ايلاف من الرياض: صحفيون عرب كثر واكبوا ولادة ايلاف منذ البداية من هؤلاء الصحفي والكاتب اياد ابو شقرا، والذي خص ايلاف بهذا الحديث وقال: قبل ٢٠ سنة انطلق مشروع يسعدني أنني واكبته.

واكبته فكرة ثم صار مشروعاً .. قبل أن يترجم إنجازاً رائداً في مسيرة الصحافة العربية.

علاقة الصداقة جمعتني بعثمان العمير قبل أكثر من ٤٠ سنة في بيئة صحافية لندنية، توثقت بمرور الأيام.

وتعزّزت العلاقة بعد حين عندما تولى رئاسة تحرير "الشرق الأوسط"، ولم تذبل في أعقاب مغادرة عثمان… وسيره قدماً في تحقيق حلم الخروج من تقليدية الصحافة الورقية، واقتحامه فضاء الإعلام الإلكتروني.

أذكر جيداً تلك الليلة، في إحدى ضواحي لندن، التي كنا فيها أربعة زملاء أصدقاء: عثمان وأمير طاهري وبكر عويضة وأنا.

من اليمين: عثمان العمير وإياد أبو شقرا وبكر عويضة. لندن. ٢٢ فبراير ٢٠٢٠

في تلك الليلة بحث معنا عثمان لأول مرة مشروعه بصورة جدية. وفاتحنا بـ "فلسفته" ورؤيته، وكذلك بالاسم الذي اختاره ودلالاته ومعانيه.

لساعات قليلة، أدلى كل منا بدلوه.

حماسته أقلقت بعضنا لبرهة.

المتحفظ منا سأله: "المشروع رائع، يا عزيزنا، ولكن هل أنت واثق من أن الجمهور جاهز نفسياً لمغامرة من هذا النوع المثير؟"

وقال آخر: "لا شك في أن المستقبل للتكنولوجيا المتقدمة، والتطور سنة الحياة… لكن هل سيحقق هذا المشروع الاختراق الإعلاني الذي يغذيه ويضمن استمراره؟".

ثم طرح سؤالًا عن احتمال ظهور منافسين تقف خلفهم مؤسسات حسنة التمويل… وكيف سيستطيع بفكرته، المسلحة عملياً برؤيويته وحماسته فقط، أن تجابه مثل هذا التحدي عندما يظهر؟

على كل هذه التساؤلات كان عثمان يجيب بثقة تامة.

كان مقتنعاً بأن لا بديل عن استشراف المستقبل واقتحامه، فالصحافة الورقية قد تستطيع الصمود والنزف لبعض الوقت… لكنها - في رأيه - لن تكون جزءاً من مستقبل الإعلام.

منذ تلك الليلة تسارع إيقاع المشروع، وكنا نواكب انهماك عثمان الشغوف بـ "وليده" الواعد.

كان دؤوباً في دعوتنا للاطلاع على أحدث التصاميم الفنية الإخراجية، وإبداء الرأي في الخطط التدريبية والتشغيلية.

المشورة القائمة على الثقة كانت دائماً في صلب العمل مع عثمان العمير؛ لكنه بعد استمزاج الرأي مصغياً لمن يثق بهم، كان يتخذ قراراته منفرداً بحزم … وبلا إبطاء.

هذا الحزم ذلل أمام مشروع "إيلاف" كل العقبات التي يمكن أن تزرع الشك عند سواه.

كان اقتناعه بفكرته مطلقاً، ولهذا نجح. وبعد "إيلاف" انهار سد الرتابة أمام زخم التقدم… أمام تزاوج التكنولوجيا، بما فيها العمل عن بعد، مع عولمة المعرفة واتساع الآفاق ومواكبة التغيير الدائم.

أثبتت "إيلاف"، التي تطفئ اليوم شمعتها العشرين، صحة رهانها في ضوء المتغيرات التي عصفت بالصحافة التقليدية، بما فيها أسماء عريقة كانت حتى الأمس القريب ملء السمع والبصر… واليدين.

اليوم، العديد ممّن تبقى منها ودّع اليدين بعدما طلّق الورق واكتفى بـ "الأونلاين" … بل جعل من "الأونلاين" الأصل والمصير والمورد.

نحن نرى اليوم النسبة الأعلى من جمهور أعرق أسماء الصحافة العالمية تقرأ صحيفتها المفضلة إلكترونياً. وعبر "الأونلاين" فتحت نوافذ ريادية أخرى للتمويل والتخصص والتكامل في الخدمة الإعلامية.

من ناحية أخرى، بدأت منذ عام ونيف حقبة جديدة دخلناها ولم نخرج منها بعد. إنها حقبة "كوفيد-١٩" التي شهدت ليس فقط تجاوز الصحافة الورقية، بل تعيش احتمال "تقاعد" المقر الموحّد وقاعة التحرير المشتركة للصحف والمجلات، وانحسار العملية التقليدية لإنتاج المحتوى لصالح إعلام تواصلي-تفاعلي ثوري يقوم على تكنولوجيا العمل عن بُعد.

أكثر من هذا؛ إن الشهور والسنوات المقبلة حُبلى بالمزيد… وعلى رأسه "الذكاء الاصطناعي" الذي سيغدو جزءاً لا يتجزأ من صحافتنا في فترة أقصر بكثير مما يظن كثيرون.

نحن، إذاً، أمام ثابت واحد هو حتمية التحوّل.

عثمان العمير و"إيلاف" سارا قبل ٢٠ سنة في بداية طريق هذا النوع من التحوّل… الذي انطلق ولن يتوقف.