إيلاف من القاهرة: عقب أيام من مغادرة المبعوث الأممي مارتن غريفيث صنعاء، وإثر إعلان المبعوث الأميركي تيموثي ليندركينغ بغير حرج -وليس على (المبعوث) حرج- عن التصريح بمسئولية الحوثيين عن عرقلة مساعي السلام، وبعد سنين من التمنع عن الاستعانة بجهود سلطنة عمان، ثم أسابيع وأيام من الضغوط المكثفة، وإحساس دائم بمعاناة الجميع من "اليمننة".. وصل الوفد السلطاني العماني إلى صنعاء نهار آخر الأسبوع المنصرم مصطحباً بعض قياديي جماعة أنصار الله (الحوثيين) المقيمين طويلاً بفنادق ثم فيلل مسقط.
التكهنات والتحليلات في ظل التكتم الشديد تدفقت بما قد يحمله الوفد العماني من رسالة أو رسائل موجهة إلى الحوثيين من المجتمعين الإقليمي والدولي، بعد سيل المبادرات ومشاريع إعلانات مشتركة وتصريحات وتغريدات من مستويات عليا بدت كأنها تخطب الود وتمد يد السلام إلى من يبدي تمنعاً وهو راغب في اللقاء. صعدت أسهم التفاؤل والتشاؤم وهبطت في بورصة التحليلات، بينما يثبت "التشاؤل" عند مستواه الطبيعي يراقب عن بعد ويحاول مع من يحاولون استكشاف المحتمل من سطور الرسائل الشفهية غير المعلنة، وما وراء الآكام المتخمة بالألغام والتصعيد بإحراق البشر، والهجمات العسكرية والغارات "الدفاعية".
العجيب أن الحرائق والهجمات والغارات الأخيرة تزامنت ووصول الوفد السلطاني، وعدم كف الميليشيات عن محاولة التقدم إلى مأرب ودعوة رفد الجبهات، فأسفرت عن مأساة إنسانية فادحة ذهبت ضحية نيرانها طفلةٌ جددت ذكرى ما أصاب طفلةً في عينيها جراء إحدى غارات التحالف على صنعاء عام 2017، وأصبحتا معاً من الأمسين البعيد والقريب وسماً لهاشتاج واسع التداول.. ضمن ما يتداوله الناس في كل العالم عن "اليمننة" أو مأساة اليمن من #عيونبثينة إلى #إحراقليان، وكل الخوف من إحراج عمان وإحباط مسعاها بتحقيق #السلام_لليمن.
ويبقى السؤال: ماذا حمل الوفد السلطاني العماني معه إلى قيادة حركة أنصار الله التي تعيش وتتعيش على "وهم النصر" كما يُروَّج له خارجياً لكي يتقبل التعايش مع واقع ضغوط إقليمية ودولية لوقف النار في اليمن، والهجمات على المدن السعودية، تمهيداً للتفاهم مع بقية الأطراف المعنية بموجب المشاريع الأممية، أو المبادرة السعودية أو المقترحات الأميركية وكلها بذات المضمون.
لم يكشف حتى الآن عن فحوى نص محمول عمانياً في آخر ربيع 2021 لن يختلف عما حمله مبعوثون أميركيون أول ربيع 1963 بعد ثورة اليمن وصدام القاهرة – الرياض. إذ نقلوا من الرئيس جون كينيدي إلى كل من الرئيس جمال عبدالناصر وولي العهد الأمير فيصل بن عبدالعزيز ما حال دون تمادي الطيران المصري في القصف الجوي على الجنوب السعودي، وبدأت الجولات المكوكية بين واشنطن والقاهرة والرياض - جدة ونيويورك فأسفرت جهود السفير إلسوورث بانكرز يومذاك عن إبرام اتفاق فك الارتباط أو الانفكاك، فمهد الطريق لبعثة مراقبة أممية خالفها الحظ لعدم الانفكاك سياسياً.
المهم أن النصوص الأميركية من نصف قرن لم تترك كلمةً لأي قائل بأي جنسية يمكن أن يأتي في هذا القرن بخلاف معناها ومغزاها، تبعاً لثبات السلوك الإنساني وانعدام الأفق "اليماني". وما لا يبعد أن الوفد السلطاني العماني وقد لبث بصنعاء "يوماً أو بعض يوم" كـ"ألف سنة مما تعدون"، سيحمل ذات ما بعثه كينيدي إلى عبدالناصر بواسطة السفير جون بادو: "إن ما قد يعطي المحادثات فرصة أكبر للنجاح هو وقف الهجمات العسكرية ضد السعودية، لأنها تؤثر على مساعينا.." وزاد يقول: "إن ضبط النفس أو عدم التعليق من واشنطن على ما يصيب المملكة السعودية من هجمات لا يعني الموافقة.. وإن ما تقبلناه في اليمن لا يُمكِنُنا من تقبله ضد السعودية فلا تجبرنا إجراءاتكم على ترجيح غيركم".. وختم الرسالة بالنصيحة: "إن سرعة تعديل الموقف سيخفف حدة الأضرار".
ولدى ولي العهد السعودي حينها فيصل صدرت مداخلات السفير بانكرز بأنه "لا يحول دون مساعدتكم فيما تواجهون عدا محاولة الإطاحة بحكومة اعترفنا بها، فهذا سيضعنا بموضع مخالفة قانونية دولية" فأقنعت فيصل بضرورة دعم المساعي السلمية وكف دعم الأنشطة المضادة للجمهورية الوليدة بصنعاء وقد حازت اعترافاً دولياً وإقليمياً واسعاً حينذاك، يفتقر إليه من بصنعاء الآن.
إذاً بمثل تلك المفردات الأميركية تحققت تهدئة مؤقتة، وبعد سنين هدأت تماماً. واليوم تحاول الحكمة "العمانية" احتواء الموقف، مراعاةً لعلاقاتها بمن هم أكبر وأقدر تأثيراً، فهل تجد حكمةً "يمانية" تستجيب لتلك المفردات التي تحقق معادلة #السلاملليمن مع #الأمنللسعودية وبقية دول المنطقة.
التعليقات