إيلاف من بيروت: طلبت محكمة أميركية من القضاء اللبناني تسليم أوراق قانونية ضد اثنين من كبار السياسيين اللبنانيين متهمين بتدبير عملية خطف وتعذيب زوجين أميركيين من أصل لبناني.

القصة كما رواها موقع "تقرير الجريمة المنظمة والفساد" هي كما يأتي: إيلي سماحة، مواطن أميركي لبناني، وزوجته لارا سماحة، الحاصلة على البطاقة الخضراء الأميركية، يقاضيان سياسيين لبنانيين، بينهم ثلاثة من أفراد أسرتهما وقضاة ومحامين على صلة بنزاع عائلي على أرض ومال يدعيان أنهما سُرقا منهما.

يمكن القضية أن تكشف بشكل أكبر عن إساءة استخدام السلطة في لبنان، وتعيد البلاد إلى دائرة الضوء غير المرغوب فيها، والتي كانت فيها بعد انفجار 4 أغسطس 2020 في مرفأ بيروت، الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص وجرح أكثر من 7000 وتسبب باضرار مادية تصل قيمتها إلى 4.6 مليارات دولار. ولم يُحاسب عن هذا الانفجار أي شخص حتى الآن، على الرغم من أدلة تشير إلى أن كبار السياسيين اللبنانيين كانوا على علم بوجود نترات الأمونيوم في المرفأ، والتي تسببت في الانفجار المميت.

وضعت القضية النظام القضائي اللبناني تحت المجهر، حيث دعت هيومن رايتس ووتش إلى تحقيق دولي مستقل بسبب التدخل السياسي في القضاء و الانتهاكات الجسيمة للإجراءات القانونية الواجبة.

الآن، تقوم السلطات الأميركية برفع قضية سماحة إلى الحكومة اللبنانية.

شكوى تكميلية

في 17 مايو الماضي، سلم ممثلو السفارة الأميركية في بيروت إلى وزارة الخارجية اللبنانية نسخة من شكوى مدنية تكميلية قدمها الزوجان المقيمان في فلوريدا في عام 2020 ضد جبران باسيل، وزير الخارجية اللبناني السابق وصهر الرئيس اللبناني ميشال عون، والمحامي سليم جريصاتي، المستشار رئاسي ووزير العدل السابق.

بدأت مسيرة سماحة القضائية في عام 2015، عندما زعم الزوجان في دعوى قضائية مرفوعة في بيروت أن أفراد العائلة سرقوا ملايين الدولارات من ميراث لارا سماحة. وهما رفعا دعوى قضائية موازية في الولايات المتحدة في 14 نوفمبر 2017 في محاولة لاستعادة الميراث. حينها، بدأ الكابوس كما يقولان.

مع تقدم الدعوى، زار الزوجان لبنان في عام 2019 على أمل تسوية النزاع، لكن اتضح أن الاجتماع كان "فخًا لحملي على إسقاط الدعويين"، على حد زعم لارا. أضافت إنها سُجنت 11 يومًا، وسجن زوجها إيلي تسعة أيام، في سجن عسكري تحت الأرض، وحُرما الطعام والدواء.

نفى ضابط أمن لبناني كبير هذه الادعاءات بشدة، وتحدث إلى الموقع شرط عدم الكشف عن هويته لأنها تنطوي على مسألة قانونية مستمرة.

لتأمين الإفراج عنهما، قال الزوجان إنهما أُجبرا على سحب الدعويين الأميركية واللبنانية. قالت لارا سماحة إن دعوى الميراث التي رفعتها في بيروت قد أسقطها محاميها اللبناني آنذاك ماجد عون بويز من دون معرفتها، إذ وقع نيابة عنها وهو الآن مدعى عليه في القضية المدنية الأميركية. أضافت لارا أن زوجة وزير الخارجية السابق جبران باسيل هي من زكى بويز عندها. إن شانتال باسيل هي ابنة عون وقريبة لارا من ناحية الأب. وبويز محامٍ عن التيار الوطني الحر الذي يتزعمه باسيل، وهو يمثل باسيل الآن في القضية.

اتصالات محمومة

كشفت محادثات عبر تطبيق واتسآب، اطلع عليها الموقع، عن اتصالات محمومة بين محامي الزوجين المقيم في الولايات المتحدة، بويز، ومسؤولي السفارة الأميركية الذين راقبوا عن كثب إطلاق سراح الزوجين من الاحتجاز ومغادرة لبنان. "سوف نسقط الدعوى بمجرد أن أعرف أن لارا حرة وآمنة. أقترح إطلاق سراحها وإحضارها إلى سفارة الولايات المتحدة. بهذه الطريقة أعرف على وجه اليقين أنها بخير"، كما كتبت لورن بيركلي، محامية الزوجين في الولايات المتحدة في ذلك الوقت، إلى بويز من ميامي في 3 أبريل 2019.

مع مرور الأيام، ظل الزوجان رهن الاحتجاز حتى بعد أن استجاب محاميهما لمطالب المسؤولين اللبنانيين بإسقاط القضية الأميركية.

أُفرج عن آل سماحة في 11 أبريل بعدما دفعا كفالة قدرها ثلاثة ملايين ليرة لبنانية، أو حوالي 1800 دولار أميركي حينها وبمجرد عودتهما إلى فلوريدا، قدما شكواهما التكميلية، وتم تسليم نسخة منها إلى وزارة الخارجية اللبنانية في الشهر الماضي. ورفض محامو السياسيين اللبنانيين هذه المزاعم.

حذر مسؤول لبناني كبير مطلع على قضية سماحة الجارية في الولايات المتحدة من أنها قد تؤدي إلى مزيد من العقوبات الأميركية الفردية وأن يكون لها تداعيات طويلة الأمد.

ما حدث فضيحة للنظام القضائي اللبناني. إنه أسوأ من غسيل الأموال. قال مسؤول لبناني لموقع "تقرير الجريمة المنظمة والفساد"، متحدثًا بصفة مجهول خوفًا من العقاب: "أخشى أن ينتهي الأمر بفرض الولايات المتحدة عقوبات على بعض المحامين والقضاة بسبب التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان".

وباسيل، الذي يرأس التيار الوطني الحر، الحزب المسيحي القوي في لبنان المتحالف مع حزب الله الشيعي القوي، يخضع بالفعل لعقوبات أميركية منذ نوفمبر 2020 لقيامه بدور رئيسي في الفساد في لبنان. في عام 2017، عزز قاعدته السياسية من خلال تعيين أصدقاء له في مناصب عليا، وشراء أشكال أخرى من النفوذ داخل الأوساط السياسية اللبنانية. في عام 2014، عندما كان وزير الطاقة، شارك في الموافقة على العديد من المشاريع التي كان من شأنها توجيه أموال الحكومة اللبنانية إلى أفراد مقربين منه من خلال مجموعة من الشركات الواجهة.

حملات تشويه!

أما جريصاتي فليس خاضعًا لأي عقوبات، وقد عين محاميًا في ميامي للتعامل مع الاتهامات. في غضون الأشهر القليلة المقبلة، على باسيل وجريصاتي إكمال وتوقيع وإعادة إفاداتهم الخطية حتى يمكن رفعها إلى المحكمة الأميركية. بعد ذلك، لم تعد الوثائق تُرسل عبر القنوات الدبلوماسية وسيتفاعل السياسيون اللبنانيون مباشرة مع محكمة ميامي.

متحدثا باسم باسيل، قال بويز للموقع إنهم لم يتلقوا بعد أوراق المحكمة الأميركية. أضاف: "بمجرد إبلاغنا رسميًا، سنتخذ الموقف الملائم". وقال جريصاتي لموقع "درج" اللبناني: "هذا هو مصير السياسي في لبنان... أن يتعرض لحملات تشويه. لكن الحقيقة تظهر دائمًا، خاصة إذا كان الشخص يعمل وفقًا للمبادئ. فالأيام المقبلة ستكشف عن أشياء كثيرة".

رفض مسؤول بوزارة الخارجية اللبنانية التعليق على مسائل تتعلق بدعاوى قضائية معلقة.

تذكر الدعوى المرفوعة في محكمة ميامي أسماء أبناء عمومة لارا على صلة بزوجة عون وأفراد آخرين من الأسرة والمسؤولين اللبنانيين الذين تزعم عائلة سماحة أنهم تلقوا رشوة للمساعدة في سرقة الملايين من أموال الميراث. وقالت سماحة للموقع: "إن معركتنا من أجل تحقيق العدالة في لبنان وإعادة ما هو حق لي أدت إلى الحزن والأسى، لأن جهودنا اللامتناهية تعرقلت باستمرار من قبل القضاة والسياسيين اللبنانيين الفاسدين".

وختمت: "إنهم بحاجة إلى مواجهة العدالة في المحاكم الأميركية. نأمل أن تكون قضيتنا خطوة نحو فرض المساءلة وأن تؤدي إلى إصلاحات من شأنها إزاحة السياسيين الفاسدين مثل باسيل من السلطة".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع "تقرير الجريمة المنظمة والفساد"