نشر رامي مخلوف رجل الأعمال السوري وابن خال الرئيس السوري بشار الأسد مقاطع فيديو عبر حسابه على موقع "فايسبوك" قال في احداها أن قوات الأمن السورية بدأت في اعتقال موظفين لديه، ثم تحدث مقربون من النظام في وسائل التواصل الاجتماعي أن النظام أصدر أمرًا بالاعتقال وخاصة بعد أن تحدث عن قيامه بمساعدة الأجهزة الأمنية، وحملت فيديوهاته تأليبا على الأسد أكثر منها مناشدة له بالتدخل بعد تردد الأنباء عن خلافه مع أسماء الأسد على المصالح الاقتصادية وبعد قرار حجز احتياطي على أمواله.

ويعتبر بعض المعارضين السوريين أن ما هذه القصة الا مسرحية، فيما يراها البعض الآخر أنها أهم ماحدث منذ بداية الثورة فهي فرط حقيقيا عقد العائلة الحاكمة، ليتوسع البعض ويتحدث عن حلف اقتصادي سياسي جديد مع روسيا يقوده مخلوف قريبا الى سدة الرئاسة بديلا عن الأسد.

"إيلاف" سألت المعارضة السورية بشقيها العسكرية والسياسية عن رأيها بالحدث الذي نعيش تفاصيله.

ايران

تحدث ابراهيم الجباوي، عضو الهيئة السورية للتفاوض عن الاحتمال الأول وعلاقة رامي مخلوف بماهر الأسد والتي هي أقوى من علاقته المباشرة مع بشار.

وقال "من المعروف أن ماهر ومعه رامي يميلان إلى تأييد إيران أكثر من تأييدهما لروسيا، وبالتالي وبعد أن تفاقمت الغارات الإسرائيلية على المصالح والمواقع الإيرانية، أعلنت إسرائيل أنها تسعى لإخراج إيران من سوريا ازداد شعور إيران بذلك ".

وأشار الجباوي الى تناول وسائل الإعلام الروسية "شخص بشار الأسد بشيء من التقليل والذم، لذلك عمدت إيران إلى لعبة الرموز لإحراج روسيا من جهة، وخلق بلبلة بين رموز النظام من جهة أخرى، ومنع انقسام طائفة النظام من جهة ثالثة " ويقصد الطائفة العلوية.

ورأى فيما جرى توجيها ايرانيا لرامي مخلوف حيث قال الجباوي: "وجهته بما قام به لفترة محددة، بحيث يتسنى إقناع الطائفة بأن هناك من يحاول إحداث شرخ فيها "من خلال تطاولها على كيان رامي الذي هو أبو الفقراء وداعم النظام منذ بدء الثورة وما قبلها" ثم قد توكل لبشار أن يتدخل في الوقت المناسب، ليعمل على تسوية يرضى عنها رامي مخلوف، وبهذا تتحسن صورة بشار أمام طائفته بعد أن اهتزت بفعل الماكينة الإعلامية الروسية".

ووجد أنها في هذا أيضا تضمن "إبعاد شبح انشقاق الطائفة على ذاتها، لتأمين مصالحها ووجودها لأطول فترة ممكنة، مع تثبيت ما يمكنها من قواعد شعبية بين صفوف السوريين".

ولاءات

كما أبدى الجباوي احتمال ثاني حول أن روسيا تدرك ولاءات رموز النظام، واستقطبت رامي مخلوف إلى صفها، وهذا يتضح من خلال إعادة تسميته لصفحته من ماهر الأسد إلى رامي مخلوف الأسد إلى رامي مخلوف مؤخرا، وبالتالي وضعت له سيناريو الخروج بتسجيلاته، ليبرهن للطائفة أيضا أن بشار لم يعد قادراً حتى على كبح جماح زوجته، وأنه ذاهب بالطائفة إلى الهلاك.

واعتبر أنه بذلك تلتف حوله الطائفة لتنجو معه في حال تم التوصل لاتفاق حول الأزمة السورية، فتضمن روسيا أن اقتصاد سوريا بعد الاتفاق في أنه سيكون قادراً على استمرارية العيش "من خلال شركات رامي مخلوف" من جهة، وتكون قد سحبت من بين أيدي إيران مركز ثقلها بالطائفة من جهة أخرى، فتفرغ الساحة لروسيا دون منافس، كما تؤمن لنفسها استمرارية نفوذها بمصالحها التي ستربطها مع شركات مخلوف من جهة ثالثة.

وانتهى الى القول إن أي من هذين الاحتمالين هو حتما لصالح النظام "كنظام استبدادي تسلطي" لا يهمه مصالح السوريين كشعب، لا إن أكلوا أو جاعوا، ولا إن دفئوا أو بردوا، ولا إن عاشوا أو ماتوا، فكل السعي إنما يدور حول ضمان المصالح لهذا الطرف أو ذاك بعيداًعن مصالح الشعب.

عصابة

فيما قال الدكتور زكوان بعّاج، عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني أنه من حسن حظ الشعب السوري وكذلك الرأي العام العالمي أن "الرسائل بين العصابة الفاسدة الحاكمة بدأ تظهر فسادها إلى العلن، فالشعب السوري سمع اعترافات مباشرة من رامي مخلوف عن دوره في دعم الأجهزة الأمنية التي ينسب لها جرائم ضد الإنسانية يندى لها الجبين، كما ذكر الرأي العام السوري بأن حصة الدولة السورية من عقود الخليوي تم شفطها، وأن مجمل أموالهم هي أموال الشعب السوري نتيجة العطاءات الحكومية بشروط خاصة."

تصدع

ورأى بعّاج أن مايجري تصدعا في "العلاقات والثقة بين آل مخلوف وآل الأسد، بعد أن بدأت السفينة في الغرق، فهرّب آل مخلوف الأموال النقدية من سوريا والتي تقدر بعشرات أو حتى بمئات المليارات التي ابتز آل الأسد ومخلوف فيها العالم وسرقوا النفط والغاز بالإضافة لسرقة الدولة السورية واللبنانية وابتزاز الدول والمنظمات والأفراد".

وأشار إلى ادراك مخلوف "بأن الأسد يستمد شرعيته من حاضنته في الساحل السوري، فحاول أن يوجه لها خطابه، ويذكرها بأن رزقها الذي يقدمه لها سينقطع نتيجة دفعه للضرائب الظالمة التي فرضها الأسد على شركاء مخلوف."

نظام جديد

ذكّر بعّاج أن الرئيس الروسي بوتين تدخل عسكريا بعد أن زار "وفد من العصابة الحاكمة موسكو ومعهم حقائب سفر مليئة بالعملات الصعبة، ووعدوا الرئيس الروسي بأنهم سيعملون كل ما بوسعهم لتغطية فواتير الحرب في سوريا، وصدّقهم بوتين وتدخل عسكريا وصار الذي صار، ووصل الحال اليوم لدفع فاتورة الحرب الروسية على الشعب السوري، وتبين أن الأموال هربت أو تبخرت وبقي الأسد في الميدان مفلسا." حسب تعبيره.

لذلك رأى بعّاج إن أنجع حل للرئيس الروسي هو أن يبحث عن حلول جذرية جراحية كالدعوة لمؤتمر الطاولة مستديرة لجميع مكونات الشعب السوري وإنهاء الحقبة الأسدية والمخلوفية نهائيا، والانطلاق إلى الأمام بنظام تشاركي تعددي يؤسس لمستقبل أفضل يكفر عن ذنوبه التي ارتكبها ضد الشعب السوري، وذلك بالتعاون مع جميع القوى الدولية كضامنين للتحول الديمقراطي.

سقوط

وتقاطع رأي الدكتور باسل معراوي، الناشط السوري السياسي مع العديد من الآراء حيث لفت الى "ادراك روسيا حتمية استحالة الاحتفاظ بعائلة الأسد بالسلطة واعادة تدوير بشار بفعل فشل الحملة العسكرية الروسية الأخيرة على ادلب وعدم تمكنها من فرض واقع ميداني جديد يخلط الاوراق..وقوة الموقف الامريكي ودعمه لتركيا بالتصدي للهجمة..وبقرب تطبيق عقوبات قانون قيصر."..

وشدد على ادراك الروس أن عائلة مخلوف "قد تشكل شريكا مستقبليا مدعوما من شرائح واسعة من معسكر النظام (مدني وعسكري).تكون شريكة بحل سياسي مقبل يضمن لها مصالحها في سوريا".

وعاكس بشكل من الأشكال احتمال تصريحات الجباوي لأنه رأى "أن رامي وامبراطوريته المالية محسوب على روسيا وبشار وشقيقه ماهر محسوب على ايران، ودلل على ذلك بزيارة جواد ظريف الأخيرة لدمشق".

وقال معراوي بما أن روسيا تملك الأرض والسماء في سوريا، "لم يعد لبشار الا حرسه الجمهوري وفرقة شقيقه الرابعة وولاء أجهزة الأمن بتحييد سلاح الجوأا واستخدامه لصالح الاطاحة ببشار".

واعتبره "أمر وارد ومتوقع الحدوث، وبذلك يكون روسيا قد وصلت لقناعة الجميع أن بشار جزء من المشكلة ولن يكون جزءا من الحل".

المعارضة العسكرية

النقيب المنشق وائل الخطيب، عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني اعتبر أنه من الطبيعي أن ينشغل السوريون بما يجري من تصدع داخل البيت الاسدي واجهة نظام الاستبداد الذي دمر البلاد وأباد العباد والحدث المثير هذه الأيام صراع فرعي (ابن الخال والزوجة) الذي بلغ الذروة ببث الفيديوهات علنا.

ورأى في هذا حدث نادر "بكل تاريخ آل الأسد مما يجعلني أختلف مع من يعتبر ما يجري مجرد تكتيك أو توزيع أدوار، بل انه صراع حقيقي نتيجة لدنو استبدال بشار الأسد من جانب روسيا التي تبحث منذ فترة عن بديل مناسب علوي الطائفة".

وقال "إن حسابات الروس البعيدة المدى قد تعتبر الطائفة بثقلها الواضح المميز في الجيش وأجهزة الامن والإدارة والاقتصاد مضمونة الجانب، وكما يظهر فان معظم الشخصيات العلوية المؤثرة ومن ضمنهم خال النظام محمد مخلوف المقيم بروسيا نصحوا أصحاب القرار بموسكو باختيار بديل علوي آخر، وهذا ما أثار حفيظة بشار ودفعه للانتقام من أخواله ".

لذلك رأى الخطيب أن المسألة تتجاوز شركات الاتصالات والأموال الى مصير الأسد وزبانيته ومن تحصيل حاصل أن تكون ايران المتضرر الأكبر.

مصطنع

من جانبه، رأى المقدم المنشق أحمد خالد القناطري أن الخلاف مصطنع مثلما يروج البعض لأن خلافات العائلة الاسدية كان من المحرمات حتى الحديث فيها فكيف اذا ظهرت علنا؟.

وأضاف ان ظاهر الخلاف مادي، ولكن في الحقيقة الهدف اعمق من هذا وهو في عمقه "خلاف المحورين الروسي والايراني".

وتطرق الى أن أهم مايجري هو "محاولة روسية لشق صف المؤيدين وتهيئة القاعدة الشعبية المؤيدة للانقلاب وقبول الحل السياسي بدون عائلة الأسد".

تخبط

إلى ذلك أوضح العقيد المنشق نايف حسون القيادي في حركة وطن أن "بشار الأسد في حالة تخبط للبحث عن التمويل ليؤمن استمرار نظامه وليتمكن من دفع رواتب جيشه وموظفيه وهي تحضيرات تسبق سريان قانون قيصر الذي سينهك اقتصاد النظام أكثر مما هو عليه من إنهاك في الوقت الحالي".

ووصف بشار الأسد بالتاجر المفلس الذي يبحث عن "الدفاتر العتيقة" لجمع ما يمكنه جمعه، وأولها فتح دفاتر شركاته التي وضع واجهات لها، ورأى أنه سيأتي دور التجار الأخرين وشركاتهم، الذين استفادوا من تسهيلات النظام.

وناقش جانب استشعار "الأسد وزوجته بقرب النهاية التي يجب أن يدخروا ويجمعوا لها، بعد إحساسهم بقرب تخلي القريبين منهم".

وتحدث حسون في ذات الاطار عن جائحة كورونا التي زادت من الأعباء الاقتصادية على داعمي الأسد في طهران وموسكو فقلصوا من مساعداتهم للنظام الأمر الذي جعله يبحث عن بدائل حتى لو على حساب دائرته الضيقة.

وأما بالنسبة لرامي مخلوف فأشار الى عجزه عن التواصل المباشر مع بشار الأسد، بدليل أنه اضطرّ لمخاطبته عبر الإعلام، وهذا يعني أن بشار استبدل أفراد الدائرة الضيقة المحيطة به، ولم يعد يثق بهم.

ولفت الى رغبة رامي بإخراج خلافاته المالية مع أسماء الأخرس إلى العلن بالتدرج، وليس عبر التسريبات فقط، لتشكيل نوع من الإحراج الإعلامي وإظهار أنها تهدف للسيطرة المالية بشكل يضر بمصالح "العلويين الفقراء"، وفي هذا استثارة للعلويين ضد أسماء "السنية"، اضافة الى (6500) مستثمر في الشركة.

واجهة

ورأى حسون أن خطاب مخلوف انطوى على ما يشبه التهديد المبطن بنشر الغسيل على الملأ، وخاصة أنه أشار لإمكانية الحديث عن "ملكياته" الخاصة بالتفصيل، وسيظهر حينها بوضوح أن معظمها لبشار، محاولا أن يصف نفسه كذبا بالوطني والخادم للشعب، وأنه طلب من بشار صرف المبلغ المطلوب على الفقراء بنفسه، مبتعدا عن الدائرة المحيطة به، مما يدل على خلاف رامي مع هذه الدائرة، ووجود قرارات تُرتب ضده مستقبلا من قبل أفراد الدائرة المقربة.

وركز على قول مخلوف بشكل واضح إلى "أن خزينة الدولة وجيب بشار واحد، وبالتالي هذا بحد ذاته تحريضا على الأسد".

امتداد

ونظر حسون اخيرا الى الفيديوهات على أنها "امتداد للضغط الإعلامي الروسي على بشار الأسد، فهو يهدف من رسالته استقطاب الطائفة العلوية، ويطلب أن يقوم بشار الأسد نفسه بمساعدتها وليس أفراد الدائرة المحيطة به (وهي تشمل زوجته أسماء الأخرس السنية)، وفي هذا استثارة للشارع العلوي، واستنهاض للنعرة الطائفية عندهم، وإظهار بعد بشار الأسد عنهم، وبأنه هو الحريص عليهم. ".

وأشار الى "أن مخلوف لم يكن ليجرؤ على القيام بذلك دون أن تكون هناك موافقة وضمانة روسية، حيث شركاته وتجاراته في سورية التي سلبها من الشعب السوري ما زالت تحت سطوة نظام بشار الأسد وممكن أن يقوم بتأميمها ومصادرة أصولها المالية".

وأضاف "ستكون من الفوائد الروسية من ذلك إظهار بديل لبشار الأسد قد تقوم بتفعيله إن لم يبتعد الأخير عن إيران، ويسلم لروسيا ما تبقى من اقتصاد سوري منهوب".