تخلى الأمير هاري وزوجته ميغان ماركل عن واجباتهما الملكية بعد موافقة الملكة إليزابيث الثانية على سحب ألقابهما الملكية. وهذا لا يمنع الانتقادات التي تنتشر عن تحوّل دوق ودوقة ساسكس إلى شخصيتين رأسماليتين.

"إيلاف" من بيروت: توقع كارل ماركس في كتاب "البيان الشيوعي" أن تدمّر الرأسمالية كل بقايا الإقطاع، وأن تمزّق العلاقات الإقطاعية المتنافرة التي ربطت الإنسان برؤسائه الطبيعيين. كما قال إن من شأنها أن تخضع كل مؤسسة وطنية للمنطق الثوري للسوق العالمية.

ناقضت الملكية البريطانية حتى الآن، وهي واحدة من آخر بقايا النظام الإقطاعي، الماركسية، إذ نجا التاج من رأسمالية العهد الفيكتوري وإحياء عقيدة السوق بعد عام 1979.

أوضح والتر باغوت في الدستور الإنكليزي ما يأتي: "بعيدًا عن تقويض الرأسمالية، عززت الملكية، في شكلها البريطاني، التصرف كالغراء في مجتمع مقسم إلى طبقات معادية وشتتت الجماهير عن مصادر القوة الحقيقية".

سلالة وندسور
أثار إطلاق ملكة بريطانيا إليزابيث في عام 2018 لقب دوق ودوقة ساسكس على الأمير هاري وزوجته ميغان تساؤلات عدة بِشأن هذا اللقب والامتيازات التي سيحصلان عليها. وهما على وشك إثبات صوابية نظرية ماركس.

ليست هذه هي المرة الأولى التي تجرب فيها سلالة وندسور التي تحكم المملكة المتحدة منذ عام 1901، الرأسمالية؛ إذ وصفت الأميرة الراحلة ديانا العائلة المالكة بأنها "شركة"، لأنها كانت تجارية للغاية في تعاملها مع الملكية. كما يبيع الأمير تشارلز ما يزيد على 260 مليون دولار سنويًا من الأغذية العضوية لعلامته التجارية "دوقية".

يمنح الأمير تشارلز الأرباح التي يجنيها من علامته التجارية إلى مؤسسة خيرية، ولا يفوّت فرصة لإلقاء الضوء على القيم العليا "للعالم القديم" في هذا العصر الفاسد، مستنكرًا أساليب الزراعة المكثفة والعمارة الحديثة، مرشدًا رجال الأعمال بوضع المبدأ قبل الأرباح.

هاري وميغان
يبدو أن ساسكس مصممة على تحويل نفسها إلى علامة تجارية عالمية. فبعدما أعلن دوقا ساسكس هاري وميغان عبر حسابهما الرسمي المشترك على "إنستاغرام" عن تخليهما عن أداء واجباتهما الملكية، وعزمهما الاستقلال المادي عن العائلة، ألمح الزوجان في بيانهما إلى عزمهما إطلاق كيان خيري يمكنهما من خلاله المضي قدمًا في تقديم أعمال خيرية، يحمل اسم "ساسكس رويال".

بدأ هاري وميغان العمل على موقعهما الإلكتروني الجديد في سبتمبر المنصرم، وقاما بوضع العلامة التجارية "ساسكس رويال" لاستخدامها في مئات العناصر بدءًا من الجوارب إلى خدمات الاستشارة. وتعاقدا مع وكالة للعلامات التجارية تدعى "أرتيكل"، ومن بين عملائها قناة الأطفال "نيكيلوديون"، وبيت الأزياء ديان "فون فورستنبرغ" وفريق "تورنتو مابل ليفز" لهوكي الجليد.

هذا، ونُشر فيديو في الصيف الماضي يُظهر نقاشًا بين الأمير البريطاني والرئيس التنفيذي لشركة ديزني روبرت آيجر، حيث يقنعه فيه هاري بكفاءة زوجته في التمثيل الصوتي، بينما كانت ميغان منهمكة في حوار مع نجميّ الغناء الأميركيين بيونسيه وزوجها جي زي في حفل افتتاح فيلم "الملك الأسد" في لندن.

التحوّل إلى الرأسمالية
أعلن العديد من خبراء العلامات التجارية أن لدى هاري وميغان "علامة تجارية جاهزة" يمكن أن تكسبهما ما يصل إلى 500 مليون جنيه إسترليني في عامهما الأول. يشير موقع "إنفلونسرماركتينغ هاب"، وهو موقع على شبكة الإنترنت، إلى أنه من خلال متابعي "إنستاغرام" الذين يبلغ عددهم 10 ملايين، يمكن دوق ودوقة ساسكس توقع 34 ألف دولار لكل منشور.

تقول "سيمرش"، وهي شركة لتحليل التسويق ومقرها بوسطن، إن "حجم البحث" عبر الانترنت عن ماركل يتجاوز ما يقرب من ثلاثة أضعاف البحث عن المغنية بيونسيه.

يعيد هاري وميغان إعادة صياغة قواعد الملكية، حتى يتسنى لهما التصرف كالمشاهير، وليس كالموظفين العموميين. يخططان للتخلي عن نظام التقارير الملكية لمصلحة اختيار الأعداء المفضلين لهما على وسائل الإعلام والاستمرار في الوقت عينه بتلقي الأموال من الأمير تشارلز.

يقول خبراء العلامات التجارية إن لدى هاري وميغان مصلحة في الحفاظ على سلامة علامتهما التجارية. لكن منطق رأسمالية القرن الحادي والعشرين يعارض التسوية السلمية. وسوف يحتاجان مبلغًا أكبر من ميراث الأمير هاري، الذي يقدر بما يتراوح بين 20 و30 مليون جنيه إسترليني، لمواكبة الأثرياء العالميين. ولضمان أن تظل علامتها التجارية رائدة وتزوّد "قنوات التوزيع" الخاصة بها بـ "محتوى"، سيتطلب منهما ذلك أن يستخرجا المزيد من القيمة من الملكية.


أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "إكونوميست". الأصل منشور على الرابط التالي:
https://www.economist.com/britain/2020/01/16/harry-meghan-and-marx