اسطنبول: يتيح تحويل آيا صوفيا إلى مسجد في تركيا حشد القاعدة الإسلامية-القومية للرئيس التركي رجب طيب إردوغان وشق صفوف المعارضة وسط مواجهته أزمة اقتصادية ونزاعات إقليمية، ولكن في ظل المخاطرة بتأجيج التوتر مع الغرب وفق ما يرى محللون.

ووافق مجلس الدولة التركي على طلبات قدّمتها منظمات عدة بإبطال قرار حكومي يعود للعام 1934 يعطي الموقع وضع متحف، فيما أعلن إردوغان فتح الكنيسة أمام المسلمين لأداء الصلاة.

وبرغم وضعيتها كمتحف، فقد تضاعفت الأنشطة ذات الطابع الديني الإسلامي داخلها منذ وصول إردوغان إلى السلطة عام 2003، من بينها تلاوة القرآن وتنظيم صلوات جماعية أمامها.

واعتبر الباحث في المعهد الفرنسي للدراسات الأناضولية جان ماركو أنّ "العديد من مناصري نظام إردوغان يرون قرار تحويلها متحفاً على أنّه نزع ملكية".

وأضاف "بالتالي، في خطوة ذات أبعاد، سواء دينية أو قومية، فإنّ رجب طيب إردوغان يتطلع إلى إعادة التأكيد على قوته وعلى الهوية المسلمة لتركيا".

وآيا صوفيا التي حوّلت إلى مسجد عقب دخول العثمانيين إلى القسطنطينية في 1453، مدرجة في لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، وتعد واحدة من أهم الوجهات السياحية في اسطنبول.

واعتبر مدير "صندوق مارشال الألماني" في أنقرة اوزغور أونلوهيسارجكلي أنّ تحويل آيا صوفيا إلى مسجد يتيح أمام إردوغان حصد نقاط لدى رأي عام "يؤيد بغالبيته هكذا قرار، مدفوعاً بمشاعر دينية أو قومية".

وقال "إنّه نقاش لا يمكن للرئيس إردوغان خسارته ولا يمكن للمعارضة الفوز به. ومن شأن هذه المسألة أيضاً شق صفوف المعارضة".

- "حشد قاعدته" -

وأشار إلى أنّ الناخبين التقليديين للأحزاب العلمانية، خاصة حزب الشعب الجمهوري الكمالي، وبرغم قلة اهتمامهم بالإرث العثماني، لكنّهم "متعلقون جداً بالسيادة وقد يساندون هذا القرار فقط لأنّ دولاً خارجية تدعو تركيا إلى عدم اتخاذه".

ويثير مصير آيا صوفيا قلق اليونان وروسيا اللتين تراقبان من كثب الإرث البيزنطي في تركيا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وفرنسا اللتين حذّرتا أنقرة من تحويلها إلى مسجد.

واعتبر المحلل في المكتب الاستشاري فرسيك مبلكروفت، انتوني سكينر، أنّ "ايا صوفيا قد تكون الرمز الأبرز للماضي العثماني وإردوغان يستخدمه لحشد قاعدته وازدراء خصومه في الداخل والخارج".

وفي الواقع، يأتي القرار التركي وسط تصاعد التوتر بين أنقرة والاتحاد الاوروبي بسبب قيام تركيا بعمليات تنقيب عن الغاز مثيرة للجدل في شرق البحر الأبيض المتوسط، وفي وقت يثير تدخلها في ليبيا أزمات، خاصة مع فرنسا.

وقال سكينر إنّ تحويل آيا صوفيا إلى مسجد "يندرج في سياق هذه السياسة الخارجية المتشددة والتي تتجلى بعرض القوة في شرقي المتوسط وليبيا".

وكان جان ماركو رجّح أنّ قراراً مماثلاً "سيبعد تركيا أكثر عن حلفائها الغربيين، ويؤثر على العلاقات الثنائية مع اليونان وقد يفرض معوقات أمام العلاقات مع روسيا".

وختم قائلاً "رمزياً، إنّ هكذا قرار سيظهر بمثابة تتويج لدولة انتقلت نحو الهجوم في كافة مسارح النزاعات في محيطها القريب: سوريا، العراق، ليبيا، شرق المتوسط".