لا مستقبل، بل تحديات كبيرة: حصار وانقسام وبطالة، وأمل بدولة فلسطينية في المستقبل القريب. إنه الإحباط الذي يعيشه الفلسطينيون في الأراضي الفلسطينية.

جنين: عقدان مرّا على الانتفاضة الثانية، والفلسطينيون الذين كبروا في أعقابها يجدون أنفسهم محاطين بحواجز سياسية ومادية كثيرة وسط آمال ضئيلة في المستقبل.

هنا في مخيم جنين، شمالي الضفة الغربية المحتلة، ترفع صور شباب فلسطينين يرتدون الكوفيات ويحملون بنادق كلاشنيكوف. قتِل هؤلاء أو أسِروا على يد القوات الإسرائيلية، لكن ألوان الصور تبهت مع مرور الوقت.

يقول نضال تركمان (48 عاما) الذي شارك في الانتفاضة الفلسطينية الأولى بين عامي 1987 و1993، "عندما أسير في المخيم، أقارن بين الماضي وما أراه اليوم".

واندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في 28 أيلول/سبتمبر 2000، على إثر زيارة زعيم المعارضة الإسرائيلية حينها أريئيل شارون للحرم القدسي. اعتبر الفلسطينيون هذه الخطوة استفزازا لمشاعرهم، فكانت الزيارة سببا في اشتعال المواجهات بينهم وبين القوات الإسرائيلية. ويُعدّ المسجد الأقصى أحد أبرز ثلاثة مواقع مقدّسة بالنسبة للمسلمين، في حين يشير إليه اليهود إلى أنه جبل الهيكل حيث موقع المعبدين من عهد التوراة ويعتبر أكثر الأماكن الدينية قدسية لديهم.

وعلى مدار خمس سنوات، كانت كل الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة مسرحا لتلك المواجهات. وشهد مخيم جنين حيث يسكن نضال اشتباكات عنيفة أدت إلى حصار إسرائيلي للمخيم في ربيع العام 2002، استمر لأكثر من شهر. مر وقت قصير قبل أن يُعتقل تركمان الذي فقد اثنين من أشقائه في المواجهات، لدوره في هجوم أدى إلى مقتل ستة مدنيين إسرائيليين، ليقضي على إثره 17 عاما في السجون الإسرائيلية.

الهجرة أو القتال

على مدار عشرين عاما، تغيرت الحياة اليومية في شوارع جنين بشكل كبير، لكن بقي هناك ما يذكّر بأيام الانتفاضة مثل الملصقات المنتشرة على الجدران ومقاتل سابق أمسى يبيع العنب على كرسي متحرك.

ردت إسرائيل على أحداث الانتفاضة، بأن أعادت احتلال جزء كبير من الضفة الغربية وبدأت ببناء جدار أمني تقول إنه ضروري لمنع الهجمات. لكن الفلسطينيين يرون أنه "جدار عازل"، يفصل بين الدولة العبرية والأراضي الفلسطينية، بينما تمر بعض مقاطعه في مدنها المحتلة. أما قطاع غزة الساحلي، الفقير، المكتظ بالسكان والذي يدار من قبل حركة حماس الإسلامية، فيعاني حصار إسرائيلي خانق مستمر منذ العام 2007.

وفي كانون الثاني/ديسمبر 2017، اعترف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، في خطوة تناقض الإجماع الدولي الذي ترك تحديد مكانة المدينة إلى حين إبرام اتفاق سلام. وقبل أسابيع من حصار مخيم جنين، ولدت ابنتا تركمان التوأم، يارا وسارة، اللواتي كبرن دون والدهن. تقول سارة (18 عاما) التي تدرس في كلية تكنولوجيا المعلومات، "رفضناه في البداية، لم نتمكن من إيجاد مكان له في قلوبنا".

وعلى الرغم من كونهن ولدتا بعد الانتفاضة الثانية، لكنهن تفخران بنظرة الناس في المخيم إلى والدهما. توافق سارة شقيقتها الرأي وتضيف "ما زالت أحداث الانتفاضة جارية، الاعتداءات يومية وهناك جرحى، لم يتم حل أي شيء". وترى الشابة أن "لا مستقبل هنا، الخياران الوحيدان هما الهجرة أو القتال".

فقدان الأمل

يسيطر الجيش الإسرائيلي على 60 في المئة من الضفة الغربية المحتلة، ويشعر كثير من الفلسطينيين بالأسى لاستمرار الاحتلال على الرغم من اتفاقية أوسلو التي لم تحقق لهم شيء.

في 15 أيلول/سبتمبر الجاري، وقّع في البيت الأبيض اتفاق لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين، ونددت القيادة الفلسطينية بهذا الاتفاق. لكن على الأرض، فشلت القيادة الفلسطينية وبشكل كبير في حشد الشبان الفلسطينيين للاحتجاج على هذه الخطوة.

ويرى المحلل السياسي غسان الخطيب أن مرد ذلك إلى شعور الشباب الفلسطيني "بالعزلة والحرمان" من أي دور سياسي. ويضيف "منذ 15 عاما لم تجرَ الانتخابات وهناك أزمة اقتصادية (...) الشباب منشغلون بالبحث عن عمل".

وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى فجوة عمرية تصل إلى نحو 60 في المئة، بين الفلسطينيين الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما والقيادة التي يرأسها الرئيس الفلسطيني محمود عباس (84 عاما).

وبحسب الخطيب، فإن "أزمة هذا الجيل بدأت فعلا خلال الانتفاضة الثانية"، مشيرا إلى أن "الشباب الفلسطيني بدأ يدرك أن لا عملية السلام ولا النزاع المسلح ناجعان مما أدى إلى فقدان الأمل".

وفي مخيم جنين، يقول عدي (20 عاما) إن أولويته في الحياة تتمثل في كسب المال لإعالة أسرته والزواج لاحقا.

يقول عدي الذي يعمل حلاقا ويقضي أوقات فراغه في ألعاب الفيديو "نتحدث أكثر عما يفعله الجيش الإسرائيلي، هدم المنازل والهجمات والجرحى".

ويقوم الجيش الإسرائيلي وبشكل منتظم بهدم منازل الفلسطينيين المبنية بدون تراخيص -والتي يكاد من المستحيل الحصول عليها- كما يهدم منازل الأشخاص المتهمين بتنفيذ هجمات على أهداف إسرائيلية.

وفي بلدة أبو ديس على مشارف القدس الشرقية المحتلة، التي ضمتها إسرائيل في العام 1967 وعزلتها لاحقا بالجدار، تبدو تداعيات الانتفاضة ظاهرة للعيان.

تضطر الشابة آية أبو العمل (18 عاما) من بلدة جبل المكبر جنوب القدس، المرور عبر أحد الحواجز الإسرائيلية للوصول إلى جامعتها في بلدة أبو ديس حيث تدرس "التربية الخاصة". وترى آية أن حياة الجيل السابق كانت أفضل، وتقول "أكيد كانت الحياة أفضل، لا جدار ولا حواجز وفرص عمل كثيرة".

أما مؤيد (22 عاما) الذي يدرس الحقوق في نفس الجامعة، فيشير إلى الجدار الخرساني العالي الذي يقابل أحد مداخل الجامعة ويقول إنه "أكبر مثال" على التحديات التي يواجهها الشباب الفلسطيني.

ليس هناك مستقبل

وفي قطاع غزة المحاصر، يواجه الفلسطينيون ظروفا أسوأ إلى حد كبير، إذ أدى الحصار الإسرائيلي إلى الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، ونقص المياه الصالحة للاستعمال، وارتفاع معدلات البطالة والتي وصلت في صفوف الشباب إلى 65 في المئة وفقا لأرقام البنك الدولي.

تقول سجى عماد (20 عاما) من قطاع غزة، "للأسف، لا مستقبل لدينا". وتضيف "أمامنا تحديات كبيرة جدا، حصار مستمر، لا يمكننا السفر، الانقسام بين فتح وحماس، لا تتوفر فرص عمل للشباب، هذا يولد الإحباط، لا أمل عندي بدولة فلسطينية في المستقبل القريب".

وتدير حركة حماس قطاع غزة منذ العام 2007، بعد سيطرتها على الحكم على إثر اشتباكات دامية مع عناصر حركة فتح التي يتزعمها عباس. وخاضت الحركة منذ العام 2008، ثلاث حروب مع إسرائيل، وشهد السياج الحدودي ما بين 2018 ونهاية 2019، احتجاجات أطلق خلالها الجيش الإسرائيلي نيرانه تجاه آلاف الفلسطينيين.

ولم تحقق هذه الاحتجاجات الكثير، إذ انتهت دون تنازلات إسرائيلية كبيرة، الأمر الذي خيب آمال الشباب الفلسطينيين في إحداث تغيير سياسي. وبينما يحاول العديد من الفلسطينيين البقاء، يرى تركمان أن انتفاضة ثالثة "أكبر" ستندلع يوما ما. ويضيف "ما زلت أحاول التعرف على بناتي لأتقرب منهن، ويعتقد من هم مثلي أن القتال يجب أن يستمر لأنهم يعانون".