تستخدم الإدارات الأميركية المتعاقبة سلاح العقوبات الاقتصادية لتطويع الدول والأفراد الذين ترى أنهم أعدائها. في هذا التقرير جولة على قوانين عقوبات تجريمية أربعة، تشكل السيف الأميركي المسنون على أعداء واشنطن.

بيروت: بعد أنتج انتهاء الحرب الباردة عالمًا أحادي القطب، وبعد تثبيت الولايات المتحدة نفسها سيدة للعالم ردحًا من الزمن إثر انهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومة الدول الاشتراكية، وجدت القوة الأميركية نفسها قادرة على الدفاع عن مصالحها السياسية والاستراتيجية من دون حروب معلنة، إنما من طريق الضغط اقتصاديًا وسياسيًا على الدول من خلال سياسة فرض العقوبات الاقتصادية، وهي سلاح واشنطن المدمر بسبب إمساكها بالمفاصل الأساسية للاقتصاد العالمي من خلال هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي، وتحكم الولايات المتحدة بالتجارة العالمية، وسيطرة واشنطن على قرارات معظم المنظمات الدولية، ومنها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

إن هذا الموقع الاقتصادي المتقدم على مستوى العالم مكّن واشنطن من أن تحقق أهدافها، على اختلافها، ومن أن تتحكم بقرارات الدول بالمجهود والأضرار الأقل، من خلال فرض العقوبات.

عديدة هي القرارات الأميركية بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية دولة، لكن أبرزها إلى اليوم أربعة قوانين تجريمية، تمسك واشنطن بواسطتها على أعناق أعدائها في العالم.

قانون قيصر

"قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين" هو اليوم شغل العالم الشاغل؛ إذ حددت الولايات المتحدة 17 يونيو الجاري موعدًا لبدء المرحلة الأولى من تطبيق مندرجاته. هذا القانون هو الأقسى بين قرارات العقوبات على النظام السوري ومن يتعاون معه، ويشمل فرض عقوبات على النظام السوري ومؤسساته والمسؤولين فيه العسكريين والأمنيين وكل المتعاونين معهم. سمي هذا القانون تيمنًا بـ "قيصر"، وهو اسم مستعار لمصور عسكري سابق في الشرطة العسكرية التابعة للنظام السوري، استطاع الهرب من سورية صيف عام 2013 حاملًا معه 55 ألف صورة مروعة تظهر جثثًا تحمل آثار تعذيب.

يستهدف القانون المصانع العسكرية والبنى التحتية والمصرف المركزي في سوريا، كما يسمح القانون بمعاقبة روسيا وإيران في حال استمرارهما في دعم نظام بشار الأسد.

يفاقم "قانون قيصر" الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية في سورية، وهدفه خلخلة البيئة الحاضنة للنظام التي ستشعر بسيف العقوبات مسنونًا على عنقه، فتنفض عنه. ودائرة بيكار القانون لا تقتصر على سورية، بل تطال الدول والأشخاص والشركات والمؤسسات التي تدعم النظام السوري، أي كل شركة عاملة في الأراضي السورية، أو لديها استثمارات في سورية، أو تطمح إلى المشاركة في إعادة إعمار سورية، وهي شركات روسية وصينية.

من خلال "قانون قيصر"، تقدم الولايات المتحدة رسالة مفادها أنه لا يمكن الوصول إلى حلّ للأزمة السورية من دونها، ولا يمكن الشروع في مشروعات إعادة الإعمار قبل التوافق معها على المرحلة السياسية، وهي بالتالي تدعم موقفها السياسي والميداني في سورية.

قانون ماغنيتسكي

قدّم الحزبان الديموقراطي والجمهوري في الكونغرس الأميركي قانون "ماغنيتسكي الدولي للمساءلة حول حقوق الإنسان"، وصادق عليه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في ديسمبر 2012، وقد قضى بمُعاقبة الشخصيات الروسية المسؤولة عن وفاة محاسب الضرائب سيرغي ماغنيتسكي في سجنه في موسكو في عام 2009. لكن سرعان ما أخذ تطبيق القانون يتوسع.

في عام 2016، اعتمد الكونغرس النسخة الدولية من القانون الذي يمنح الرئيس الأميركي صلاحية فرض عقوبات على أي أجنبي متهم بانتهاك حقوق الانسان مثل القتل والتعذيب وغيرها من الانتهاكات المنصوص عليها في لائحة حقوق الإنسان الدولية.

في سبتمبر 2017، حدّدت مجموعة من المنظمات غير الحكومية بلدانًا تحدثُ فيها الجرائم والانتهاكات: أذربيجان، البحرين، الصين، جمهورية الكونغو الديمقراطية، مصر، إثيوبيا، ليبيريا، المكسيك، بنما، روسيا، طاجيكستان، أوكرانيا، أوزبكستان وفيتنام.

في 21 ديسمبر 2017، تمّ إضافة 13 اسمًا إلى قائمة العقوبات المفروضة على الأفراد، شملت يحيى جامع، الرئيس السابق لدولة غامبيا، وروبرتو خوسيه ريفاس رييس، رئيس نيكاراغوا.

سلة من العقوبات

في 12 يونيو 2018، فرضت وزارة الخزانة الأميركية من خلال هذا القانون سلة من العقوبات على فيليكس باوتيستا، عضو مجلس الشيوخ في جمهورية الدومينيكان وخمسة من شركاته بسبب تورطه في قضايا فساد كبيرة.

في 5 يوليو من العام نفسه، فرضت الخزانة الأميركية مجددًا العقوبات نفسها على ثلاث شخصيات إضافية من نيكاراغوا، أحدهم مفوض الشرطة الوطنية فرانسيسكو خافيير دياز وسكرتير مكتبه ثمّ رئيس بلدية ماناغوا فيدل أنطونيو مورينو بريونيس، كونهم مسؤولين عن انتهاكات خطرة لحقوق الإنسان في نيكاراغوا.

في الأول من أغسطس، فرضت الخزانة الأميركية عقوبات على مسؤولين أتراك في حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هم وزير العدل عبد الحميد غول، ووزير الداخلية سليمان سويلو، وذلك بسببِ مشاركتهما في احتجاز القس الأميركي أندرو برونسون.

إن هذا القانون هو سيف أميركي مسلط على كل من ترى فيه الإدارة الأميركية عدوًا ينبغي الخلاص منه، أو تطويعه في الحدود الدنيا، تلوح به واشنطن بين الحين والآخر. وكانت المرة الأخيرة ضد شخصيات لبنانية اتهمها الأميركيون بالفساد، وتسهيل عمليات نقدية ومالية لحساب حزب الله، الذراع الإيرانية في لبنان.

قانون باتريوت

"قانون توحيد وتعزيز أميركا من خلال توفير الأدوات الملائمة المطلوبة لاعتراض وعرقلة الإرهاب"، أو قانون "باتريوت"، تشريع أميركي أقر في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، وأثار جدلًا سياسًيا وقانونيًا كبيرًا في الولايات المتحدة، أصابت عدواه العديد من البلدان التي أقرت تشريعات مشابهة له بدعوى مكافحة "الإرهاب".

بموجب هذا القانون، مُنح مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) صلاحيات واسعة لمراقبة وتفتيش المشتبه فيهم والاطلاع على ممتلكاتهم الشخصية، ورفع العوائق القانونية للتنصت على محادثاتهم الهاتفية، ومراقبة رسائلهم الإلكترونية ومعاملاتهم المصرفية وملفاتهم الطبية.

شرّع القانون أيضًا وضعية "المقاتل العدو" و"المقاتل غير الشرعي"، الأمر الذي سمح للسلطات الأميركية بالقبض على متهمين بالإرهاب، من دون اعتبار لحدود جغرافية أو محاكمة.

قدم قانون "باتريوت" الجمهوري جيم سنسربرنير، وأقر بأغلبية كبيرة في الكونغرس بمجلسيه بعد أن أضاف عضو مجلس الشيوخ رون وايدن تعديلًا يحصر مدة صلاحية ثلاثة من أحكامه في خمس سنوات لإمكانية مراجعتها. وقعه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن في 26 أكتوبر 2001.

تمديد وتوسيع

في عام 2006، وعلى الرغم من تحذيرات وايدن، فإن الكونغرس مرر تمديدًا للقانون مدة أربع سنوات أخرى، ما جعل صلاحية أحكام القانون المثيرة للجدل تستمر بعد تمديده.

البرنامج الدائم والأكثر إثارة للجدل بموجب هذا القانون هو برنامج "رسائل الأمن القومي" الذي يتيح للحكومة الحصول على سجلات الاتصالات من شركات الاتصالات من دون الموافقة المسبقة على ذلك من محكمة المراقبة، حيث استخدم هذا البرنامج على نطاق واسع.

أقر مجلس الشيوخ في أكتوبر 2009 قانونًا يمدد إلى غاية 2013 ثلاثة بنود في القانون، تتعلق بـ "المراقبة المتحركة لاتصالات المشتبه فيهم بالإرهاب"، وكذا "الذئب المنفرد" الذي يتيح التحقيق مع شخص يعمل لحسابه الخاص، إضافة إلى الإبقاء على إمكانية وصول السلطات إلى أي معطى ملموس (بريد إلكتروني وحسابات) لمشتبه فيهم من دون إذن قضائي.

اليوم، في خضم الاحتجاجات الحادة في مدن الولايات المتحدة، تتحدث أوساط البيت الأبيض عن استخدام "قانون باتريوت" ضد الإرهاب المحلّي، لكن المختصين القانونيين يقولون إن لا بند في القانون الفيدرالي يتعلّق بتصنيف منظمات محلية إرهابية، بل إن القانون المعني يتحدّث عن الجماعات الإرهابية الدولية فحسب. وعلى الرغم من أن "قانون باتريوت" يصنّف جماعات الإرهاب المحلّي التي تنخرط في أعمال عنف من عن طريق إخافة السكان المدنيين للتأثير في سياسة الحكومة، فإن تعريف مكتب التحقيقات الفيدرالي يشير منذ عام 2019 إلى الإرهاب المحلّي على أنه صادر عن الأفراد والجماعات التي تتبنّى الأيديولوجيات المتطرّفة ذات الطبيعة السياسية أو الدينية أو الاجتماعية أو العرقية أو البيئية.

قانون مكافحة أعداء أميركا

إلى هذه القوانين التي سبق ذكرها، ثمة قانون مهم جدًا. إنه "قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات"، هو قانون اتحادي يتيح فرضت عقوبات على إيران وكوريا الشمالية وروسيا.

في 15 يونيو 2017، صوت مجلس الشيوخ الأميركي على 98 صوتًا مقابل صوتين لمشروع القانون (تعديل لمشروع قانون العقوبات المفروضة على إيران) الذي كان متأصلًا في مشروع قانون قدّمه في يناير من ذلك العام مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من الحزبين بشأن استمرار مشاركة روسيا في الحروب في أوكرانيا وسورية وتدخلها المزعوم في انتخابات عام 2016.

في ما يتعلق بروسيا، تم تصميم مشروع القانون لتوسيع التدابير العقابية التي فرضتها سابقًا الأوامر التنفيذية وتحويلها إلى قانون. وقدم الديمقراطيون في مجلس النواب الأميركي مشروع قانون مماثل في 12 يوليو، وعلى الرغم من أن نص مشروع القانون لم يتغير عما كان، وافق عليه مجلس الشيوخ في 15 يونيو، وصدر تشريعًا في مجلس النواب لتجنب العقبات الإجرائية.

ثلاثة قوانين

يضم هذا القانون تحت مظلته ثلاثة قوانين. الأول هو "قانون مكافحة الأنشطة المدمرة لإيران لعام 2017"، يوجه الرئيس الأميركي إلى فرض عقوبات على برامج الصواريخ الباليستية أو أسلحة الدمار الشامل في إيران، وبيع أو نقل المعدات العسكرية إلى إيران أو تقديم المساعدة التقنية أو المالية ذات الصلة، والحرس الثوري الإسلامي والأجانب المرتبطين به.

الثاني هو "قانون مكافحة التأثير الروسي في أوروبا وأوراسيا عام 2017"، وينص على عقوبات على الأنشطة المتعلقة بالأمن السيبراني، ومشاريع النفط الخام، والمؤسسات المالية، والفساد، وانتهاكات حقوق الإنسان، والتهرب من العقوبات، وخطوط التصدير، وخصخصة الأصول المملوكة للدولة من قبل المسؤولين الحكوميين، وعمليات نقل الأسلحة إلى سورية.

أما الثالث فهو "القانون الكوري المتعلق بمنع العقوبة وتحديثها"، الذي يعدل ويزيد من سلطة الرئيس لفرض عقوبات على الأشخاص في انتهاك لبعض قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن كوريا الشمالية. ينص القانون على عقوبات ضد الشحن لكوريا الشمالية، والسلع المنتجة كليًا أو جزئيًا من قبل المدانين الكوريين الشماليين، والأشخاص الأجانب الذين يستخدمون العمال الجبريين الكوريين الشماليين.