إيلاف من دبي: تحتدم الخلافات بين واشنطن وبكين على خلفيات تجارية وسياسية، وأحدث فصولها "حرب القنصليات”، التي اندلعت خلال الأسبوع الجاري، ويبدو أنها تتسارع رويداً رويداً لتأخذ أبعاداً تصاعدية.

وينذر التصعيد بين البلدين بتدهور جديد للعلاقات المتوترة بين الطرفين على خلفية ملفات عدة، من التجارة إلى طريقة تعامل بكين مع وباء كوفيد-19، وصولاً إلى سياسة الصين في هونغ كونغ وشينجيانغ وبحر الصين الجنوبي.

قنصلية شينغدو
في أحدث فصول المواجهة، أمرت الصين الجمعة بإغلاق قنصلية الولايات المتحدة في مدينة شينغدو الكبيرة بجنوب غرب البلاد، بعد ثلاثة أيام على إغلاق قنصلية الصين في مدينة هيوستن الأميركية.

وقالت وزارة الخارجية الصينية في بيان إن هذا القرار يشكل "رداً شرعياً وضرورياً على الإجراءات غير المنطقية للولايات المتحدة". ولم تذكر الخارجية الصينية مهلة لإغلاق الممثلية، بينما أمهلت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب القنصلية الصينية في مدينة هيوستن 72 ساعة لرحيل الدبلوماسيين الصينيين.

وإلى جانب سفارتها في بكين، لدى الولايات المتحدة خمس قنصليات في مدن كانتون وشنغهاي وشينيانغ وشينغدو ووها، وكذلك في هونغ كونغ. وتغطي قنصلية شينغدو التي فتحت في 1985، كل جنوب غرب الصين وخصوصاً منطقة التيبت ذات الحكم الذاتي. ويعمل في هذه البعثة حسب موقعها الإلكتروني مئتا موظف، بينهم 150 موظفاً محلياً.

الطغيان الجديد

بدوره، دعا وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو "العالم الحرّ" إلى "الانتصار" على "الطغيان الجديد" الذي تمارسه، على حدّ قوله، الصين الشيوعية.

وفي خطاب ألقاه في كاليفورنيا واتّسم بنبرة تذكّر بتلك التي طبعت لغة التخاطب بين الولايات المتّحدة والاتحاد السوفيتي السابق إبّان الحرب الباردة، قال بومبيو إن الصين “دولة استبدادية أكثر فأكثر في الداخل، وأكثر عدوانية في عدائها للحريّة في كلّ مكان آخر". واتهم الرئيس الصيني شي جينبينغ بأنّه "تابع مخلص لأيديولوجية شمولية مفلسة".

كذلك، اتّهم بومبيو بكين باستغلال الولايات المتّحدة والسخاء الغربي بطريقة أنانية، في الوقت الذي أجرت فيه إصلاحات وانضمّت إلى الاقتصاد العالمي خلال العقود الأربعة الماضية.

قنصلية هيوستن

وكانت واشنطن أمرت بكين بإغلاق قنصلية الصين في هيوستن، معتبرةً أنها "في صلب شبكة تجسس" صينية في الولايات المتحدة، في قرار يشكل تصعيداً كبيراً في التوتر الدبلوماسي القائم أصلاً بين القوتين.

وأعلنت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية مورغان أورتاغوس الأربعاء أن الخطوة اتخذت "لحماية الملكية الفكرية الأميركية ومعلومات الأميركيين الشخصية". وأكدت المتحدثة "تنص اتفاقية فيينا أن على دبلوماسيي الدول احترام قوانين ونظم البلد المضيف ومن واجبهم عدم التدخل في الشؤون الداخلية لذلك البلد".

أضافت الخارجية الأميركية أن النظام الشيوعي الصيني مارس في الماضي عملية "تجسس ضخمة" في الولايات المتحدة، وتدخل "في سياستها الداخلية"، كما "مارس ضغوطا على مسؤولين اقتصاديين" و"هدد عائلات صينية-أميركية مقيمة في الصين".

وندد بومبيو من الدنمارك بـ"سرقة الحزب الشيوعي الصيني للملكية الفكرية" في الولايات المتحدة كما في أوروبا. وأضاف "يتعلق الأمر بمئات آلاف الوظائف" التي "سرقها الحزب الشيوعي الصيني"، مشيراً إلى توجيه القضاء الأميركي الثلاثاء التهم إلى صينيين اثنين بشن هجمات قرصنة معلوماتية على شركات تجري أبحاثاً على لقاح ضد كوفيد-19.

حرق وثائق؟

وكانت قنصلية هيوستن خطفت الأضواء الثلاثاء بعد أن شوهدت ألسنة من اللهب تتصاعد من المبنى، وأظهرت صورٌ أناسا يلقون ما بدا أنه أوراق في سلال المهملات.

واستُدعيتْ خدمات الطوارئ لكن لم يسمح لها بدخول المبنى بحسب شرطة هيوستن.

وللصين خمس قنصليات في الولايات المتحدة وسفارة في واشنطن. وفتحت قنصلية هيوستن في ولاية تكساس في 1979، العام الذي أقيمت فيه علاقات دبلوماسية بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية، بحسب موقع القنصلية الإلكتروني.

قنصلية سان فرانسيسكو

في المقابل، أعلنت الحكومة الأميركية الخميس أن باحثة صينية متهمة بإخفاء علاقاتها مع الجيش الصيني للحصول على تأشيرة دخول أميركية لجأت إلى قنصلية الصين في مدينة سان فرانسيسكو للإفلات من توقيفها.

وتقدّم الادعاء الأميركي بمحكمة فيدرالية في مدينة سان فرانسيسكو بمذكرات قال فيها إن المتهمة تدعى خوان تانغ، وإنها كانت باحثة في علم البيولوجيا بجامعة كاليفورنيا. وجاء في مذكرات الادعاء أن المتهمة قالت إنها لم يسبق لها الخدمة في الجيش الصيني، وذلك في تحقيق أجراه معها وكلاء مكتب التحقيقات الفيدرالي الشهر الماضي.

لكن المذكرات تقول إن تحقيقا موسعا كشف عن صور للمتهمة في بزّة عسكرية، كما أن بحثًا عن منزلها كشف عن مزيد من الأدلة بشأن علاقتها بجيش التحرير الشعبي الصيني.

وتقول مذكرات الادعاء، التي نشرها لأول مرة موقع أكسيوس الإخباري: "عند نقطة معينة بعد البحث والتحقيق مع تانغ يوم 20 يوليو 2020، توجهتْ إلى القنصلية الصينية في سان فرانسيسكو، حيث يعتقد مكتب التحقيقات الفيدرالي أنها لا تزال هناك".

وتضيف المذكرة: "كما يتبين من قضية تانغ، تُقدم القنصلية الصينية في سان فرانسيسكو ملاذا آمنا محتملا للمتعاونين رسميا مع جيش التحرير الشعبي الصيني الراغبين في تفادي الملاحقة القانونية في الولايات المتحدة".