بيروت: عاد المتظاهرون مجدداً إلى الشوارع الثلاثاء في بيروت وعدد من المناطق اللبنانية احتجاجاً على تعثّر تشكيل حكومة وازدياد حدّة الأزمة الاقتصادية والمالية، وتخلّلت التظاهرات أمام المصرف المركزي مواجهات مع قوات الأمن أوقعت جرحى، في حلقة جديدة من مسلسل احتجاجي انطلق قبل ثلاثة أشهر بتظاهرات غير مسبوقة ضد الطبقة السياسية.

وفي المساء، أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع ولاحقت المئات من المتظاهرين الذين تجمعوا خارج البنك المركزي في الحمرا، ما أجبرهم على التراجع بعد أن حاول البعض دخول الساحة خارج المبنى، بحسب مراسلة وكالة فرانس برس.

وقال المصدر نفسه إنّ المتظاهرين كسروا حجارة الارصفة لإلقائها على الشرطة، وقام بعض المتظاهرين بتوزيع البصل لحماية أنفسهم من الغازات. كما حطّموا الواجهات الزجاجية للعديد من البنوك، والتي تبلور الكثير من الغضب العام، خاصة بسبب القيود المفروضة على عمليات السحب، وسط الأزمة الاقتصادية.

ونظم متظاهرون بعد الظهر في بيروت مسيرة باتجاه منزل رئيس الحكومة المكلف حسان دياب، الذي لم يتمكن، بعد نحو شهر على تكليفه، من تشكيل حكومة اختصاصيين، وفق ما تعهّد به.

ومساء الثلاثاء، اعلنت قوى الأمن الداخلي أنّ "بعض المشاغبين في محيط مصرف لبنان المركزي عمدوا إلى الاعتداء على عناصر قوى الامن الداخلي محاولين الدخول إلى باحة المصرف، وقاموا برشقهم بالحجارة والمفرقعات النارية وتحطيم بعض الممتلكات العامة والخاصة في شارع الحمرا، ما أدّى الى جرح عدد من عناصر مكافحة الشغب بينهم ضابط برتبة نقيب".

ولاحقاً، أعلن الدفاع المدني أنّ عناصره "قدّموا الإسعافات الأولية اللازمة إلى مجموعة من المواطنين من مدنيين وعسكريين تعرّضوا لإصابات طفيفة في شارع الحمرا"، ونقلوا "بعض المصابين إلى مستشفيات المنطقة لتلقّي العلاج اللازم". ولم يعلن الدفاع المدني عن أي حصيلة للإصابات.

تحت شعار "أسبوع الغضب"، عمد المتظاهرون إلى قطع طرق رئيسة في بيروت ومحيطها وفي عدد من المناطق بالإطارات المشتعلة ومستوعبات النفايات، كما أفاد مصورو وكالة فرانس برس. وتداول ناشطون دعوات إلى تنظيم مسيرات ومشاركة طلاب الجامعات والمدارس قطع الطرق.

قالت المتظاهرة ليلى يوسف (47 عاماً) في محلة فرن الشباك قرب بيروت، بينما كان شبان يقطعون الطريق لفرانس برس "سنعاود قطع الطرق لأننا لم نعد نقوى على التحمّل أكثر". وأضافت "ما نجنيه (من المال) لا يكفينا لشراء حاجات المنزل" في خضم أسوأ أزمة اقتصادية في البلاد.

خسر عشرات آلاف اللبنانيين وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة. ويشكو اللبنانيون من تقلص قدرتهم الشرائية مقابل ارتفاع الأسعار وعجزهم عن تسديد التزاماتهم المالية.

تقترب الليرة اللبنانية من خسارة نحو نصف قيمتها عملياً. ففيما لا يزال سعر الصرف الرسمي مثبتاً على 1507 ليرات مقابل الدولار، لامس الدولار عتبة 2500 ليرة في السوق الموازية. وتفرض المصارف قيوداً مشددة على عمليات السحب بالدولار، وتشهد فروعها بشكل شبه يومي إشكالات يثيرها زبائن يريدون الحصول على أموالهم.

وقال متظاهر غاضب (75 عاماً) في محلة جل الديب شمال بيروت عرّف عن نفسه بإسم "ثورة" لفرانس برس "لم يجد الزعماء ما يسرقونه، ولكي يُذلوا الشعب اللبناني شكلوا مافيا مع المصارف"، متسائلاً "هل يُعقل أن يرتفع الدولار بين ليلة وضحاها من 1500 إلى 2500 ليرة؟".

عراقيل
ومنذ 17 أكتوبر، خرج عشرات الآلاف من اللبنانيين الى الشوارع والساحات وقطعوا الطرق احتجاجاً على أداء الطبقة السياسية التي يتهمها المتظاهرون بالفساد ويحملونها مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي وعجزها عن تأهيل المرافق وتحسين الخدمات العامة الأساسية.

تسببت هذه الاحتجاجات باستقالة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، ومن ثم تكليف دياب تشكيل حكومة إنقاذية في 19 ديسمبر. وتراجعت مذاك وتيرة التظاهرات لتقتصر على تحركات تجاه المصارف أو تجمعات ونشاطات رمزية، في ما بدا افساحاً في المجال أمام دياب لتشكيل حكومة جديدة.

وقال نور (31 عاماً) على هامش مشاركته في مسيرة باتجاه منزل دياب لفرانس برس، "تريّث المتظاهرون (أخيراً) ليروا ما إذا كان سيصار إلى تقديم حل جدي، وعندما رأوا أن (السياسيين) ما زالوا يعملون وفق عقلية المحاصصة نفسها، عاودوا النزول" إلى الشارع.

أضاف "من الواضح أن دياب لن يتمكن من تشكيل حكومة، وأن السياسيين الذين يقفون خلفه غير متفقين بينهم". وشارك العشرات في المسيرة التي انطلقت من وسط بيروت، مرددين هتافات عدة بينها "انزل عالشارع يا شعبي" و"يلا ثوري يا بيروت"، لمطالبة دياب بالإسراع في تشكيل حكومة تنصرف لوضع خطة إنقاذية للاقتصاد.

ومنذ تكليفه، لم يتمكن من تشكيل حكومة يريدها مصغّرة من اختصاصيين، تلبية لطلب الشارع، فيما تنقسم القوى السياسية الداعمة لتكليفه حول شكلها، ويطالب بعضها بحكومة تكنو سياسية.

وتحدّث دياب الجمعة عن "ضغوط" يتعرّض لها، إلا أنه أكّد في الوقت عينه أنه "مهما بلغت، لن تغيّر من قناعاتي ولن أرضخ للتهويل".

وأقر رئيس الجمهورية ميشال عون الثلاثاء، في كلمة ألقاها خلال استقباله أعضاء السلك الدبلوماسي في لبنان، بأن "بعض العراقيل حالت دون" ولادة الحكومة التي يجب أن يكون لديها "برنامج محدد وسريع للتعامل مع الأزمة الاقتصادية والمالية الضاغطة، ومجابهة التحديات الكبيرة التي تواجه لبنان وكل المنطقة".

وأعلنت قوى سياسية عدة عدم نيتها المشاركة في الحكومة على رأسها "تيار المستقبل" بزعامة الحريري الذي استقال في نهاية أكتوبر على وقع غضب الشارع.

نحو الانهيار
وأعرب المتظاهر سعيد طوق (60 عاماً)، وهو جندي متقاعد، عن اعتقاده بأن القوى السياسية "لن تتمكن من تشكيل حكومة مع تمسّك كل طرف بوزاراته".

وتأمل القوى السياسية أن يفتح تشكيل الحكومة الباب أمام تقديم المجتمع الدولي مساعدات ملحّة يحتاجها لبنان لتفادي انهيار اقتصادي أكبر، بينما يعيش ثلث سكانه تحت خط الفقر، بحسب الأمم المتحدة، ويشهد أزمة سيولة حادة وارتفاعاً في أسعار المواد الرئيسة.

وتعدّ الأزمة الاقتصادية الراهنة وليدة سنوات من النمو المتباطئ، مع عجز الدولة عن إجراء إصلاحات بنيوية، وتراجع حجم الاستثمارات الخارجية، عدا عن تداعيات الانقسام السياسي الذي فاقمه النزاع في سوريا. وارتفع الدين العام إلى نحو تسعين مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.

في مدينة طرابلس (شمال)، أكد علاء خضر (30 عاماً) لفرانس برس رفض تشكيل "حكومة محاصصة" سياسية، موضحاً أنه لا يمكن للفرقاء السياسيين "أن يسموا مستشاريهم وزراء، وأن يقولوا لنا إن هؤلاء مستقلون وتكنوقراط". ودعا إلى الإسراع في تشكيل حكومة إنقاذ لأن "الوضع الاقتصادي لم يعد يحتمل الانتظار والبلد ينحدر نحو الانهيار" الكامل.