إيلاف من بيروت: إن النظام السوري مستعد لفعل أي شيء لإعادة تأهيله إقليميًا ودوليًا، أي لمحو الصورة المخيفة التي روجت له خلال الحرب. المزيد من الأيدي ممدودة للمصالحة مع بشار الأسد، لكن هل قضى النظام عقوبته بالفعل؟

إذا كان من الممكن اعتبار الستار الحديدي حول بشار الأسد قد فُك اليوم، يبدو أن بعض التغييرات المهمة حدثت اليوم: العزلة السياسية الإقليمية والدولية ليست الخيار الوحيد.

ماذا تغير؟

ازدادت جهود الأسد لإعادة دمج نظامه بالعالم العربي، والتخفيف من تأثير العزلة والعقوبات الدولية عليه. في الوقت نفسه، تُظهر دول عدة انفتاحًا واستعدادًا أكبر للحوار مع الحكومة السورية، ما يزيد من آمالها في محو عيوبها والعودة إلى تبوء مكانة إقليمية. وكان التطور الأخير وربما الأهم بهذا المعنى هو بالتأكيد ذوبان الجليد في العلاقات مع عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني، وفقًا لموقع "أياري" الإيطالي.

كانت بوادر التطبيع مع العدو السابق قد ظهرت في الترحيب الذي لقيه وزير دفاع النظام السوري في الأردن في سبتمبر الماضي، في أول زيارة علنية لضابط كبير منذ بداية الحرب الأهلية السورية، من أجل مناقشة تنسيق الأمن عبر الحدود.

مع ذلك، كان ثمة إشارات بعد إعادة فتح معبر نصيب، طريق عبور للبضائع بين أوروبا وتركيا والخليج، بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.

وآخر التطورات هي قرار الخطوط الجوية الملكية الأردنية استئناف الرحلات إلى دمشق بعد 10 سنوات من التوقف، ومكالمة هاتفية من الأسد إلى عبد الله الثاني ناقشا خلالها، بحسب بيان القصر الهاشمي "العلاقات بين البلدين الشقيقين وسبل تحسين التعاون".

سواء كان ذلك رغبة حقيقية من الأردن لإنهاء النبذ الدولي لسوريا وإنقاذ شقيق عربي، أو بالأحرى وسيلة لاستيعاب روسيا وطلب دعمها في سلوك إيران وميليشياتها على الحدود السورية - الأردنية، فذلك لا يهم. ففي الواقع، علمية إعادة تأهيل سوريا تسير على جبهات أخرى: لقد كثفت مصر جهودها لاستعادة سوريا مكانتها في العالم العربي، وقد استأنفت دول أوروبية جديدة (مثل صربيا) علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري، وألغى الإنتربول الإجراءات التصحيحية المفروضة على سوريا في عام 2012 وأعاد دمج البلاد رسميًا في شبكة تبادل المعلومات. ويمكن أن يتعرض الرئيس التركي رجب طيب إردوغان داخليًا وخارجيًا لضغوط من ناخبيه ومن روسيا لإحداث تحول مثير ، والعديد من الدول العربية تطالب بالمصالحة مع سوريا، وأخيرًا تم توقيع اتفاقية جديدة لتوريد الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان عبر سوريا.

لا ننسى أن الأسد، بدعم عسكري من إيران وروسيا، تمكن من استعادة الأراضي السورية كلها تقريبًا، تاركًا وراءه إدلب حيث يمكن أن تؤدي القوات التركية دور رأس الحربة.

يبدو أن 350 ألف ضحية (تم التقليل من شأنهم وفقًا للأمم المتحدة) في الصراع السوري وجرائم الحرب التي يُتهم الأسد بارتكابها تبدو منسية بالفعل وتسود المصالح الجيوستراتيجية.

لماذا الآن؟

مؤكد أن الدوافع المختلفة تدفع إلى انفتاح واسع تجاه النظام السوري الذي حول سوريا إلى دولة فاشلة في السنوات العشر الماضية، وأن النفوذ الروسي يشكل أحد الحوافز الرئيسية. بالنسبة إلى مصر ولقاء وزير الخارجية المصري سامح شكري مع نظيره السوري خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وهو الاجتماع الأول من نوعه منذ اندلاع الحرب السورية، فنحن بالتأكيد إزاء تحرك عربي أوسع لإعادة دمج سوريا، ومحاولة لعب دور ناشط في إنهاء الأزمة السورية.

في الواقع، تحرك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على عدة جبهات في الأشهر الأخيرة، ما يدل على إرادة العودة للعب دور مثير للاهتمام في المنطقة، كوسيط وشريك استراتيجي. لا ننسى أن جماعة الإخوان المسلمين التابعة لمحمد مرسي كانت على الدوام هي من أرادت معارضة الأسد وسوريا، والتي كان قد فصل نفسه عنها بالفعل بشكل واضح عن طردهم بعد الاستيلاء على السلطة والثورة.

الخطاب التركي هو خطاب أوسع يختلف اختلافا عميقا. على الصعيد الداخلي، تزداد قوة طلب مراجعة العلاقات مع النظام السوري بشكل إيجابي، لا سيما بالنظر إلى وجود العدد المتزايد من اللاجئين السوريين. في الوقت نفسه، فإن الطريقة الوحيدة لسحق الآمال الكردية بشكل نهائي هي التقارب مع الأسد.

خارج البلاد، من ناحية أخرى، ربما يدفع التقارب مع الكرملين والحاجة إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع بوتين في هذا الاتجاه. مؤكد أن هذه ليست احتمالات قريبة، وأقل سهولة في التنفيذ، وفي الواقع، سيؤدي تحول إردوغان إلى اضطرابات كبيرة في المنطقة، لكن هذا يترك مجالًا للحكومة السورية لإعادة التفكير في موقفها في هذه الأثناء.

من الجهات العربية الفاعلة الأخرى التي يمكن أن تؤيد إعادة الاندماج السوري، ومن بين أكثر المؤيدين إصرارًا، هناك دولة الإمارات العربية المتحدة التي أعادت فتح سفارتها في دمشق في عام 2018 بعد دعمها الأولي للمعارضة، وطالبت بإعادة عضوية سوريا في الدول العربية. وعلى نفس المنوال، لتونس سفارة في دمشق منذ عام 2015، والعراق ولبنان والجزائر لم تقطع علاقاتها مع سوريا. عُمان هي أول دولة خليجية أعادت سفيرها إلى سوريا؛ أما السعودية فتجري منذ بعض الوقت محادثات غير رسمية لإعادة إدماج السوريين، وأخيرًا موريتانيا والبحرين اللتان أعادتا العلاقات الدبلوماسية على مختلف المستويات.

ما الفوائد التي تعود على سوريا؟

بالنسبة إلى سوريا، فإن العلاقات الدافئة مع جيرانها العرب الذين يخدمون المصالح الاقتصادية لجميع البلدان، وكذلك إمكانية الخروج من عزلتها التي استمرت 10 سنوات والأمل في إضفاء الشرعية على نفسها دوليًا، هي بالتأكيد آفاق إيجابية.

ما يحدث هو إعادة تأهيل حقيقية لصورة سوريا التي يمكن أن يستغلها بشار الأسد في بلاده لإقناع الناس بشرعية سلطته وقوته وقيادته.

تحسين العلاقات بين الأردن وسوريا يخدم مصالح البلدين. سيستفيد الأردن من فرص اقتصادية مهمة للغاية، وستكسب سوريا فوائد سياسية لإنهاء عزلتها، على أمل إقناع دول المنطقة الأخرى بأن تحذو حذو المملكة الهاشمية. ويعتقد نظام الأسد بقوة أن هذا يمكن أن يعيد تأهيل صورته.

علاوة على ذلك، لم تسرِ شائعات حول احتمال عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، ولن يتم الانتظار مرة أخرى. وبفضل محاولات العراق والإمارات داخل الساحة العربية المختلة، سبق الحديث عن هذه القضية مرات عدة في هذا العام، وليس صعبًا التفكير في المصالح الطائفية للأشقاء العرب.

هل إعادة التأهيل ممكنة حقًا؟

على الرغم من أن الرغبة في "إعادة التأهيل" كبيرة، فإن شرعية سلطة الأسد التي استمرت متدنية عشر سنوات، وإعادة بناء صورة جديدة من الصفر، ليستا مسألتين سهلتين على الإطلاق.

مؤكد أن محاولة إظهار الشرعية من خلال انتخابات مزورة ليست كافية لإفساد العلاقات مع الدول الأخرى، حيث يتأثر الجزء الأكبر منها حقًا بالكرملين وبوظيفة معادية لإيران.

علاوة على ذلك، فإن إنهاء العزلة السورية التي استمرت منذ عام 2011 سيسمح للأسد بإخفاء مزاعم جرائم الحرب المتصلة به، ما يسمح له بالتهرب من مسؤولياته تجاه المدنيين السوريين بسهولة أكبر.

في أي حال، تُظهر الحوادث الأخيرة والتطورات الإيجابية للحكومة السورية أن تقرير ما إذا كان نظام الأسد قد قضى عقوبته بالفعل لن يكمن في تغيير في سلوكه أو شرعيته الداخلية الحقيقية المحتملة، بل في المصالح الجيوستراتيجية وفي آليات أوسع من التحالفات والمنافسات الجيوسياسية التقليدية في المنطقة.


أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "إياري".