"إيلاف" أول من يلتقي زوهر بالتي، مسؤول القسم السياسي والامني في وزارة الدفاع الإسرائيلية، الذي وصف ولي العهد السعودي بأنه يتمتع برؤية ثاقبة وصائبة، ووصف حزب الله بأنه مدمر لبنان وليس حاميه، كما يدّعي.

إيلاف من القدس: في حوار غير مسبوق لأي وسيلة اعلام عربية، "إيلاف" تلتقي زوهر بالتي، مسؤول القسم السياسي والامني في وزارة الدفاع الإسرائيلية، في لقاء كان شاملا وصريحا تخللته مواضيع مختلفة ومهمة طرحها المسؤول الإسرائيلي من منظور خاص ومختلف وسمعنا منه طروحات غير تقليدية ولمسنا رؤية مختلفة وفهم لمواقف الدول وخلفيات هذه المواقف الا انها تبقى من منظور إسرائيلي يرى بالأساس المصلحة الإسرائيلية ويحاول ايجاد القواسم المشتركة مع دول المنطقة لمواجهة التحديات، بحسب رؤيته ورؤية المؤسسة الإسرائيلية.

زوهر بالتي عمل سابقا في الاستخبارات العسكرية، وكان مسؤولا عن الشأن الفلسطيني. ثم تدرج في المناصب العسكرية والامنية إلى أن وصل إلى منصب رئيس قسم الاستخبارات في جهاز الاستخبارات الخارجي الموساد، وبعدها تم تعيينه في منصب مسؤول القسم الامني والسياسي في وزارة الدفاع وهو ليس منصبا سياسيا انما مؤسساتي وهو الآن مسؤول عن العلاقات مع الاردن ومصر وتثبيت اتفاقية السلام معهما، ومسؤول عن العلاقة مع الاميركيين في لجنة ابقاء التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة، إضافة إلى مهمات سرية يقوم بها في دول لا تقيم علاقات مع إسرائيل، وقد نسج علاقات مع اجهزة الامن المختلفة والملف بالتواصل مع المستوى السياسي في ما يخص وزارة الدفاع الإسرائيلية.

السعودية مهمة

بحسب ما يقول مسؤولون كبار في إسرائيل، زوهر بالتي من القلائل في المؤسسة الامنية الإسرائيلية الذين يفهمون ويتفهمون دول الشرق الاوسط ومواقفها. وله علاقات واسعة ومهمة مع الجانب الاميركي هناك.

اشار بالتي في مستهل حديثه إلى أن الشرق الاوسط يمر بتحولات مهمة، "وهناك الدول العربية المسلمة السنية التي هي مهمة جدًا واعتقد أن السعودية ومصر هما الاهم كل واحدة بدورها، فلنا مع مصر اتفاقية سلام وعلاقات طيبة".

أضاف بالتي: "اما السعودية فهي مهمة جدا لنا على الرغم من عدم وجود اتفاق، ولكننا نعتبر السعودية دولة قريبة منا ولها معنا الكثير من المشترك، والاستقرار في هاتين الدولتين مهم وبمثابة مصلحة قومية .وهنا لا بد من الاشارة إلى دول المنطقة مثل الاردن والامارات والبحرين وعمان وقطر والمغرب والسودان. فكل هذه الدول تساهم في استقرار المنطقة ولجميع هذه الدول ولنا علاقات وتحالف مع الولايات المتحدة الاميركية، والتي هي الركيزة الاساسية لاستقرار المنطقة.”

تابع بالتي قائلًا إن هناك ربما خلافات أو مسائل تختلف عليها الولايات المتحدة مع مصر والسعودية وهناك انتقادات من الاميركيين لبعض الامور في السعودية ومصر بما يتعلق بحقوق الانسان والحريات وما إلى ذلك، لكن المهم أن يقوم الطرفان بالنقاش والحوار البناء والهادف والعميق لفهم كل جانب للآخر .

اِجلسوا مع الأميركيين

قال بالتي لـ "إيلاف": "احيانًا هناك فوارق في ترجمة الثقافات والعادات والتقاليد وانا اقول إن هذا الجانب أو ذاك قد يخطئ في فهم بعض الأمور وينظر إلى هذا الطرف او ذاك من منظار معين وقد يكون في غير محله وانصح السعوديين أن يجلسوا في غرفة مع الاميركيين ويشرحوا لهم كل شيء بشكل واضح وصريح وان يستمعوا للأميركيين بإصغاء. نحن نسمع بعض الضجيج هنا وهناك في مجالات مختلفة ومن اطراف مختلفة بهدف الاساءة للسعودية او مصر مستغلين بعض الاحداث، واحيانا يتناقش الجانبان بواسطة الصحافة وهذا غير سليم ابدا.

أضاف: "عليه ارى أن من الافضل أن يكون هناك نقاش معمق وعدم تغطية الامور بعبارات مبهمة، وان تكون الجلسات سرية وبعيدة عن الاعلام وبعيدة عن الآخرين، فانا ارى أن الاميركيين يتفهمون الامور، وأثق بالقيادات في مصر والسعودية بأن يقوموا بالعمل الصحيح في هذا المجال فوجود الولايات المتحدة في المنطقة من اهم الامور ويجب أن يبقى الاميركيون هنا لانهم يساهمون في الاستقرار والامن".

لا بديل للسيسي
ردا على سؤال "إيلاف" حول الادارة الاميركية الجديدة ورؤيتها للمنطقة والشرق الاوسط، قال رئيس القسم الامني والسياسي في وزارة الدفاع إن الادارة الجديدة لديها رؤيتها وستعالج الامور بحسب تلك الرؤية، "وهنا تكمن اهمية الحوار المعمق معها، فمثلا نحن في عشرية الربيع العربي والادارة الاميركية، حينها رأت الامور بشكل آخر، فهم رأوا والشباب المصري الذي خرج إلى ميدان التحرير في القاهرة الا انهم لم يستمعوا او يعرفوا ما يريد المصريون وكيف يعمل الاخوان المسلمون.

أضاف: "الاخوان المسلمون كانوا بنظر الغرب جماعة يمكن التعامل معه، ورأوا فيها براغماتية معينة، الا أن ذلك لم يكن كما صوروه لأنفسهم، ونحن نرى أن حركة الاخوان خطيرة للمنطقة، واليوم قد تكون الادارة الاميركية ترى الأمور بشكل شمولي اوضح بعد التجربة التي مرت منذ عشر سنوات".

تابع: "ارى أن لا بديل للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ويجب مساندته للبقاء في السلطة، فأي بديل للسيسي سيكون المجهول، واقول لكم إن الاخوان المسلمين لم يختفوا او يتبخروا، ويبقون مسألة معقدة ومشكلة للمنطقة"، مشيرًا إلى أن المصلحة الإسرائيلية تتطلب علاقات طيبة ومتينة بين الدول المذكورة وبين الولايات المتحدة.

إسرائيل متفوقة دائمًا
ردًا على سؤال "إيلاف" إذا كان على إسرائيل التدخل لإصلاح العلاقات والتوسط بين الولايات المتحدة وهذه الدول، قال بالتي انه لا يحبذ ذلك، فعلى القيادات أن تقوم بذلك من دون وسطاء وان يكون الحوار مباشرا.

وعند الحديث عن اتفاقية السلام مع الامارات والبحرين والتي وصفها بالمهمة، قال إن الشيخ محمد بن زايد والقيادة البحرينية قاما بخطوة جريئة واختراق كبير اعتبره تاريخيًا بعد أكثر من 26 عاما لم توقع خلالها أي دولة عربية اتفاقية مع إسرائيل.

ووصف بالتي الخطوة بالممتازة، تغيّر بعض المسلمات في المنطقة. وعند طرح مسألة تزويد الولايات المتحدة الإمارات بأسلحة متطورة ومقاتلات اف -35، قال بالتي إن الامر كان مفاجئًا لوزارة الدفاع لكن تم تدارك الامر سريعًا، وهو بصفته رئيس اللجنة الخاصة بإبقاء التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة، رافق وزير الدفاع بيني غانتس إلى واشنطن وتم الاتفاق خطيًا مع الاميركيين على حفظ تفوق إسرائيل العسكري واستمرار تزويدها بالأحدث والاكثر تطورًا.

علاقاتنا وطيدة مع الأميركيين
قال زوهر بالتي إن علاقات إسرائيل بالولايات المتحدة وطيدة مع الحزبين، "وهناك حلف استراتيجي وثقافي وعسكري قوي وإسرائيل تحاور الاميركيين بشكل مباشر وبوضوح كحلفاء والادارات الاميركية المتعاقبة والمختلفة ترى في إسرائيل حليف مهم وتقدم الدعم بغض النظر عن الخلافات في ملفات معينة".

وعن مسألة الاتفاق النووي الإيراني ومقولة إن الادارة الجديدة ستعود اليه، قال بالتي أن امام الادارة الجديدة العديد من القضايا الملحة، اولها الاقتصاد وجائحة كورونا، "بعدها سيلتفت الرئيس المنتخب لمعالجة مسألة الصين، ثم الصين، ومن بعدها الصين، وربما بعدها روسيا، وفقط بعد ذلك ربما سيذهب لمعالجة ملف إيران والملف الفلسطيني، ولا اعرف كيف يمكن الإدارة الاميركية معالجة الامور، لذا نترك ذلك للمستقبل".

أضاف: "نحن في إسرائيل نرى أن لا تغيير في علاقة الولايات المتحدة معنا وسنستمر في العمل المشترك مع كل الإدارات الاميركية، بغض النظر عن الحزب الحاكم هناك فعلاقتنا مع الجانبين ممتازة".

عن إيران وتهديداتها الانتقام لمقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الذي اغتاله الاميركيون ويصادف مرور عام على مقتله، قال بالتي إن الذكرى السنوية لاغتيال سليماني مرت من دون احداث تذكر، على الرغم من التهويل والنشر المكثف.

الإيراني ليس أحمق
يعتقد بالتي أن الإيراني ليس أحمق، فهو رأى القوة الاميركية بالخليج من طائرات بي -52 إلى حاملة الطائرات نيميتز، ولم يكن ليغامر في ضرب المصالح الاميركية أو الإسرائيلية لأنه يعرف حجم الرد الذي سيحصل، "ولأن هناك متغيرات في المنطقة واعتبارات كثيرة، فإن احدًا في طهران لن يغامر بشيء، لكن تبقى الامور مرشحة للتصعيد وقد يقوم الإيراني بعمل انتقامي خلافا لكل التوقعات الاخرى والتحليلات المعروفة".

أضاف مسؤول القسم الامني والسياسي في وزارة الدفاع في هذا السياق أن هناك تحركات ضد إسرائيل من العراق واليمن، وان صواريخ إيرانية تصنع هناك واخرى تم نقلها إلى اليمن والعراق لضرب إسرائيل.

تابع: "أتوجه إلى كل من يخطط للمس بإسرائيل في اليمن والعراق وكل مكان واقول نحن نراقب عن كثب ونصل إلى كل مكان بشتى الطرق، فمن يمسنا دمه مهدور وسيتحمل عاقبة عمله مهما كان واينما كان واضاف أن الطائرات الإسرائيلية اف -15 واف -16 واف -35 وغيرها من الوسائل برا وبحرا، تصل إلى كل مكان، ولن تتورع إسرائيل من ضرب من يمسها، وإسرائيل لن تعتدي على أحد، بل ستدافع عن نفسها"، مؤكدًا أن إسرائيل وصلت إلى ابعد من اليمن.

لم يفصل بالتي اكثر، بل اكتفى بالقول: "وصلنا إلى اماكن بعيدة ونستطيع العمل بطرق مختلفة من البر والبحر والجو".

إيران والهلال الشيعي
عن خطط إيران للمنطقة، اشار بالتي إلى خريطة الشرق الاوسط باللغة العربية في مكتبه، وقال إن إيران بصدد اقامة الهلال الشيعي من إيران إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن في خاصرة السعودية.

اضاف: "إيران استطاعت خلال سنوات الثورة الخمينية تصدير الثورة إلى لبنان فقط حيث يسيطر حزب الله الشيعي على الدولة، وفي السنوات الاخيرة استطاعت الدخول بقوة إلى اليمن والتواجد في سوريا لكن من يقف في مواجهة إيران هي إسرائيل في سوريا ولبنان والسعودية والامارات في اليمن... ولا بد من الاشارة إلى الدور الكبير للأمير محمد بن سلمان في السعودية وللشيخ محمد بن زايد في الامارات بمواجهة إيران، ليس قولًا فقط وإنما فعلًا".

عن المشروع النووي الإيراني، قال مسؤول القسم السياسي والامني في وزارة الدفاع الإسرائيلية: "يجب عدم التسليم بالقدرة النووية الإيرانية، ويجب العمل في كافة المستويات والأماكن والطرق لمنع إيران من ذلك، وهذه مهمة قد تكون سيزيفية، لكن يجب عدم اغفال هذا الامر ولو للحظة، فالإيراني او الفارسي يملك وقتًا كافيًا ولا يهمه الوقت والسباق مع الزمن، فحتى مع تأخير المشروع يستمر به".

يضيف بالتي أن 12 عامًا في الاتفاق النووي تعتبر وقتا طويلا لدى الغرب، فهذا 3 فترات رئاسية في الولايات المتحدة، "أما في إيران فهذا خامنئي واحد لم يتغير ومسألة الوقت لدى الفارسي غير مهمة كما هي مهمة للغرب، لذلك يجب مقارعة البرنامج النووي من منظور منعهم من الوصول إلى القدرة النووية بكل الوسائل العسكرية وبالضربات التي تنسب لإسرائيل، وبالعقوبات وبكل الطرق الدبلوماسية والاممية والاخرى".

يعرف ما نعرفه
عن تهديدات الامين العام لحزب الله حسن نصر الله وقوله إنه ضاعف خلال عام عدد صواريخه الدقيقة التي تغطي إسرائيل، قال بالتي إن نصر الله يتكلم كثيرا، وانه لا استخف بأقواله، لكنه قال إن لإسرائيل الاجابة لمثل هذه التهديدات ولم يفصل كيف، مشيرًا إلى القبة الحديدية الإسرائيلية والى اسلحة وتقنيات اخرى موجودة تفشل خطط من يحاول المس بإسرائيل.

أضاف بالتي أن حزب الله يمتلك 100 الف صاروخ، منها القديم ومنها الجديد والدقيق، "لكن هو يملكها بين الاحياء والبيوت في كل انحاء لبنان ومخازن المتفجرات التي تحوي سي 4 وغيرها في بيروت والبقاع والنبطية غيرها قد تسبب دمارا هائلا للبنان كما حصل في المرفأ وربما اكثر، وحزب الله يعرف نفسه بالمقاومة وحامي لبنان، الا انه بالحقيقة مدمر لبنان، ونصر الله يعرف تماما ما نعرفه، ويعرف قدراتنا بشكل جيد وهو على ثقة اننا لا نتكلم كلامًا فارغًا، "وفي حال المواجهة سنفعل ما نقول، وهو ليس احمق، ولن يقوم بمغامرات فهو الآن يرى مثلًا أن اكثر من نصف قياداته الرفيعة ليست معه حول الطاولة وانه جرب قوتنا في حرب لبنان الثانية ولا أراه يريد اعادة الكرة".

إنسان ثوري
عن السعودية، قال بالتي إن ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان انسان ثوري وقام بثورة كبيرة في بلاده ويقوم بعمل جبار وكبير، وانه استطاع تغيير سلم الاولويات داخل المملكة، ورؤية 2030 تؤكد انه يعرف تمامًا أن السعودية لن تستطيع الاستمرار بالاعتماد على النفط فقط كدخلها الاول والأخير واستطاع خلال فترة وجيزة جلب استثمارات تريليونية من مصادر اخرى داخلية وخارجية وخصخصة ارامكو دليل على النجاح واقامة مدينة المستقبل "نيوم" دليل آخر على رؤية ثاقبة للمستقبل والنجاح في ما يطرحه الامير وقيادة السعودية.

عن إمكانية انضمام السعودية إلى اتفاقية سلام مع إسرائيل، أجاب: "أقول للسعوديين عندما ترون ذلك مناسبًا فنحن هنا ومستعدون للاتفاق والمضي قدمًا".

واشار إلى أن السعودية تولي اهتمامًا كبيرًا للقضية الفلسطينية، لكن هذا لا يمنع من أن تكون المملكة العربية السعودية شريكة لنا ولو عن بعد في الاستقرار بالمنطقة ومواجهة الخطر الإيراني علينا جميعًا، "فإيران لن تقبل السعودية كدولة عربية اسلامية سنية ولن تقبل الامارات والاردن ومصر والبحرين وغيرها من الدول السنية وترى أنهم العدو. والنظام الإيراني الشيعي لا يزال يفكر من منطق الانتقام للحسن والحسين ولن يتغير، ونحن نرى هذا خطرًا علينا وعليهم بنفس القدر، لأنه يريد السيطرة على المنطقة بأكملها.