طهران: أثار الرئيس الإيراني حسن روحاني في نهاية الأسبوع الماضي عن أن 25 مليون إيراني قد يكونون أصيبوا بفيروس كورونا المستجد، الارتباك والقلق في الجمهورية الإسلامية، لا سيما أن هذا الرقم يفوق بأضعاف العدد الرسمي للإصابات المعلنة.

مناعة القطيع
أتت تصريحات روحاني السبت، التي قال إنها تستند إلى تقرير لقسم البحوث في وزارة الصحة، بعد خمسة أشهر من إعلان السلطات تسجيل أولى حالات كورونا بعد وفاة شخصين في مدينة قم في جنوب البلاد.

وبات روحاني أول مسؤول كبير يلمح إلى أن الجمهورية الإسلامية قد تلجأ إلى "مناعة القطيع" للقضاء على الفيروس الذي تعد إيران أكثر الدول تأثرا به في الشرق الأوسط.

وقال الرئيس الإيراني في اجتماع للجنة الوطنية لمكافحة الجائحة "لم نحقق بعد المناعة الجماعية". وتحدث عن احتمال أن يكون 25 مليون شخص من السكان البالغ عددهم نحو 81 مليون نسمة، قد أصيبوا بالفيروس، محذرًا: "يجب أن نتوقع أن ما بين 30 إلى 35 مليونا آخرين معرضون لخطر الإصابة".

وأعلنت إيران رسميًا تسجيل 281413 إصابة و14853 حالة وفاة حتى 22 يوليو. ويفوق عدد الإصابات المتوقعة بشكل كبير العدد الإجمالي المعلن للإصابات عالميًا، والبالغ حاليًا نحو 15 مليونا، وأعلى من دول تعد الأكثر تأثرا بالجائحة، مثل الولايات المتحدة والبرازيل.

ومنذ تصريحاته في نهاية الأسبوع الماضي، لم يتطرق روحاني ثانية إلى هذه الأرقام. لكنّ عددًا من المسؤولين قدموا تفسيراتهم بشأنها، وشرح بعضهم أن عدد 25 مليون شخص لا يؤشر إلى الذين التقطوا العدوى، بل الذين كانوا "معرضين" لها واكتسبوا مناعة ضد الفيروس.

تقديرات وتبريرات
أوضح رضا مالك زاده، نائب وزير الصحة لشؤون البحث والتكنولوجيا، أن الأرقام كانت تقديرية استنادًا إلى بحث أجري في مارس الماضي، وشمل "نحو عشرة آلاف شخص في 13 إلى 14 محافظة" من المحافظات الـ31 في إيران.

وأشار في تصريحات نقلتها وكالة "إرنا" الرسمية الاثنين: "ثبت حتى الآن أن مناعة هؤلاء الأشخاص ثابتة، ما يعني انهم مثل من تمّ تلقيحهم"، من دون أن يكشف المحافظات التي أجري فيها البحث.

أما علي رضا رئيسي، النائب الآخر لوزير الصحة الإيراني، فأوضح في مقابلة تلفزيونية أن رقم 25 مليون شخص يستند إلى فحوص الأمصال المخصصة عادة للأجسام المضادة، والتي تكشف إذا كان الفرد المعني قد تعرض لأي نوع من أنواع فيروس كورونا، وليس فقط "كوفيد-19".

أضاف: "في إيران والعالم، أجري العديد من الدراسات بشأن كوفيد-19، ورقم 25 مليونا هو نتيجة إحدى هذه الدراسات، ولا يجب أن يتم تحميله أكثر من ذلك"، مشددًا على أن إيران لا تعتزم القضاء على كورونا المستجد عبر مناعة القطيع التي تعني التوصل إلى نسبة كبيرة من الأشخاص المحصنين ضد الفيروس (من طريق الإصابة أو اللقاح) للحد من خطر عودة الوباء.

خطأ استراتيجي
قال رئيسي: "مناعة القطيع ليست بأي شكل من الأشكال جزءًا من استراتيجية إيران، والدول التي اعتمدت عليها ندمت في نهاية المطاف. لن تكون ثمة مناعة إلى حين اكتشاف لقاح".

ردًا على تلميحات بأن ذكر أرقام بهذا الحجم قد يثير القلق لدى الشعب الإيراني، اعتبر رئيسي أن "التركيز على أرقام كهذه هو خطأ استراتيجي".

لكن إيما هودكروف، المختصة في علم الأوبئة الجزيئية في جامعة بازل السويسرية، فحذرت من أن رقمًا مماثلًا هو ذو أهمية كبيرة، نظرًا إلى أنه يفوق بأضعاف أي رقم سجّل في بلد آخر، موضحة: "نسبة إيجابيي المصل 30 بالمئة على مستوى البلد ككل، بحسب الأرقام المتوافرة، وإذا صحت، تكون أعلى كثيرًا مما عرفناه في أي بلد آخر".

وأشارت إلى أنه لم يتم تسجيل أرقام مرتفعة إلى هذا الحد سوى في "المناطق المتضررة بشدة"، مثل مدينة نيويورك الأميركية ذات المساحة الجغرافية الأصغر والكثافة السكانية الأعلى مقارنة بإيران.

وحذرت هودكروف من استقراء أرقام فحوص الأجسام المضادة على مجموع السكان، لا سيما في حال كانت قد أجريت في المناطق الأكثر تضررًا من البلاد.

أرقام مرعبة
انعكست تصريحات روحاني أسئلة وقلقًا لدى عدد كبير من المواطنين، لا سيما أنها بقيت من دون شرح وافٍ.

في أحد شوارع طهران، قال رجل أعمال في الخمسين من العمر قدّم نفسه باسم أشرفي: "الطريقة التي قدم بها السيد روحاني هذا الأمر تعني بطريقة ما أن كل السكان في إيران أصيبوا بالفيروس أو سيصابون به". وسأل: "إذًا، التزام الإجراءات الصحية كان من أجل لا شيء؟"، معتبرًا أن الأرقام "مرعبة". ورأى أشرفي أنه كان الأجدى أن يتولى وزير الصحة سعيد نمكي شرح الأرقام والانتقال نحو "مناعة القطيع" في البلاد.

وأعرب مصفّف الشعر (في العشرينات) عاشقان دليري عن اقتناعه بأن الأرقام واقعية و"مخيفة بعض الشيء"، ورأى أن تصريحات روحاني تهدف إلى "مواجهة الناس للواقع وإخافتهم كي يلتزموا البروتوكولات الصحية بشكل أكبر"، معتبرًا أن مناعة القطيع قد تكون طريقة فاعلة لضبط تفشي الوباء، على الرغم من أنها ستؤدي إلى "وفاة المزيد من الناس".

في المقابل، شكك آخرون في بلوغ عدد الإصابات في إيران هذا الحد. فقال أستاذ الفنون رضائي: "حتى وإن كانت (الأرقام مرتفعة إلى هذا الحد)، يصعب القبول بها نظرًا إلى أن الرئيس سبق له أن نفى بعض تصريحاته"، في إشارة إلى ما أدلى به روحاني بعيد تسجيل الحالات الأولى في فبراير، حين طمأن إلى أن كل الأمور ستعود إلى طبيعتها السبت. وبعد انتقادات تلك التصريحات، أوضح المتحدث باسم الحكومة الإيرانية أن ما قصده روحاني كان عودة آلية اتخاذ القرارات في مؤسسات الدولة إلى مساراتها المعتادة.