طهران: أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران توصلهما الى مقاربة بشأن حل قضايا عالقة بينهما، ما قد يدفع قدما جهود إحياء الاتفاق بشأن برنامج طهران النووي، التي تجد نفسها في مواجهة عقبة جديدة محتملة تتمثل بمطالبة روسيا بضمانات من الولايات المتحدة.

وبينما كانت مباحثات إحياء الاتفاق تبلغ مراحل حاسمة، دخلت أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا على الخط، مع طلب موسكو ضمانات خطية بألا تؤثر العقوبات الغربية المفروضة عليها، على تعاونها مع طهران بحال احياء الاتفاق.

وأبرم الاتفاق النووي عام 2015 بين إيران من جهة، وكل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا وبريطانيا والصين وألمانيا، وانسحبت منه واشنطن أحاديا في 2018.

ومنذ نحو 11 شهرا، تخوض إيران وأطراف الاتفاق مباحثات في فيينا تشارك فيها الولايات المتحدة بشكل غير مباشر، وتهدف الى إعادة واشنطن إليه ورفع العقوبات التي فرضتها على إيران بعد انسحابها منه، مقابل عودة الأخيرة لاحترام كامل التزاماتها التي تراجعت عنها ردا على الانسحاب الأميركي.

اقفال ملف مفتوح

وخلال المباحثات، طلبت طهران اقفال ملف مفتوح ضدها لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، يتعلق بالعثور على مواد نووية في مواقع غير مصرّح عنها، معتبرة أن وضع حد لهذا الملف هو شرط لانجاز تفاهم.

وخلال زيارة الى طهران، قال المدير العام للوكالة رافايل غروسي "لدينا بعض المسائل المهمة التي كانت بحاجة للدراسة والحل معا"، وذلك خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية محمد إسلامي.

وأضاف "اتفقنا على اختبار مقاربة عملية وبراغماتية لهذه المسائل للسماح لخبرائنا التقنيين بالنظر فيها (...) مع نية صريحة لبلوغ نقطة نحقق فيها نتيجة" مرضية للطرفين.

وأكد غروسي أن مباحثاته كانت "مثمرة ومكثّفة". ومن المقرر أن يعقد مؤتمرا صحافيا في فيينا ليل السبت.

من جهته، أكد إسلامي اتفاق إيران والوكالة على "تبادل الوثائق في حد أقصاه شهر خرداد (في التقويم الهجري الشمسي، والذي يبدأ في 22 أيار/مايو)، لحل المسائل العالقة" بين الطرفين.

وشملت زيارة غروسي لقاء إسلامي ووزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان.

وجاءت بعد أيام من تأكيده أن الوكالة "لن تتخلى أبدا" عن جهودها للحصول على توضيحات بشأن وجود المواد النووية من طهران التي تشدد على أن أي تفاهم بشأن إحياء الاتفاق النووي، لن يحصل طالما بقي هذا الملف مفتوحا.

ووضع إسلامي اقفال هذا الملف ضمن "الخطوط الحمر" لإيران في فيينا.

وتحدث غروسي عن "ترابط" بين ملفي مباحثات فيينا والقضايا العالقة، وأنه "لا يمكن لأحدهما أن يتجاهل الثاني (...) لذا من المهم التوصل الى هذا التفاهم بيننا اليوم، وهو تفاهم للعمل معا، للعمل بشكل مكثّف".

وأبرم اتفاق 2015 بعد أعوام شاقة من المفاوضات بمشاركة أطراف عدة. وأدت روسيا دورا أساسيا في التفاوض والخطوات التطبيقية للاتفاق، خصوصا نقل كميات من اليورانيوم المخصّب من إيران الى أراضيها، وتوفير دعم للجمهورية الإسلامية في برنامجها النووي المدني.

وخلال المباحثات الحالية التي يؤدي الاتحاد الأوروبي دور المنسق لها، ساهمت موسكو في التوسط بين طهران وواشنطن اللتين لا تلتقيان مباشرة.

الا ان دخول التفاوض مراحله الدقيقة، ترافق مع اندلاع أزمة جيوسياسية دولية غير مسبوقة منذ عقود، خصوصا بين موسكو وواشنطن، على خلفية غزو أراضي أوكرانيا اعتبارا من 24 شباط/فبراير، الذي ردّ عليه الغرب بفرض عقوبات اقتصادية واسعة النطاق على روسيا.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف "طلبنا من زملائنا الأميركيين تقديم ضمانات مكتوبة... بأن العقوبات لن تؤثر على حقنا في التعاون الحر والكامل التجاري والاقتصادي والاستثماري والتقني العسكري مع إيران".

ورأى الخبير الإيراني في العلاقات الدولية فياض زاهد إن روسيا قد تضغط على الغرب في فيينا، ضمن شد الحبال بينها وبين الغرب بسبب أوكرانيا.

وقال لوكالة فرانس برس "الآن وقد باتت روسيا تحت العقوبات، ربما لم تعد مهتمة بحل المشكلة النووية الإيرانية، وهذه مقاربة قد تكون خطرة للغاية".

ورأى أن "روسيا لن تتردد في فتح جبهة جديدة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط لتُدخِلها في توتر جديد"، وأن على طهران التنبّه لئلا تتيح لموسكو "الاستفادة من الوضع" على حسابها.

وخلال الأيام الماضية، أكد المعنيون بالتفاوض أن الاتفاق بات "قريبا"، لكن مع تبقي نقاط خلاف.

وأعرب وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الجمعة عن أمله "في تحقيق نتائج خلال عطلة نهاية الأسبوع".

وتوقعت بريطانيا قرب انجاز الاتفاق.

مستعدون للعودة

وقالت رئيسة وفدها المفاوض ستيفاني القاق الجمعة "نحن قريبون" لاتفاق، موضحة أن المفاوضين الأوروبيين سيطلعون عواصمهم على سير المباحثات "ومستعدون للعودة قريبا" الى فيينا.

وكانت نائبة المتحدث باسم الخارجية الأميركية جالينا بورتر أكدت الخميس أن المفاوضين أحرزوا "تقدما مهما"، محذرة من أنه "لن يكون لدينا اتفاق ما لم تحُل بسرعة المسائل المتبقية".

وأراد الغرب من اتفاق 2015 ضمان عدم تطوير إيران سلاحا ذريا، وهو ما نفت طهران على الدوام رغبتها فيه. لكن الانسحاب الأميركي وإعادة فرض العقوبات، دفع طهران للتراجع عن التزاماتها النووية، وخصوصا زيادة تخصيب اليورانيوم الى مستويات تفوق بشكل كبير السقف المحدد في الاتفاق.

ويعتبر الغربيون الأيام القليلة المقبلة حاسمة للتفاهم، لا سيما في ظل تسارع الأنشطة الإيرانية. ويرى محللون أن دول الغرب قد تترك التفاوض بحال عدم انجازه سريعا.

وتسبق زيارة غروسي الى طهران اجتماعا لمجلس محافظي الوكالة يبدأ الإثنين، وتأتي بعد أيام من تقرير تؤكد فيه مواصلة طهران زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصّب، الى أكثر من 15 مرة الحد المسموح به في اتفاق 2015.