إيلاف من الرياض: رحل الصحافي السعودي سعد الحقباني الدوسري في العاصمة البريطانية لندن، تاركاً سيرة مهنية غنية وصداقات كثيرة لعل أبرز ما ستتذكره عنه عشقه لعاصمة الضباب التي عرفها عن ظهر قلب، وأوصى بأن تكون مثواه الأخير. وعملاً بهذه الوصية، يدفن الدوسري اليوم في مقبرة "غرين فورد" غرب لندن.

رحل الدوسري، الجمعة، بعد صراع مع مرض السرطان استمر أشهراً. وعرفه أصدقاؤه بالود والهدوء، متصالحا مع نفسه ومع محيطه ومع مهنته.

من خارج الصندوق

تصف المذيعة بقناة "بي بي سي" عربي رانيا العطار، وقد زاملته، الدوسري بأنه الصحافي الذي سخر قلمه للعمل المهني. فعندما تشح المعلومة أو تضعف الفكرة أو يغيب محور الخبر، كان الدوسري يتصدى لذلك بإعطاء القصة أركانها المفقودة معيداً إليها التوازن. كان يفكر خارج الصندوق، ويمنح الفكرة التي يتصدى لها زوايا لم تكن في الحسبان. وتختم العطار بالقول: "فقدنا في BBC صوتاً واثق النبرة، وقلماً توقف مداده لكنه ظل يكتب أسطراً من الذكريات النبيلة".

عشق السفر والفن

وكان الدوسري شغوفًا بالسفر واكتشاف المدن وزيارة المعارض التشكيلية. وكان رفيقه في زياراته للعديد من الدول حيث تقام المعارض التشكيلية والفنية، الفنان التشكيلي العراقي صادق طعمة. يروي طعمة عن الدوسري أنه كان مفتوناً بإسبانيا والبرتغال، لما تكتنزه مدنها من روح وتاريخ عربي. يستذكر طعمة محطات له مع "صديق الروح": "عرفت سعد في الثمانينيات حين كان شاباً طموحاً ومنفتحاً على جميع الثقافات، وقد تعرفت عليه عن طريق صديقي الفنان ورسام الكاريكاتير السعودي محمد الخنيفر الذي أشتاق إليه كثيراً.

يتذكر طعمة كيف اتقن الدوسري اللغة الانكليزية بالإضافة الى لغته الأم العربية "وفي أكثر من موقف، كان يقوّم الكلمات ويضعها في نصابها اللغوي الصحيح". يضيف "سعد هو رفيق الروح، كان شهماً ونبيلاً، ولم يأخذ حقه في التقدير كأحد أبرز الصحافيين السعوديين والعرب المقيمين في لندن. كان يعشق العمل لدرجة الإدمان، فطوال حياته لم يأخذ إجازة إلا في مرضه الأخير. لقد أعطى الأولوية في حياته للعمل.

وعن عشقه لمدينة الضباب، يروي طعمة: "كان سعد يعرف لندن شارعاً شارعاً، وكم تمنيت لو كتب عن ذكرياته في لندن. برأيي هو أفضل من يكتب عن لندن بعيون العرب، خاصة أني اطلعت على عدد من كتاباته الأدبية سواء من شعر أو قصص قصيرة. عشقه وشغفه للحياة واكتشافه لجديدها لا مثيل له.

وعن مرض الدوسري، يقول طعمه: "علم بمرضه في أكتوبر الماضي، وعندما أخبره الأطباء بأن أيامه باتت معدودة في فبراير الماضي، اتصل بأقاربه في الرياض وأخبرهم برغبته في اللقاء بهم ووداعهم، وبالفعل جلسوا معه وطلبوا منه العودة للوطن، لكنه رفض ذلك ورغب بأن يدفن في لندن، وفي مقبرة معينة دفن فيها كل أحبائه، من أصدقاء فنانين وصحافيين من العراق والسعودية ومصر والمغرب العربي".

يتوقف طعمة عن الحديث لبرهة، ثم يكمل بصوت متحشرج: "لم أجد شخصاً بكرمه. اعتاد جمعنا دائماً في كل المناسبات. تخيل حتى في موته، دفع كامل التكاليف كي لا يشكل عبئاً على أحد".

مخلص للمهنة

قضى الدوسري عمره في بلاط صاحبة الجلالة بين الرياض ولندن، حيث كانت بداية عمله في العاصمة السعودية.وبدأ عمله الصحافي في مجلة "سيدتي" في بداية الثمانينيات، حين كان يدرس اللغة الانكليزية في بريطانيا. عاد بعدها إلى الرياض ليدرس الأدب الإنكليزي في جامعة الملك سعود، فاتقن اللغة وعمل بعدها في صحيفة اليوم ثم "الرياض ديلي".

في منتصف التسعينيات، عاد الدوسري إلى لندن، التي لم ينقطع عنها خلال فترة عمله في الرياض، وانضم الى فريق عمل قناة إم بي سي، قبل أن ينتقل إلى قناة ANN الإخبارية، وبعدها إلى هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي.