

وأضاف وهدان في تصريحات له، مساء أمس الثلاثاء، أن" الصحة والتعليم من أهم القطاعات التي يجب النظر إليها بعين الاهتمام من جانب الحكومة، مشيرًا إلى أن البرلمان طالب رئيس الوزراء بذلك.

ولفت إلى أن "المواطن البسيط يرغب في الشعور بالنمو الحقيقي والخدمة الملموسة، وذلك يتم من خلال مبادرات ووضع معايير معينة، وعلينا حل المشاكل من البداية"، مشيرًا إلى أن "الصحة والتعليم أهم القطاعات التي يجب إعادة النظر إليها بعين الاهتمام من جانب الحكومة، ولدينا عجز كبير في التعليم، وهناك مشاكل كبيرة في قطاع الصحة".

أضاف: "لدينا مشكلة في وزارة التضامن الاجتماعي، ولدينا مشاكل في التموين والشعب المصري ينتظر التموين، ولا بد من مراجعة معايير وزارة التموين في تنقية المواطنين من البطاقات"، متابعًا: "الفلاح المصري أهُمل بشكل كبير في وزارة مصطفى مدبولي، وذلك على الرغم من أن الفلاح المصري هو عصب الزراعة المصرية".

وكان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قد عرض إنجازات الحكومة أمس أمام البرلمان، وقال إن "مصر شهدت في منتصف عام 2014 ظروفًا صعبة في كل شيء، بداية من بنية أساسية متهالكة، مع توقف للمشروعات والمصانع بسبب الوضع الاقتصادي، إضافة إلى عودة عدد كبير من المصريين العاملين في الخارج بسبب الأوضاع التي شهدتها خلال هذه الفترة، وتوقف قطاع السياحة بصورة شبه كاملة، ولا يمكن لمصر أن تنسى وقفة الأشقاء بجانبها بصورة كبيرة".

أضاف إن "الحكومة اتخذت قرار تاريخيًا بالبدء في برنامج الإصلاح الاقتصادي اعتبارًا من نوفمبر 2016، وكان العالم يصف مصر باقتصاد شديد الحرج، وأن هناك مخاطر شديدة، وأن الوضع من الاحتياطي النقدي أقل من 15 مليار دولار، أي يكفي احتياجات مصر لمدة أقل من شهرين للاحتياجات الأساسية مثل الخبر والبنزين، في وقت أصبح الدولار سلعة يتاجر بها في السوق السوداء ووصل سعره في السوق الموازية بضعف سعره الرسمي، ووصلت معدلات الضخم إلى أرقام كبيرة".

وأشار رئيس الوزراء إلى أن النتائج التي تحققت بعد مرور السنوات الثلاث من بداية برنامج الإصلاح الاقتصادي، تتمثل في أن "معدل النمو وصل إلى 5.6 %، وهو أعلى معدل منذ عام 2010، وتراجعت معدلات البطالة عام 2014 من 13% إلى 7.5 هذا العام وفقًا لأرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في دولة تحتاج مليون فرصة عمل سنويًا، وبالمقارنة مع دول أوضاعها الاقتصادية أفضل من مصر تصل هذه النسبة ما بين 18% و20%".

قال رئيس مجلس الوزراء إنه بعد 15 شهرًا من عمر الحكومة الحالية، بات واضحًا أن مؤشرات سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية أظهرت تحسنًا في سعر الصرف، حيث انخفض سعر الصرف منذ بدء إجراءات التعويم بنسبة 10%، وكذلك انخفض معدل التضخم إلى 7.6 % بعدما وصل المعدل إلى نسبة 33%، كما إن الاحتياطي النقدي ارتفع بشكل غير مسبوق، وأصبح يكفينا لتأمين السلع الأساسية لمدة عام.

أضاف أن قطاع السياحة يتعافى، حيث حقق أعلى إيرادات هذا العام، مشيرا إلى أن عجز الموازنة انخفض إلى نسبة 8،2 %، كما حققت الحكومة المستهدف الوارد بالموازنة العامة للدولة، كما حققت فائضا أوليا بنسبة 2 % بعد تجنيب فوائد الديون والقروض، بما قيمته 4 مليارات جنيه، وهي الفارق ما بين الإيرادات والمصروفات.

وقال إن الحكومة تعي أن هناك ضغطا وقع على المواطن خلال تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، وهو ما دفع الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى شكر المواطن الذي تحمل تبعات البرنامج، والذي بدونه لم يكن ينجح الإصلاح الاقتصادي.

ونبه إلى أن تنفيذ إجراءات برنامج الإصلاح الاقتصادي كانت تأكل من «شعبية الحكومة» في هذا الظرف التاريخي، حيث تم اتخاذ قرارات صعبة، وبدونها كانت المؤسسات الخاصة تتوقع أن يصل سعر صرف الدولار إلى 35 جنيها.

وقال رئيس الحكومة إن البرنامج سيحدد شكل مصر خلال السنوات العشر المقبلة، وإن رئيس الجمهورية وجه بتنفيذ إجراءات «الحماية الاجتماعية»، والتي شملت رفع الحد الأدنى للأجور والمعاشات بزيادة الحد الأدنى للمرتبات والمعاشات في الحكومة وقطاع الأعمال العام، مع بدء ظهور ثمار برنامج الإصلاح.

ولفت مدبولي إلى أن الدولة لم تخفض مخصصات التموين، وإنما رفعتها من 35 مليار جنيه في العام الماضي «2018» إلى 89 مليار جنيه العام الجاري، لافتا إلى أن الحكومة استهدفت من خلال «ميكنة» بطاقات التموين، تنقية الكشوف حتى يذهب الدعم لمستحقيه.

كشف أنه في يناير الماضي كان هناك81 مليون اسم موجودين على كشوف دعم الخبر، و61 مليونا في ما يخص دعم التموين، لافتا إلى أنه مع إجراء عملية التنقية أصبح دعم الخبز يذهب لـ70 مليون مواطن، ودعم التموين يستفيد منه 63 مليون مواطن، مشيرا إلى أنه اعتبارا من شهر فبراير الماضي تمت إعادة 1.8 مليون مواطن لبطاقات التموين، مشيرا إلى أن الحكومة لا تقوم بعمليات حذف خلال المرحلة الحالية، وتراجع التظلمات المقدمة من المواطنين، كما تسعى إلى إدخال مجموعات جديدة من المستحقين، سواء أسر جديدة أو مواليد جدد.

وأوضح أنه تم رفع دعم الضمان الاجتماعي من 5 .17 إلى 5 .18 مليار جنيه، وأن الدولة استهدفت إدخال 100 ألف أسرة جديدة في منظومة الضمان الاجتماعي، مع عودة من يثبت تظلمه لصرف المعاش، لافتا إلى أن أحد أهم مشاكل التموين كان عدم وجود منافذ، مشيرا إلى أنه يوجد حاليا آلاف المنافذ من خلال مبادرة «أمان» بعيدا عن الوسطاء.