لوجيكي: قام غيّنادي ماتفييف بنفس ما يفعله كل عام في ذكرى 9 أيار/مايو: رفع مع زوجته العلم الروسي في منزلهما الريفي الصغير احتفالا بنصر 1945 على ألمانيا النازية.

يقول هذا المتقاعد البالغ 71 عاما "نحن روس ولنا ذاكرتنا الخاصة. شارك والد زوجتي في الحرب، وكانت والدتها في مخيّم اعتقال. أما والدي فكان شرطيا واشتغلت والدتي قرب الجبهة في إطعام الجنود".

طوال عشرين عاما دأبا خلالها على الاحتفال بالذكرى عبر رفع العلم على علوّ ستة أمتار في الهواء، فوق أزهار الخزامى والياقوت التي يفخران بها، لم يحصل سوى تغيير واحد: قبل 15 عاما، عوّض العلم الروسي العلم السوفياتي الأحمر. ولا يُرفع العلم إلاّ يوم 9 أيار/مايو، ويخبّأ بقية العام.

عادة، يزور الزوجان عقب رفع العلم نصبا تذكاريا قريبا أو يذهبان إلى موسكو لحضور مسيرة "الفوج الخالد"، وهي عرض وطنيّ مدعوم من الكرملين يشارك فيه مئات آلاف الأشخاص حاملين صور أسلافهم الذين شاركوا في الحرب.

هذا العام، تفاجأ غيّنادي ماتفييف بأن "فيروس كورونا المستجد أدخل تغييرات" على طريقة إحياء الذكرى. تم تأجيل العرض العسكري التقليدي إلى أجل غير مسمى، وتمت المشاركة في "الفوج الخالد" من شرفات المنازل. وأقرت كذلك دقيقة صمت في أنحاء البلاد على الساعة 19,00 بالتوقيت المحلي لتذكّر 27 مليون سوفياتي ماتوا في النزاع.

بسبب الحجر المفروض في كامل البلاد تقريبا، لم يخرج غيّنادي وغالينا من منزلهما منذ 13 نيسان/أبريل: قال الزوجان "سنحتفل بيوم النصر هنا: سنشاهد بوتين، سنبكي خلال دقيقة الصمت وسنشرب مساءً كأسا تكريما للجميع" مع أبنائهما اللذين يزوراهما.

يعتبر الزوج أن "هذا كان دائما احتفالا عائليا وسيبقى كذلك".

- "احتفال عائلي" -

حتى في وسط موسكو الذي يستقبل عادة حشودا من الناس في هذا اليوم، يرى البعض أن 9 أيار/مايو يمثل تاريخا شخصيّا جدا. على بعد عشرات الأمتار من الكرملين، يتجوّل إيفان سيمينوف مع كلبه، ويؤكد الرجل أنه لا يفتقد غياب الاحتفالات العامة.

يؤكد هذا الفنان البالغ 35 عاما "بالنسبة لي، يوم النصر احتفال شخصي ولا يتمثل في العروض الكبرى التي تنظمها الحكومة. حتى في ظلّ الحجر، سيبقي احتفالا عائليا لتذكر الأقارب الذين توفوا".

ورغم تواضع مظاهر الاحتفال في العاصمة وتكرر دعوة الكرملين للناس لالتزام بيوتهم، تجمّع عدة روس عفويا أمام نصب تذكارية، في اختراق لقواعد التباعد.

في سوكولنيكي التي تقع نحو 60 كلم غرب موسكو، بثّت عبر مكبرات صوت منذ الساعة 11,00 أغاني عسكرية من بينها "يوم النصر"، وهي أغنية سوفياتية تعود إلى السبعينات. ولأول مرة، دعت السلطات المواطنين إلى الخروج للشرفات مساءً للمشاركة في الأغنية.

وضعت مجموعات صغيرة، من أصدقاء أو عائلات، زهورا أمام نصب الجندي المجهول. هنا أيضا، حمل البعض صور أقربائهم الذين شاركوا في الحرب.

اعتبرت تاتيانا كاباروفا، وهي عاملة صحيّة تبلغ 60 عاما، أنه "علينا إظهار أن أثر معاركهم لا يزال حيّا. واجب الذاكرة أقوى من فيروس كورونا المستجد ولن يوقفنا أي مرض عن ذلك".

من جهتها، تحدّت أناستازيا إيفانوفا البالغة 90 عاما الحجر الإلزامي المفروض على من يتجاوز عمرهم 65 عاما، وقالت هذه المرأة التي جرح والدها في معركة ستالينغراد "آتي إلى هنا دائما لإحياء هذه الذكرى. منعونا من الخروج لكن ابني جاء بي".