إيلاف من بيروت: مع تصاعد هجمات الميليشيات العراقية خلال الأسابيع الماضية ضد القوات الأميركية في العراق وسوريا، بدا لافتا أن هناك تحوّلاً في استراتيجية عمل تلك الفصائل عبر اعتماد نهج الهجمات المزدوجة (الصواريخ والطائرات المسيّرة) في آن واحد، في تكتيك تسعى من خلاله إلى إرباك المنظومة الدفاعية في رصد ومتابعة الهجومين في اللحظة ذاتها، بحسب تقرير مفضل نشره موقع "العربية.نت".
ما حقيقة ما يجري في العراق أخيراً؟ وماذا تعني الهجمات الصاروخية والجوية عبر المسيّرات كالتي حصلت على قاعدة عين الأسد التي تضم عسكريين أميركيين في محافظة الأنبار غرب العراق قبل أيام؟
امتصاص الصدمة
في هذا السياق، رأى الباحث العراقي فراس الياس، المتخصص في الشؤون الاستراتيجية والأمن القومي، في مقابلة مع "العربية.نت" "أن دخول سلاح الطائرات المسيّرة في الصراع القائم في العراق هدفه امتصاص حالة الصدمة التي تُمارسها الولايات المتحدة الأميركية في العراق".
وأوضح أن "اللافت في تلك الهجمات تبنيها من قبل خلايا ناشئة غير معروفة وكأنها هجمات شبحية".
كما أشار إلى أن واشنطن بدأت تشغيل منظومة Dedrone لإسقاط الطائرات المسيّرة، بعدما تبيّن أن الدرون التي تستهدف منشآتها هي طائرات انتحارية - كاميكاز ذات مهمة واحدة".
وأوضح "أن التحوّل الأخير في استراتيجية عمل تلك الفصائل المسلّحة، وتحديداً الخلايا المهاجمة المُرتبطة بها هيكلياً وإدارياً وأيديولوجياً (حتى لو أنه لا يوجد حتى اليوم ملامح واضحة حول طبيعة هذا الارتباط)، جاء نتيجة أسباب عدة، أبرزها فاعلية منظومات الدفاع الجوي C-RAM الذي أدخلته الإدارة الأميركية للخدمة من أجل احتواء الصواريخ، إضافةً إلى الفجوة الكبيرة التي خلقها موت قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني على الساحة العراقية، باعتبار أنه كان ضابط إيقاع هذه الفصائل إن على مستوى التهدئة أو التصعيد مع الأميركيين".
وتابع قائلا "لذلك كان لا بد من إيجاد وسائل أخرى من أجل سدّ فراغ الاستراتيجية التي كان يؤسسها سليماني في العراق ومن أجل إعطاء زخم أكبر لقائد فيلق القدس الجديد إسماعيل قاآني. من هنا بدأنا نرى تصاعد الهجمات عبر المسيّرات "الدرون" فضلاً عن مهاجمة قوائم الدعم اللوجستي عبر العبوات الناسفة بالتوازي مع انتهاج خطاب سياسي جديد يوائم التحوّل السياسي الذي تشهده الساحة الأفغانية ومحاولة استنساخ هذا النموذج في العراق".
عن مركزية القرار
إلى ذلك، قال إلياس الذي أصدر كتاباً منذ أيام بعنوان "مركزية العراق في العمق الاستراتيجي الإيراني": "كان هناك مركزية في القرار والعمل الاستراتيجي للفصائل المسلّحة عندما كان سليماني موجوداً، لكن غيابه أحدث تحوّلاً جديداً في فكر فيلق القدس بالعراق، بحيث تم الانتقال من النمط المركزي في العمل إلى اللامركزية، وتحوّلت العلاقة من فيلق القدس بالفصائل المسلّحة إلى الفصائل المسلّحة بالخلايا الناشئة، وتم إعطاء الفصائل هامشاً من الاستقلالية في التحرّك دون العودة إلى فيلق القدس إلا في المسائل الجوهرية والمصيرية".
غير أن هذه الاستراتيجية الجديدة لم تأتِ على قدر آمال إسماعيل قاآني، على حدّ قول إلياس، لأنه بزياراته المتكررة إلى العراق فشل في ضبط إيقاع هذه الفصائل، كما أن اللامركزية أنتجت حالة من التمرّد بين قادة الفصائل وصراعاً بينها من أجل انتزاع مكانة لها تُشبه حالة أبو مهدي المهندس في إيران، والصراعات بدأت بين قيس الخزعلي وأكرم الشعبي وهادي العامري من أجل إثبات تفوّقهم أمام المسؤولين الإيرانيين".
كما أوضح أن "الملف العراقي كان محصوراً بيد الحرس الثوري ممثلاً بفيلق القدس وقائده، لكن بعد مقتل سليماني وما رافق ذلك من إخفاقات عديدة للدور الإيراني في العراق، أدى إلى دخول مؤسسات إيرانية أخرى على المشهد العراقي، منها الخارجية الإيرانية وجهاز الاستخبارات وفيلق القدس".
ومع تطورات المشهد الجديد في إيران بنسخة الرئيس "إبراهيم رئيسي" المتشدد، فإن جملة متغيرات ستطرأ على مستوى عمل الفصائل العراقية الموالية وضبط "خلافاتها".
حالة من الوحدة
وفي السياق، اعتبر الباحث العراقي "أن وصول رئيسي إلى السلطة سيخلق حالة من الوحدة على مستوى الخطاب السياسي والسياسات الإيرانية في العراق. فهناك ثلاث مؤسسات إيرانية ستعمل وفق توجيهات المرشد: الرئيس الإيراني المتشدد، رئيس البرلمان المتشدد وأيضاً الحرس الثوري، ما يعني أننا سنشهد سياسة إيرانية واحدة في العراق، بعدما كان هناك خطابان: واحد دبلوماسي يُمثّله حسن روحاني وآخر تصعيدي يُمثّله الحرس الثوري".
وقبل فوز رئيسي كان هناك تنافس بين شخصيتين إيرانيتين نافذتين في العراق، إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس وأصغر حجازي مدير المكتب العسكري للمرشد علي خامنئي والمسؤول عن الهيئة التنسيقية للمقاومة العراقية.
وفي الإطار، تحدّث إلياس "عن هيئتين مسلّحتين في العراق، الهيئة التنسيقية للمقاومة المرتبطة بحجازي أي بمكتب المرشد وكتائب حزب الله العراقية التي تتبع لها، وفصائل محور المقاومة التي تتبع لفيلق القدس الإيراني، لكن مع وصول رئيسي إلى السلطة فإن حالة التنافس بين هاتين الهيئتين ستنتهي".
حزب الله الاستراتيجي
أما عن دور حزب الله اللبناني في رفع قدرات الفصائل المسلّحة، فاعتبر الدكتور فراس إلياس "أنه الداعم اللوجستي والعمق الاستراتيجي لكل الفصائل المسلّحة التابعة لإيران في المنطقة، وهو لعب دوراً كبيراً في إعادة هيكلة تلك الفصائل سواء على مستوى القتال وإرسال مستشارين إلى العراق تحديداً للإشراف على تدريبهم على استخدام طائرات الدرون وخوض الحروب النفسية والصواريخ، لاسيما 107 ملم"، وفقًا لـ "العربية.نت".
كما تحدّث عن دور محمد كوثراني، مسؤول ملف العراق في حزب الله في عمل الفصائل المسلّحة، فضلا عن القيادي الراحل عماد مغنية الذي تحتذي به العديد من الفصائل العراقية".
يذكر أنه منذ بداية العام، استهدف أكثر من 40 هجوماً المصالح الأميركية في العراق، بينها السفارة في بغداد وقواعد عسكرية عراقية تضم أميركيين، ومطاري بغداد وأربيل، فضلا عن مواكب لوجستية للتحالف الدولي ضد داعش، الذي تقوده واشنطن.
التعليقات