باريس: يبحث وزراء خارجية الدول الأوروبية الكبرى والولايات المتحدة الخميس مسألة إعادة إحياء اتفاق 2015 المبرم مع إيران بشأن برنامجها النووي، قبل أيام من انقضاء مهلة نهائية حددتها طهران ستفرض من بعدها قيودا على عمليات التفتيش.
واستضاف وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان نظيريه الألماني والبريطاني في باريس وقد انضم إليهم وزير الخارجية الأميركي الجديد أنتوني بلينكن عبر الفيديو.
ويشير محللون إلى أنه لا تزال هناك فرصة لإنقاذ الاتفاق التاريخي الذي تلقّى ضربة قاضية تقريبا عندما أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب انسحاب بلاده منه عام 2018، وأعاد فرض عقوبات على الجمهورية الإسلامية.
ورد إيران بتعزيز أنشطتها النووية ما يشكل انتهاكا للاتفاق.
وبحسب جدول المواعيد يعقد الوزراء الأوروبيون اجتماعا عند الساعة 15,00 ت غ، وينضم غليهم بلينكن عبر الفيديو من واشنطن عند الساعة 16,30 ت غ.
وقال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في تصريح للصحافيين في باريس إن "الخطوات التي اتّخذتها إيران مؤخرا لا تساعد على الإطلاق"، معتبرا أنها تشتمل على "مخاطر" قد تنسف عودة الأميركيين إلى الاتفاق.
وتابع ماس "إيران على ما يبدو غير مهتمة بخفض منسوب التوتر، بل بالتصعيد. إنهم (الإيرانيون) يلعبون بالنار".
وأعربت إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن عن استعدادها للانضمام مجددا إلى الاتفاق والبدء برفع العقوبات إذا عادت إيران للإيفاء بكامل التزاماتها المنصوص عليها فيه، وهو شرط بدت إيران التي يشهد اقتصادها تدهورا، غير راضية عنه.
ورفضت إيران اشتراط تقيّدها التام بمندرجات الاتفاق قبل عودة الولايات المتحدة للالتزام بمفاعيله، وهي عزّزت أنشطتها النووية في مواجهة حملة "ضغوط قصوى" أطلقها ترامب ضد طهران لإضعاف نظامها في ظل قطع العلاقات بين البلدين منذ أربعة عقود.
وينص الاتفاق النووي المبرم في فيينا في العام 2015 على تقديم إيران ضمانات بعدم السعي لبناء قنبلة نووية في مقابل تخفيف تدريجي للعقوبات الدولية.
يتوقّع أن يكون المسار الدبلوماسي على قدر كبير من الحساسية، ومن شأن انقضاء مهلة حدّدها مجلس الشورى الإيراني في كانون الأول/ديسمبر عقب اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده في عملية تتّهم طهران إسرائيل بتدبيرها، أن يزيد من تعقيدات هذا المسار.
وتعتزم إيران فرض قيود على بعض عمليات التفتيش التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في حال لم ترفع واشنطن عقوباتها التي فُرضت منذ 2018.
ويتوجه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي السبت إلى طهران لعقد محادثات مع السلطات الإيرانية تهدف إلى إيجاد حل يمكّن الوكالة من مواصلة عمليات التفتيش في إيران، بحسب الهيئة الأممية.
وأبدى روحاني استعداده لاستقباله قائلا "إذا أراد أن يفاوض، يمكنه أن يفاوض، لا مشكلة لدينا في ذلك".
وحذّرت الهيئة من "التداعيات الخطيرة" للخطوة التي تهدد بها إيران على "أنشطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق والمراقبة في البلاد".
في واشنطن، صرّح المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس أن على إيران أن "تتعاون بشكل كامل وفي الوقت المناسب" مع الوكالة، وأن تتراجع عن خطواتها الأخيرة التي تشكل انتهاكا للاتفاق.
وأفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبوع الماضي أن إيران بدأت إنتاج اليورانيوم المعدني في انتهاك جديد للاتفاق، يفاقم المخاوف من امتلاكها الوشيك قدرات تخوّلها بناء سلاح نووي.
وقال مدير الملف الإيراني في "مجموعة الأزمات الدوليّة" علي واعظ إن "البرنامج النووي الإيراني ينمو يوما بعد يوما، في حين الوقت الذي يتطلّبه تخصيبها اليورانيوم بالنسب الكافية، آخذ بالتقلّص".
ويحدد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي السياسة الإيرانية في نهاية المطاف، لكن يمكن أن تفاقم الانتخابات الرئاسية الإيرانية المرتقبة في حزيران/يونيو الضغط من ناحية الوقت.
ومن المنتظر أن يغادر روحاني المدافع عن الدبلوماسية مع القوى الكبرى، منصبه بعد انقضاء ولايتيه -- وهو الحد الأقصى الذي يمكن أن يقضيه أي رئيس في المنصب. ويتوقع أن تخلفه شخصية أكثر تشددا.
وقالت المحللة البارزة لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية إيلي جيرانمايه إن واشنطن يجب أن تتحرّك سياسيا وعمليا بشكل يظهر للإيرانيين بأن إدارة بايدن "تنأى بنفسها عن سياسة الضغوط القصوى التي شهدتها حقبة ترامب".
وتابعت "هناك نافذة زمنية قصيرة للغاية للحد من الأضرار التي قد تنجم عن خطوات إيران المقبلة، مثلا عبر التخفيف من تداعيات خطوات كهذه على نوعية عمليات التفتيش التي يجريها المراقبون الدوليون".
وقال واعظ إن "المعضلة التي تبدو مستحيلة يمكن حلها"، إذا كان الطرفان مستعدين لاتخاذ "خطوات ذات تزامن وثيق".
وأوضح أن هذا الأمر يتطلّب تراجع واشنطن عن قرار الانسحاب من الاتفاق النووي والسماح بتقديم صندوق النقد الدولي قرضا طارئا لإيران في مقابل تجميد طهران "أبرز النواحي الإشكالية" لبرنامجها النووي.
وشدد خامنئي الأربعاء على أن إيران تنتظر بأن تتحرّك الإدارة الأميركية بشكل من شأنه أن يساعد اقتصادها.
التعليقات