واشنطن: تحقيق الازدهار - أو الحلم الأميركي - في بلاد مرهقة لأسباب عدة هو رهان الرئيس الأميركي جو بايدن الذي يواجه صعوبات كون مصير خطتيه الاستثماريتين معلقا على تصويت الكونغرس.

صباح الجمعة، دعا الرئيس الأميركي صحافيين للإشادة بأرقام التوظيف الجيدة التي سجّلت في تشرين الأول/أكتوبر. كذلك، رحّب الديموقراطي البالغ 78 عاما بالنتائج الأولية الإيجابية للحبوب المضادة لكوفيد والتي طوّرتها مجموعة فايزر، وأيضا بانطلاق حملة تلقيح الأولاد الذين تزيد أعمارهم على خمس سنوات.

لكن همّ الرئيس في مكان آخر: إنه في عجلة من أمره، كما يقول، لدخول المكتب البيضوي وإجراء مكالمات هاتفية لضمان تصويت الكونغرس على خططه الاستثمارية التي تبلغ قيمتها ثلاثة تريليونات دولار.

إنها مبالغ خيالية لخطتين ضخمتين هما برنامج استثمار في البنى التحتية (طرق وجسور وشبكات كهرباء)، وبرنامج إنفاق اجتماعي (صحة تعليم) وبيئي.

مستقبل أفضل

وشرح جو بايدن "بإقرارنا هذه الخطط، سنقول للأميركيين: نحن نسمع أصواتكم، وسنستثمر في آمالكم ونساعدكم على تأمين مستقبل أفضل لكم ولعائلاتكم ونضمن أن تفوز أميركا" في المنافسة الدولية مع الأنظمة الاستبدادية.

ذلك هو رهانه الكبير: إنقاذ ديموقراطية في خطر والتخفيف من حدة الانقسامات التي عمقها دونالد ترامب من خلال إحياء الحلم الأميركي الكبير، وهو تحقيق الازدهار للجميع بفضل تدخل الدولة الفدرالية على نطاق واسع.

يحب الرئيس أن يقدّم نفسه ك"جوي" بايدن، الطفل من الطبقة الوسطى الذي ولد في عائلة من أصل إيرلندي في ولاية بنسلفانيا في المنطقة الصناعية الكبرى المعروفة ب"حزام الصدأ". يستذكر والده بسعادة، الرجل المجتهد الذي كان يعود إلى العمل بعد العشاء والذي دفع ثمن الأزمات المالية.

أولوية جو بايدن، كما قال أيضا الجمعة هي "التخفيف من القلق الاقتصادي والاجتماعي" للعائلات الأميركية في مواجهة العولمة. كيف؟ من خلال منح افرادها "وظائف بأجر جيد"، ومن طريق خفض فاتورة الأدوية أو الحضانات، والسماح لهم بشراء سيارات كهربائية "مصنوعة في الولايات المتحدة الأميركية" تسير على طرق سريعة جديدة...

إلا أن خطط جو بايدن تواجه عدم استيعاب من الأميركيين منذ الانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان هذا الصيف، بحيث واصلت الثقة به في الانحدار.

والطموحات الكبيرة للبيت الأبيض ليست محط إجماع في المعسكر الديموقراطي المنخرط منذ أسابيع في مفاوضات برلمانية شاقة.

وكتبت في صحيفة "نيويورك تايمز" أبيغيل سبانبيرغر وهي نائبة ديموقراطية عن ولاية فرجينيا (جنوب) التي انتخبت أخيرا حاكما جمهوريا في نكسة للبيت الأبيض "لم ينتخبه أحد ليكون إف دي آر" في إشارة إلى فرانكلين ديلانو روزفلت الرئيس الذي أطلق خطط التحفيز الكبيرة ضمن خطة "الصفقة الجديدة" لإخراج الولايات المتحدة من ركود ثلاثينات القرن الماضي.

وبحسب بعض المؤرخين، لا يطمح جو بايدن لتقليد فرانكلين روزفلت بمقدار ما يسعى لأن يحذو حذو ليندون جونسون الذي وصل إلى البيت الأبيض بعد اغتيال جون فيتزجيرالد كينيدي مع إصلاحات اجتماعية طموحة أعطت الحكومة الفدرالية أهمية غير مسبوقة في الحياة اليومية للأميركيين.

أراد ليندون جونسون الحفاظ على وعد إعلان الاستقلال، النص التأسيسي الذي يدرج "البحث عن السعادة" ضمن عدد من الحقوق الأساسية. ويتحدث جو بايدن، بتواضع أكثر، عن "إعطاء متنفس محدود" للعائلات الأميركية.

وإذا حصل أخيرا على موافقة الكونغرس على خططه الاستثمارية، سيكون ذلك انتصارا لا يمكن إنكاره، قبل عام واحد من الانتخابات النصفية التي عادة ما تكون صعبة لحزب الرئيس الحاكم.

لكن رهان جو بايدن محفوف بالأخطار، بالنظر إلى الانتخابات الأخيرة في فرجينيا حيث حاول المرشح الديموقراطي الخاسر التعبئة ضد دونالد ترامب وروّج لعناوين وطنية، فيما اختار الجمهوري غلين يونغكين قضايا محلية ابرزها التعليم.

مثل فوز حاكم فرجينيا فزاعة لا تخيف خصوم المحافظين فحسب بل تهز أركان الدولة الفدرالية المتهمة بالمبالغة في التدخل، وزج نفسها في المناهج المدرسية والحياة العائلية وعمل الشركات، وهو ما يسمى في الولايات المتحدة "الحكومة الكبيرة" بالمعنى السلبي.