إيلاف من بيروت: أصدرت محكمة الإستئناف المدنية اللبنانية، برئاسة القاضي نسيب إيليا وعضوية المستشارتين القاضيتين روزين حجيلي وميريام شمس الدين بالإتفاق، رد طلبات الرد المقدمة من النواب اللبنانيين نهاد المشنوق وعلي حسن خليل وغازي زعيتر، والمتعلقة بكف يد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار عن التحقيقات في جريمة تفجير مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020 شكلًا لعدم الإختصاص النوعي، وإلزام المستدعين طالبي الرد دفع غرامة مالية مقدارها 800 ألف ليرة عن كل واحد منهم.

وبذلك، يعود القاضي البيطار إلى إستئناف تحقيقاته التي توقفت مع تقديم دعوى الرد، ما يعني استجوابه النواب والوزارء السابقين الذين قدموا فيه شكوى "الارتياب المشروع" من دون العودة إلى مجلس النواب لطلب الإذن بالملاحقة.

فقد جاء قرار محكمة الإستئناف المدنية رد الدعوى قبل 19 أكتوبر الحالي، وهو موعد بدء الدورة النيابية الجديدة، أي قبل تفعيل حصانة النوّاب والوزراء السابقين الذين استدعاهم إلى التحقيق.

هذه هي المرة الثانية التي يُعلق فيها التحقيق في انفجار 4 أغسطس 2020 الذي أدى إلى مقتل 214 شخصاً على الأقل وإصابة أكثر من 6500 آخرين بجروح، وتسبب بدمار واسع في العاصمة بيروت، وعزته السلطات إلى تخزين كميات كبيرة من "نيترات الأمونيوم" من دون إجراءات وقاية. وتبيّن لاحقاً أن مسؤولين على مستويات عدة سياسية وأمنية وقضائية، على رأسسهم رئيس الجمهورية ميشال عون، كانوا يعرفون بمخاطر تخزين هذه المادة ولم يحركوا ساكناً.

يأتي هذا القرار تحديًا لـ "حزب الله"، وتحديدًا لوفيق صفا، سؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب، الذي توجه إلى قصر العدل في بيروت في 19 سبتمبر الماضي، والتقى هناك برئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، وبمدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، وبمفوض الحكومة اللبنانية لدى المحكومة العسكرية فادي عقيقي، وقرأ عليهم مزامير تخوين القاضي بيطار، متهمه بالعمل وفق أهواء الأميركيين، وبالانجرار وراء الإعلام الذي يتهم حزب الله بتخزين مادة "نيترات الأمونيوم" في مرفأ بيروت، والتي أدى انفجارها إلى كارثة ما زالت مفاعيلها مستمرة.

حتى الساعة، لم ينسَ اللبنانيون رسالة صفا إلى بيطار... سوف "نقبعك". والقبع باللبناني لا يعني إلا الإزاحة بأي طريقة متاحة، حتى العنف والقتل. لذا، كان الارتياح عارمًا، حين عاد البيطار إلى ممارسة مهامه، خصوصًا أن سلفه القاضي فادي صوان تنحى عن هذه القضية بسبب تهديد فعلي بالقتل، وقد رمى أحدهم أمام باب بيته قطّاً مذبوحاً. لكن المفاجأة أن البيطار عاد وادعى على الوزراء السابقين والقادة الأمنيّين نفسهم الذين استهدفهم صوان. وهنا ثمة من يسأل: هل يعقل أن يتفق قاضيان، مشهود لهما بالنزاهة والشفافية، على استهداف حزب الله "البريء"؟ أم أنه ليس بريئًا؟ أليس هذا سؤال من نوع المنطق البسيط؟

يتخوف مراقبون من إقدام حزب الله، الذي تأكد له أن البيطار كان ينوي فعليًا استجواب بعض القياديين فيه، على خطوات تصعيدية، ربما تكون أمنية، لحرف التحقيق عن مساره، وإزالة المسألة برمتها، كما نجح فعليًا في إخفاء آثار التحقيق في اغتيال المعارض الشيعي لقمان سليم، أو في غيرها من المسائل. يقول هؤلاء المراقبون إن البلد مفتوحة على كافة الاحتمالات في هذه الأيام، خصوصًا أن لحزب الله مصلحة أخرى في إحداث بلبلة أمنية ما، وهي تأجيل الانتخابات النيابية المقررة بعد أشهر قليلة. فليس في صالحه الآن أن يحصل أي تعديل أو تغير في موازين القوى البرلمانية.