نيكوبول (Ukraine): حلت أسلاك شائكة وسواتر دفاعية محل جلبة الأطفال الاعتيادية على الشاطئ العام في نيكوبول بجنوب أوكرانيا، إذ يسيطر الروس على الضفة المقابلة من نهر دنيبر الذي يقسم البلد بين الشرق والغرب واتخذ أهمية إستراتيجية في الحرب الجارية فيه.

تنبثق من الرمل لافتة صدئة تحمل عبارة "انتبه"، تشهد على ماض لا يزال قريبا كان السكان يقصدون فيه الشاطئ للاسترخاء والاستجمام فتحذر من إزعاج الآخرين... كان ذلك زمن ما قبل بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط/فبراير 2022.

وبعد بضعة ايام في مطلع آذار/مارس، سيطرت قوات موسكو على إنرغودار، أكبر محطة نووية في أوروبا تقع مقابل نيكوبول تماما. وأثارت المواجهات في هذا الموقع مخاوف لدى الأسرة الدولية من وقوع كارثة شبيهة بكارثة تشيرنوبيل عام 1986.

لكن عدا مبنى إداري محترق، يبدو أن المفاعلات الستة نجت من المواجهات، بحسب ما أفاد صحافيو وكالة فرانس برس في مطلع أيار/مايو خلال رحلة نظمها الجيش الروسي للصحافة.

وتحول نهر دنيبر الذي يعبر نيكوبول إلى حدود طبيعية تفصل سكان المدينة عن القوات الروسية.

وقال عسكري لوكالة فرانس برس "يحظر النزول في الماء، هذا خطير جدا". وعلى الشاطئ، نشرت كل الوسائل استعدادا لمواجهة العدو في حال عبر النهر.

في ميناء خاص صغير على مسافة بضع مئات الأمتار تصطف عشرات اليخوت بعدما سحبت من النهر. وفي مركز الأنشطة البحرية المجاور، يكتفي الرواد بممارسة الرياضة في صالة التمارين وهم يتأملون النهر منها.

نصب مالك المركز ألكسندر زاغريدني منظارا في مبنى النادي يمكنه عبره مشاهدة الضفة المقابلة بوضوح. يقول "لم نعد نرى آليات مدرعة روسية، نشعر ببعض الارتياح".

غير أنه يأسف لعدم تمكنه من الإبحار بيخته في النهر الذي بات مقفرا تماما.

يروي الرجل الخمسيني الرياضي الذي غادرت زوجته نيكوبول على غرار العديد من سكان المدينة هربا من الحرب "لا يمكنني تصوّر حياتي بدون دنيبر. ابحر عليه منذ طفولتي".

فالنهر اعتبر منذ أيام الهجوم الأولى في طليعة أهداف الكرملين.

ويمتد دنيبر على طول 2290 كلم، فهو ينبع في روسيا ويعبر بيلاروس قبل أن يجتاز أكثر من الف كلم في أوكرانيا ليصب أخيرا في البحر الأسود.

وقال عسكري غربي في نهاية شباط/فبراير في وقت كانت التوقعات تشير إلى أن الجيش الروسي قادر على احتلال العاصمة كييف "حين تسيطر على المعابر على طول دنيبر، هذا يعطيك حرية تحرك حقيقية بين شرق أوكرانيا وغربها".

غير أن قوات موسكو تكبدت بعد ذلك سلسلة من النكسات العسكرية على جبهة الشمال الذي انسحبت منه في نهاية المطاف لتركز جهودها على منطقة دونباس الشرقية حيث يدور نزاع منذ 2014، والجنوب حيث تسيطر على مئات الكيلومترات من المناطق الساحلية.

وأوضح أندرو لوسن المحلل في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية ومقره واشنطن أنه إن كانت روسيا في البداية "تحاول السيطرة على دنيبر لتتجه بعدها غربا، فإن هذا النهر يبدو الآن بمثابة حدود دفاعية بالأحرى، يمكن أن تساعد (موسكو) على تثبيت" مكاسبها.

زابوريجيا ودنيبرو

وأضاف أن السيطرة على مدينتي زابوريجيا ودنيبرو اللتين يعبرهما النهر وعدد سكانهما 800 ألف نسمة ومليون نسمة على التوالي قبل الحرب، ستكون "صعبة جدا بالنظر إلى فشل الروس في السيطرة على مدن أخرى" ما لم يعمدوا إلى تدميرهما بالكامل مثلما دمروا ماريوبول.

وما يزيد من الصعوبة أن زابوريجيا فيها أحد السدود الكهرومائية الستة التي أقيمت على النهر، وقد يؤدي تدميره في حال وقوع هجوم روسي إلى عواقب كارثية، إذ تبعد محطة إينرغودار بضع عشرات الكيلومترات إلى أسفل النهر.

وهذا ما يحمل أناتولي كوفاليوف عميد الجامعة الوطنية للاقتصاد في أوديسا، على اعتبار دنيبر بالأحرى "شريان حياة" بالأحرى لأوكرانيا، مشيرا إلى أنه يؤمن 10% من توليد الكهرباء في البلد وسيتيح إعادة إعمار أوكرانيا بعد انتهاء الحرب.

وتكمن أهمية النهر برأي الخبير الاقتصادي في الجسور الثلاثين التي تعبر "هذا الشريان البالغ الأهمية" لتوحد بين الشرق حيث الموارد المعدنية في البلد والغرب "الذي يقوم بتحويلها".

ويؤكد كوفاليوف أن "اقتصاد أوكرانيا برمته يتوقف على حركة النقل" بين ضفتي دنيبر، مشددا على أن "المهمة الأكثر أهمية" للقوات الأوكرانية تكمن في "حماية الجسور" التي تضمن الحفاظ على دولة "متينة وموحدة".