الرباط: للسنة الثانية على التوالي تدرج الحكومة مادة في مشروع قانون المالية( الموازنة) تقيد تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد مصالحها.

وكانت هذه المادة أثارت جدلا سياسيا وقانونيا وحقوقيا كبيرا في السنة الماضية، وتم سحبها خلال مناقشة مشروع الموازنة في البرلمان، لتعود الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية ( مرجعية إسلامية) ،ويصر على إدراجها مرة أخرى هذه السنة.

ومن أبرز ردود الفعل على هذه المادة رسالة موقعة من طرف سبعة من الرؤساء السابقون لجمعية هيئات المحامين بالمغرب والنقباء، التي وصفوا فيها هذه المادة بالفضيحة الكبرى والضربة القاضية لاستقلالية وسيادة القضاء.

وجاء في رسالة النقباء "اننا اليوم نشهد فضيحة سياسية وقانونية ومسطرية ليست بعدها فضيحة، إننا نقف على عتبة الضربة القاضية ضد سيادة واستقلال القضاء وعلى بداية الانهيار القضائي بسبب توجه الحكومة الجديدة المنافي لمصالح المتقاضين". وطالبت البرلمانيين بعدم قبولها.

وجاء نص المادة 9 من مشروع قانون المالية 2020 الذي صادقت عليه الحكومة المغربية وطرحته أمام البرلمان: "يتعين على الدائنين الحاملين لسندات أو أحكام قضائية تنفيذية نهائية ضد الدولة ألا يطالبوا بالاداء إلا أمام مصالح الامر بالصرف للإدارة العمومية. في حالة صدور قرار قضائي نهائي اكتسب قوة الشيء المقضي به، يدين الدولة بأداء مبلغ معين، يتعين الأمر بصرفه داخل أجل أقصاه ستون يوما ابتداءمن تاريخ تبليغ القرار القضائي السالف ذكره في حدود الاعتمادات المالية المفتوجة بالميزانية. يتعين على الآمرين بالصرف إدراج الاعتمادات اللازمة لتنفيذ الأحكام القضائية في حدود الإمكانات المتاحة بميزانياتهم، وإذا أدرجت النفقة في اعتمادات تبين أنها غير كافية، يتم عندئذ تنفيذ الحكم القضائي عبر الأمر بصرف المبلغ المعين في حدود الاعتمادات المتوفرة بالميزانية، على أن يقوم الآمر بالصرف باتخاذ كل التدابير الضرورية لتوفير الاعتمادات اللازمة لأداء المبلغ المتبقي في موازنات السنوات اللاحقة. غير أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخضع أموال وممتلكات الدولة للحجز لهذه الغاية".

وأشارت رسالة نقباء المحامين إلى أن "قانون المسطرة المدنية" الذي وضع بظهير (قانون صادر مباشرة عن الملك) هو الوحيد الذي يحدد "طرق تنفيذ الأحكام واعطى للقضاء دون غيره الأمر استثناء بوقف تنفيذها او تأجيلها لأسباب يراها ضرورية ووجيهة"، مشيرين إلى أنه لا يمكن تعديله بقانون آخر.

وأضاف النقباء "إننا نرفض التلاعب بأحكام القضاء ضد الدولة بمشروع قانون المالية الجديد"، داعين المحامين وهيئاتهم "للقيام بواجبهم والوقوف من اجل الدفاع عن القرارات والأحكام القضائية الصادرة بالأساس ضد الدولة والدود عن مصداقيتها وعن قيمتها و فرض تنفيذها ومنع التلاعب بها أو التحايل على تنفيذها ضدا على الوقار والاحترام الواجب لها وضدا على القيمة الدستورية للأحكام النهائية الواجبة التنفيذ".

ونعثوا ما جاء في المادة 9 من مشروع قانون المالية "باخطر المقتضيات التي ستغتصب مصداقية القضاء ومصداقية احكامه ضد الدولة ، وستقوض احد المقومات الأساسية لدولة القانون"، مشيرين إلى أن هذه المادة "منحت للدولة وللإدارة المحكوم عليها و للمحاسبين التابعين لها سلطة فوق سلطة القضاء، و قوة فوق قوة قراراته، وأعطت الادارة حق التصرف في تنفيذ الأحكام حسب نزواتها وميولاتها وصلاحياتها التحكمية سواء لتنفيذ الحكم او تأجيل التنفيذ لسنوات دون تحديد ولا آجال".

وتضيف الرسالة "بل منعت المادة أعلاه صراحة وقطعا الحجز عن أموال الإدارة وميزتها عن بقية المتقاضين، وبذلك تكون المادة التاسعة وتكون الحكومة معها قد ابانت عن موقفها التحكمي في النهاية ضد المرفق القضائي اولا، وقررت فتح النار ضد قرارات المحاكم الإدارية الشجاعة التي أطلقت اجتهاداتها بجرأة قضائية مثالية، وأصبحت تصدر أحكامًا بالحجز على أموال الإدارة بين يدي المحاسبين، ولتقول للإدارة ولأعوانها انتم و المتقاضين سواء أمام القانون، وان القضاء الإداري يمنع التعامل بالتمييز مع أطراف الدعوى. فضلا عن ان القضاء الإداري لم يوجد اصلا كما تعلم الدولة و الحكومة ، سوى للتصدي للقرارات الجائرة و للشطط وللتعسف الإداري".