جاء في تقرير رسمي تم رفعه إلى الرئيس الأميركي جو بايدن وأعضاء الكونغرس أن على الولايات المتحدة وحلفائها رفض الدعوات المطالبة بفرض حظر عالمي على أنظمة الأسلحة التي تعمل بالذكاء الإصطناعي.

وجاء في التقرير أن استخدام الذكاء الإصطناعي "سيقلص فترات اتخاذ القرارات" ويمّكن من القيام بردود عسكرية لا يمكن للبشر أن يقوموا بها بمفردهم.

ويحذر التقرير من أنه من غير المرجح أن تلتزم الصين وروسيا بالحظر إذا دخل حيّز التنفيذ. ولكن المعارضين يقولون إن المقترحات التي يتضمنها التقرير قد تؤدي إلى اندلاع سباق تسلح "غير مسؤول".

فقد قال نول شاركي، الناطق بإسم حملة إيقاف الروبوتات القاتلة "هذا تقرير مرعب ومخيف قد يؤدي إلى انتشار الأسلحة التي تعمل بالذكاء الإصطناعي التي تصدر بمفردها قرارات حول من ينبغي أن يُقتل".

وأضاف "حذّرهم أهم العلماء في مجال الذكاء الإصطناعي من عواقب هذا القرار، ولكنهم قرروا المضي قدما به".

وقال "سيؤدي هذا إلى انتهاكات خطيرة للقانون الدولي".

ولكن التقرير يقول إنه إذا كانت أنظمة الأسلحة الذاتية قد خضعت لاختبارات أصولية وعملت تحت إمرة قائد عسكري بشري، فإنها ستكون متوافقة مع القانون الإنساني الدولي.

أصدرت هذه التوصيات اللجنة الأمنية الوطنية للذكاء الإصطناعي، وهي هيئة يترأسها المدير السابق لشركة غوغل أريك شميت ونائب وزير الدفاع السابق في إدارتي أوباما وترامب روبرت ورك.

وتضم اللجنة في عضويتها المدير التنفيذي الجديد لشركة أمازون أندي جاسي ومديري شؤون الذكاء الإصطناعي في غوغل وشركة مايكروسوفت د. أندرو مور ود. أريك هورفيتز ومديرة شركة أوراكل سافرا كاتز.

الحد النووي

ويركز جزء كبير من التقرير على كيفية مواجهة طموح الصين لأن تصبح رائدة العالم في مجال الذكاء الإصطناعي بحلول عام 2030.

ويقول التقرير إن كبار القادة العسكريين حذروا من أن الولايات المتحدة "قد تخسر تفوقها العسكري والتكنولوجي في السنوات المقبلة" إذا سبقتها الصين في استخدام أنظمة التسلح التي تعمل بالذكاء الإصطناعي، على سبيل المثال عن طريق استخدام اسراب من الطائرات المسيرة لمهاجمة البحرية الأمريكية.

يقترح التقرير استخدام أنظمة الذكاء الإصطناعي في المناورات العسكرية المستقبلية الكبرى
Getty Images
يقترح التقرير استخدام أنظمة الذكاء الإصطناعي في المناورات العسكرية المستقبلية الكبرى

ويقول التقرير "تحاول وزارة الدفاع، التي طالما ركزت على المعدات العسكرية التقليدية كالسفن الحربية والطائرات والدبابات، التحول إلى الأنظمة التي تعتمد على برامج الكمبيوتر بشكل كبير".

ويمضي للقول "إذا لم تجهز قواتنا بأنظمة تعمل بالذكاء الإصطناعي بناء على أفكار جديدة متفوقة على أفكار أعدائها، فستخسر تفوقها وتكون مشلولة في تعقيدات ميادين المعارك".

ويتنبأ التقرير بأن الذكاء الإصطناعي سيحدث تحولا جذريا في "كل أوجه الشؤون العسكرية"، ويتطرق إلى برمجيات متنافسة تواجه بعضها البعض في المستقبل.

وبينما يحذر التقرير من أن أنظمة الذكاء الإصطناعي المصممة بشكل سيء قد تزيد من مخاطر اندلاع الحروب، لكنه يضيف بأن "مواجهة قوى معادية مزودة بقدرات الذكاء الإصطناعي دون التمتع بهذه القدرات هو طريق يؤدي إلى كوارث".

ولكن التقرير لا يدعو إلى إشراك الذكاء الإصطناعي في قرار استخدام الأسلحة النووية، ويؤكد على أن هذه الصلاحية يجب أن تكون بيد رئيس الجمهورية كما هي الآن.

ويقول إن على البيت الأبيض حث موسكو وبكين على إصدار التزامات وتعهدات علنية حول هذا الموضوع.

"نزيف أدمغة"

يقوم الجيش الأمريكي باختبار عدة أنواع من الأنظمة الروبوتية، ولكن الكثير من الذكاء الإصطناعي الذي يتحدث عنه التقرير يتعلق بالتخطيط والتنسيق للعمليات الحربية
Getty Images
يقوم الجيش الأمريكي باختبار عدة أنواع من الأنظمة الروبوتية، ولكن الكثير من الذكاء الإصطناعي الذي يتحدث عنه التقرير يتعلق بالتخطيط والتنسيق للعمليات الحربية

بدأت اللجنة اعمالها في مارس 2019، وهذا هو تقريرها النهائي.

ويقول التقرير إن التحذيرات التي صدرت سابقا حول التهديدات التي تواجه الأمن الوطني الأمريكي التي تشكلها أنظمة الذكاء الإصطناعي قد تم تجاهلها، ولكن ما زال هناك "حيّز" لإتمام التغييرات المقترحة إذا اتخذ الرئيس بايدن وغيره من الساسة الخطوات السريعة المطلوبة.

ولا يحصر التقرير مقترحاته بالجانب العسكري فقط، فقد دعا إلى مضاعفة انفاق الولايات المتحدة في مجالات الذكاء الإصطناعي غير العسكرية بحيث يصل إلى 32 مليار دولار بحلول عام 2026.

وتشمل المقترحات الأخرى التي تضمنها التقرير ما يلي:

  • تشكيل هيئة جديدة تساعد رئيس الجمهورية في توجيه سياسات الذكاء الإصطناعي الأوسع مجالا.
  • تخفيف قيود الهجرة للمساعدة في استقطاب المواهب من الدول الأخرى، بما في ذلك بذل جهود من أجل زيادة "نزيف الأدمغة" من الصين.
  • تأسيس جامعة جديدة تكون مهمتها إعداد وتدريب موظفين حكوميين يتمتعون بقدرات رقمية.
  • تسريع اعتماد التقنيات الحديثة في أجهزة الاستخبارات الأمريكية.

يذكر أنه بينما يعمل اعضاء اللجنة بصفتهم الشخصية، شاركت الكثير من الشركات التي يعملون فيها في التنافس من أجل الحصول على عقود لوزارة الدفاع وغيرها من الدوائر الحكومية تتعلق بالذكاء الإصطناعي.

ومن هذه العقود عقد قيمته 10 مليارات دولار منح لشركة مايكروسوفت، وهو عقد طعنت فيه أمازون أمام القضاء.

تحديد الشرائح

كما يركز التقرير على أهمية أن تحدد الولايات المتحدة قدرة الصين على انتاج الشرائح الكمبيوترية المتطورة.

وجاء فيه، "إذا تفوق منافس ما على الولايات المتحدة في مجال تطوير وانتاج الشرائح على المدى البعيد، أو إذا تمكن من منعها من الحصول على هذه الشرائح بشكل كامل، فستكون لهذا المنافس اليد العليا في كل مجال من مجالات الحروب".

وينصح بأن تظل الولايات المتحدة متفوقة بجيلين على الأقل على قدرات الصين في انتاج الشرائح الإلكترونية.

ما زالت الصين تعتمد على ما تستورده من الخارج من المعدات الأكثر تطورا
Getty Images
ما زالت الصين تعتمد على ما تستورده من الخارج من المعدات الأكثر تطورا

ويقول التقرير إنه من أجل تحقيق ذلك، على الحكومة الأمريكية أن تمنح حوافز ضريبية للشركات التي تؤسس مصانع لانتاج الشرائح على الأراضي الأمريكية.

ويقول إنه من الضروري فرض قيود تمنع الصين من استيراد الآلات الفوتوليثوغرافية الضرورية لانتاج النماذج الأكثر تطورا من الشرائح ذات الترانزيستوراتالأصغر حجما.

ويتطلب ذلك، حسب ما جاء في التقرير، التعاون مع حكومتي هولندا واليابان، التي تتخصص شركاتهما في انتاج هذه الآلات.

إضافة إلى ذلك، يقول التقرير إن على الشركات الأمريكية التي تصدر الشرائح إلى الصين إثبات أن هذه الشرائح "لن تستخدم لتسهيل ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان"، وإن عليها رفع تقارير كل أربعة شهور لوزارة التجارة الأمريكية تتضمن كميات الشرائح التي صدرتها إلى الصين.

ويأتي هذا بعد الادعاءات الأخيرة بأن الصين استخدمت شرائح من انتاج شركتي إنتل وإنفيديا الأمريكيتين لمراقبة ومتابعة أفراد أقلية الويغور في إقليم شينجيانغ.

توترات سببها الشرائح

وكان الرئيس الأمريكي بايدن قد أمر بالفعل باجراء مراجعة لقطاع انتاج الشرائح في الولايات المتحدة، وتعهد في الأسبوع الماضي بدعم برنامج ينظر فيه الكونغرس وتبلغ قيمته 37 مليار دولار لتعزيز الانتاج المحلي لهذه المواد.

أدى شح في الشرائح الألكترونية في مصانع السيارات الأمريكية إلى أن يناقش الرئيس بايدن موضوع صناعة الشرائح في الأسبوع الماضي
Getty Images
أدى شح في الشرائح الألكترونية في مصانع السيارات الأمريكية إلى أن يناقش الرئيس بايدن موضوع صناعة الشرائح في الأسبوع الماضي

ويتركز انتباه الكثيرين على هذا الموضوع في الوقت الراهن نتيجة شح الشرائح الذي يواجهه قطاع صناعة السيارات في الولايات المتحدة.

ولكن الصين تنظر إلى الموضوع على أنه حيوي لطموحاتها أيضاً، ووعدت وزارة الصناعة وتقنية المعلومات الصينية يوم الإثنين بأنها "ستدعم بقوة" منتجي الشرائح الصينيين.

وكانت بكين قد قالت سابقاً إنها تريد أن تنتج 70 في المئة من الشرائح المستخدمة محليا بحلول عام 2025.

ويسعى مصنعو الشرائح وأشباه الموصلات (semiconductors) في الصين إلى الحصول على آلات فوتوليثوغرافية مستعملة من أجل ذلك، وجاء في تقرير لنيكاي آسيا أن هؤلاء استحوذوا على حوالي 90 في المئة من المعروض من هذه الآلات.

ولكن هذه الآلات قديمة وغير قادرة على انتاج الشرائح الأكثر تطورا، وهي الشرائح المطلوبة حاليا في أحدث الهواتف المحمولة وغيرها من المنتجات الاستهلاكية علاوة على الاستخدامات العسكرية.