جنيف: بعد أن قضوا تسع سنوات يتقصّون أهوال النزاع السوري، لا يخفي محققو الأمم المتحدة مرارتهم حيال استمرار العنف في هذا البلد، لكنهم ما زالوا مصممين على مواصلة جهودهم لإحقاق العدالة ذات يوم.

أنشأ مجلس حقوق الإنسان لجنة التحقيق الدولية بشأن سوريا في آب/أغسطس 2011، بعد أشهر على بدء حملة قمع التظاهرات السلمية، بهدف النظر في الانتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان في هذا البلد وتحديد مرتكبيها. غير أن دمشق لم تسمح لها بدخول سوريا.

وقالت كارين كونينغ أبو زيد، وهي من عناصر اللجنة الثلاثة منذ إنشائها، "كنت أعتقد أن الأمر سيستغرق سنة عمل أو أكثر من ذلك بقليل".

وتابعت خلال مقابلة أجرتها معها وكالة فرانس برس قبل أيام من رفع اللجنة تقريرها التاسع عشر هذا الأسبوع في جنيف "لم يخطر لي أننا سنكون لا نزال كما نحن عليه الآن".

وبعد تسع سنوات على اندلاع الحرب، ارتفعت حصيلتها البشرية إلى أكثر من 380 ألف قتيل، يضاف إليهم ملايين اللاجئين والنازحين.

ويعدد محققو اللجنة التي يترأسها منذ تشكيلها البرازيلي باولو بينيرو، في تقريرهم شتى الانتهاكات من اغتصاب وتعذيب وإعدامات بدون محاكمة وغيرها.

وتندد اللجنة منذ بدء أعمالها بجرائم الحرب التي يرتكبها أطراف النزاع، والتي يرقى بعضها إلى جرائم بحق الإنسانية، غير أن دعواتها إلى رفع المسألة إلى المحكمة الجنائية الدولية لم تلق استجابة.

وقال المحقق المصري هاني مجالي الذي انضم إلى اللجنة عام 2017 لفرانس برس "بالطبع، هذا الأمر يثير الإحباط".

وتابع "لكننا اعتبرنا أن من واجبنا" مواصلة العمل، مبديا قلقه حيال استمرار أعمال العنف كما في محافظة إدلب، آخر معاقل الفصائل المسلحة المعارضة والجهادية، والتي تتعرض لهجوم عسكري تشنه قوات النظام السوري.

ونزح حوالى مليون شخص منذ بدء هجوم القوات السورية على إدلب بإسناد جوي من روسيا.

الأشرار ينتصرون

ويلجأ المدنيون الفارون من أعمال العنف في إدلب إلى المناطق الواقعة إلى الشمال قرب الحدود التركية.

ويشير هاني مجالي إلى أن بعض الأطفال يموتون من البرد. ويقول "الأسوأ بالنسبة لي، هو حين أرى أشخاصا يموتون بطريقة عبثية كان يمكن تفاديها"، منددا بعدم تحرك الأسرة الدولية.

وتعرف كارين كونينغ أبو زيد المنطقة وسوريا تحديدا بشكل جيد، إذ كانت في الماضي مفوضة عامة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). وتقول "الأمر محزن جدا. الأشرار ينتصرون. لديهم السلطة والسلاح، والناس العاديون يعانون".

وبالرغم من أن دعواتهم لم تلق آذانا صاغية، واصل المحققون الدوليون العمل، ووضعوا قائمة سرية لأفراد ومجموعات يشتبه بارتكابهم انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.

وأوضح مجالي "كنا نأمل أن يؤدي وجود مثل هذه القائمة والحديث عن ملاحقات محتملة أمام المحكمة الجنائية الدولية، إلى إيجاد رادع".

لكن شلل مجلس الأمن الدولي حال دون رفع المسألة إلى المحكمة الجنائية الدولية.

ويحاول المحققون الآن مساعدة الدول الساعية إلى محاكمة أشخاص يشتبه بارتكابهم جرائم حرب في سوريا على أراضيها، وتلقوا في هذا السياق أكثر من مئتي طلب مساعدة.

وأكد مجالي أن هذه الحالات ستعلن، مبديا أمله في أن يدرك مرتكبو انتهاكات حقوق الإنسان أنهم سيُحاسبون على أعمالهم.

صدمة

وفي هذه الأثناء، يواصل المحققون توثيق أهوال النزاع. وقال مجالي "أعتقد أن الجميع مصاب بصدمة".

وهو يروّح عن نفسه بالطهي، موضحا أن إعداد الطعام يمنح "ارتياحا" لأنه يجعل الواحد "يشعر بأنه أنجز شيئا ما"، في حين أن التحقيق حول سوريا "مستمر بلا نهاية".

وفي غياب أي ضوء أخضر من دمشق لزيارة سوريا، تعد اللجنة تقاريرها مستندة إلى إفادات ضحايا وشهود على انتهاكات لحقوق الإنسان.

ولا يتقاضى أعضاء اللجنة الثلاثة أي راتب. وهم يحظون بمساعدة فريق من ثلاثين خبيرا ومحللا يتابعون الوضع في سوريا بشكل متواصل.

وقالت كونينغ أبو زيد عن المحققين "لا أدري كيف يتمكنون من القيام بذلك، فهم يعملون ليل نهار".