بالنسبة لمنتقدي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإن التوترات المتصاعدة بين حليفتين للولايات المتحدة منذ فترة طويلة وهما مصر وإثيوبيا بشأن سد ضخم على أحد روافد نهر النيل، تمثل أكبر فشل دبلوماسي لإدارته في أفريقيا.

وقال ترامب الأسبوع الماضي إن مصر قد "تفجر" السد الذي بنته إثيوبيا، على الرغم من تفاخره في يناير / كانون الثاني الماضي بأنه يستحق جائزة نوبل للسلام لأنه "أبرم اتفاقا".

وقال بعد فترة وجيزة من منح رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد الجائزة: "منعت وقوع حرب كبيرة، بل منعت وقوع حربين".

وكانت تعليقات ترامب غامضة، ولكن بدا أنها إشارة إلى تدخله، بناء على طلب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي وصفه ذات مرة بأنه "الديكتاتور المفضل لديه"، لحل النزاع حول سد النهضة الإثيوبي (غيرد).

وترى مصر في السد "تهديدا وجوديا" لبقائها، وهو قلق يشترك فيه السودان وإن كان ذلك بدرجة أقل. ومن ناحية أخرى، تعتبر إثيوبيا السد حيويا لاحتياجاتها من الطاقة.

ترامب شخصية مكروهة لدى الإثيوبيين

وقال المحلل الأمني المختص بمنطقة القرن الأفريقي المقيم في كينيا رشيد عبدي إن الوساطة الأمريكية بشأن السد فاقمت من التوترات بين مصر وإثيوبيا.

وأضاف عبدي قائلا: "إن إثيوبيا تعزز الأمن حول السد".

وتابع قائلا: "إن إجراءاتها الدفاعية تشمل إعلان منطقة بني شنغول-غوموز حيث يقع السد، مجالا جويا مقيدا، وهناك تقارير أيضا عن قيام اثيوبيا بوضع بطاريات مضادة للطائرات حول السد، وربما تخشى من طلعات جوية استطلاعية قد تُسيرّها مصر".

وقال عبدي إن ذلك يُظهر فشل ترامب في فهم كيفية عمل الدبلوماسية العالمية.

سد النهضة
Getty Images
عندما ينتهي العمل في بناء سد النهضة سيكون الأكبر في افريقيا

وأوضح قائلا: "لديه فكرة خاطئة مفادها أنه يمكنك إبرام صفقة كما هي الحال في الأعمال التجارية، لذلك فقد ترك وزارة الخزانة الأمريكية لتلعب الدور القيادي في المفاوضات عندما كان من المفترض أن تتولى وزارة الخارجية إدارة السياسة الخارجية، وكانت العواقب هي تفاقم وضع سيئ بالفعل".

وقد اتهمت واشنطن إثيوبيا بالتفاوض بسوء نية بعد قرارها المضي قدما في ملء السد قبل معالجة مخاوف مصر والسودان بشأن تدفق المياه إلى بلديهما.

وقررت الولايات المتحدة قطع 100 مليون دولار من المساعدات عن إثيوبيا، ثاني أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان، وهي حليف رئيسي للولايات المتحدة في الحرب ضد الإسلاميين المتشددين في منطقة القرن الأفريقي المضطربة.

وقال عبدي: "إثيوبيا تشعر بأن أمريكا خانتها، وترامب الآن شخصية مكروهة لدى كثير من الإثيوبيين"، مضيفا أنهم يأملون في فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية في 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

إثيوبيا تتهم ترامب "بالتحريض" على الحرب

كيف سيتم ملء خزان سد النهضة الإثيوبي؟

هل أعطى ترامب "الضوء الأخضر" لمصر لحل أزمة سد النهضة عسكريا؟

استئناف مفاوضات سد النهضة بعد تحذير ترامب من تسبب الأزمة في عمل عسكري

غضب مصري واحتفال إثيوبي لبدء ملء سد النهضة

وقال دبليو غيود مور، كبير الباحثين في مجال السياسة في مركز التنمية العالمية ومقره الولايات المتحدة، إن قرار إدارة ترامب بالوقوف إلى جانب مصر لم يكن مفاجئا لأن هدفها الدولي الأكثر قيمة كان تحقيق التقارب بين إسرائيل والدول الأعضاء بجامعة الدول العربية.

انقلاب ترامب الدبلوماسي

وقال مور إنه نظرا لأن مصر لديها علاقات دبلوماسية طويلة الأمد مع إسرائيل، فإن إدارة ترامب لن تستفزها في وقت كانت بحاجة إلى مساعدة السيسي للضغط على الدول العربية الأخرى للاعتراف بإسرائيل.

وأضاف قائلا: "وهكذا أصبحت الإدارة طرفا في الخلاف على السد إلى جانب مصر".

كما شكل تركيز إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تحقيق التقارب العربي الإسرائيلي، سياستها تجاه السودان، والذي أعطى ترامب انقلابا دبلوماسيا كبيرا من خلال الموافقة قبل أقل من أسبوعين على الانتخابات الأمريكية، على تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

السودان
Getty Images
احتجاجات في السودان بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وللمطالبة بالعدالة لضحايا النظام السابق

وعلى الرغم من أن وزير خارجية السودان بالإنابة قال لاحقا إن القرار خاضع للتصديق من قبل هيئة تشريعية لم يتم تشكيلها بعد، إلا أن الإعلان كان ذا أهمية خاصة حيث أن السودان استضاف اجتماعا شهيرا لجامعة الدول العربية في عام 1967 أعلن فيه أنه "لا سلام مع اسرائيل، ولا اعتراف باسرائيل، ولا مفاوضات معها".

وفي المقابل، من المتوقع أن يواصل ترامب، إذا فاز بولاية ثانية، الضغط على إثيوبيا لمعالجة مخاوف مصر والسودان بشأن السد، مع ضمان إزالة السودان من القائمة الأمريكية لـ "رعاة الإرهاب"، مما يفتح الطريق للبلاد للحصول على المساعدة الاقتصادية التي تشتد الحاجة إليها.

وقال مور إنه في حين أن إدارة ترامب تستحق الثناء إذا قام الكونغرس الأمريكي بإزالة السودان من قائمة الإرهاب، فإن قرارها بربط ذلك بالاعتراف بإسرائيل كان محفوفا بالمخاطر بالنسبة لحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك التي تولت السلطة العام الماضي بعد الإطاحة بنظام حكم عمر البشير.

وأضاف مور قائلا: "قضية العلاقات مع إسرائيل قسمت المجتمع السوداني بعمق، ويمكن أن تكون عاملا مزعزعا للاستقرار في وقت تواجه فيه الحكومة بالفعل تحدياتها الأمنية الخاصة، والسلام هش".

التوتر مع الصين

وبالنسبة لعبدي، كان القلق الإضافي بشأن تأثيرات سياسات ترامب على أفريقيا هو "الحرب الباردة الجديدة" بين الولايات المتحدة والصين.

ومن الأمثلة على ذلك حقيقة أن الصين أقامت أول قاعدة عسكرية أجنبية لها في جيبوتي، بالقرب من القاعدة الأمريكية المستخدمة في الضربات الجوية ضد الإسلاميين المتشددين في الصومال، وهي النقطة المحورية لعمليات مكافحة الإرهاب في إفريقيا واليمن. وقال عبدي: "كانت الطائرات المقاتلة الأمريكية قادمة للهبوط مؤخرا، وأطلق الصينيون أسلحة ليزر تجريبية أعمت الطيارين الأمريكيين مؤقتا، إن ذلك ما تتوقعه في فيلم جيمس بوند".

الصين
AFP
بنت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي

وأضاف عبدي قائلا: "في عهد ترامب، اتبعت الولايات المتحدة سياسة عدوانية معادية للصين بينما أصبحت الصين قوة حازمة بشكل متزايد، مما خلق وضعا خطيرا في القرن الأفريقي".

وكجزء من جهودها لمواجهة النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين في القارة، كشفت إدارة ترامب النقاب عن برنامج الازدهار الأفريقي في عام 2018 باعتباره حجر الزاوية في سياستها تجاه القارة.

وقال مور:"إنهم يريدون مضاعفة حجم التجارة بين الولايات المتحدة وأفريقيا في الاتجاهين. لذلك فهو هدف بارز للغاية ويمكن أن يكون ذا فائدة كبيرة لأفريقيا، أكثر مما فعلته أي إدارة أخرى، لكنهم ما زالوا يحاولون فيما بينهم اكتشاف كيف ستسير الأمور".

وأضاف مور قائلا إن الاستثمارات الأمريكية في أفريقيا كانت في السابق في قطاع النفط والغاز، لكن ذلك تراجع بشكل حاد بسبب نمو عملية التكسير الهيدروليكي (لإنتاج ما يعرف بالنفط الصخري) في أمريكا.

وقد أنشأت إدارة ترامب مؤسسة تمويل التنمية التي تمولها الدولة في عام 2019 لمساعدة الشركات الأمريكية في الحصول على موطئ قدم في إفريقيا.

وقال مور:"إنهم يريدون توفير التمويل للشركات الأمريكية التي كانت تشكو من عدم قدرتها على المنافسة لأن الشركات الصينية تأتي بالتمويل، وإذا نظرت فقط إلى قطاع تكنولوجيا المعلومات فإن ما يقرب من 70 في المئة من العمود الفقري لتكنولوجيا المعلومات في أفريقيا مبني على مكونات صينية".

"تقويض" جهود الاتحاد الأفريقي

وقررت إدارة ترامب أيضا إلغاء قانون النمو والفرص في أفريقيا (أغوا) عندما ينتهي في عام 2025. ومثل ذلك القانون السياسة الأفريقية المميزة للرئيس الديمقراطي الأمريكي بيل كلينتون والتي تمنح الدول الأفريقية مدخلا تفضيليا إلى السوق الأمريكية.

وقال مور إن تركيز الإدارة كان على الصفقات التجارية الثنائية، وهي تجري بالفعل محادثات مع كينيا، القوة الاقتصادية في شرق أفريقيا والتي تعد جزءا من مبادرة الحزام والطريق الصينية التي تعتقد الولايات المتحدة أنها تهدف إلى بناء سلسلة من الطرق التجارية التي ستربط العملاق الآسيوي بأفريقيا مما يعزز هيمنة الصين العالمية.

الصين
AFP
شيدت الصين طرقا وخطوطا للسكك الحديدية وملاعب كرة قدم في أنحاء أفريقيا

وقال مور: "تريد إدارة ترامب إبرام اتفاق مع كينيا، والذي سيستخدم بعد ذلك نموذجا لعدد كبير من الاتفاقات مع دول أفريقية أخرى". وأضاف مور قائلا: "وافقت كينيا على ذلك لأنها استغلت أغوا لصالحها، ولا تريد أن تخسر التجارة مع الولايات المتحدة".

جاء ذلك بالرغم من حقيقة أن مفوض التجارة والصناعة بالاتحاد الأفريقي ألبرت موشانغا قد أعرب عن تفضيله للتفاوض "بصوت واحد" على "اتفاقية بين أفريقيا بأكملها والولايات المتحدة".

وقال مور إن قرار الولايات المتحدة قد يقوض جهود الاتحاد الأفريقي لدمج اقتصادات الدول الأفريقية بهدف تحويل القارة إلى أكبر منطقة تجارة حرة في العالم.

وتابع مور قائلا:"إن هذه الخطوة تعد امتدادا لسياسة إدارة ترامب المتمثلة في عدم العمل ضمن الاتفاقات الإطارية متعددة الأطراف".

وقال مور إن قرار كينيا بالدخول في محادثات ثنائية لم يكن مفاجئا أيضا، مضيفا: "تحتفظ الولايات المتحدة بالبطاقات هنا لأنها السوق التي تريد الدول الأفريقية الوصول إليها، بغض النظر عمن في السلطة (بعد انتخابات 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل)، وستدفع كينيا من أجل اتفاق ثنائي إلا إذا تم ضمان وصولها الحالي إلى السوق الأمريكية".

وأضاف قائلا إن بايدن، الذي شغل منصب نائب الرئيس في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، لم يصرح بعد بسياسته تجاه أفريقيا إذا فاز.

وقال مور:"قد تعود إدارة بايدن إلى ما كان موجودا في عهد أوباما، ولكن بالمقارنة مع الصين، التي يجري وزير خارجيتها زيارة سنوية إلى أفريقيا منذ عام 2000، هناك القليل من التبادلات رفيعة المستوى بين الولايات المتحدة وأفريقيا.

وقال مور: "إدارة ترامب ليست جديدة في إعطاء أولوية متدنية لأفريقيا. لقد كان الأمر أسوأ".