بعد اجتياح الفيضانات المدمرة ولاية آسام شمال شرقي الهند، انتشرت على الإنترنت ادعاءات بأن المسلمين المحليين هم المسؤولون عن تلك الكارثة. لكن هل هناك أي حقائق تدعم تلك المزاعم؟ هذا هو ما سنتعرف عليه من خلال القصة التي رواها لنا أحد المتهمين.

كان نذير حسين لاسكار في حيرة من أمره عندما طرقت الشرطة بابه في الساعات الأولى من صباح الثالث من يوليو/ تموز الماضي. وعمل نذير لسنوات طويلة في القطاع الإنشائي، وشارك في بناء الكثير من منشآت الحماية من الفيضانات في آسام.

لكن الضباط الذين ألقوا القبض عليه وجهوا إليه اتهامات "بالإضرار بالممتلكات العامة"، تحديدا أحد السدود التي بنيت لحماية الناس من مياه الفيضانات.

وقال لاسكار: "قضيت حوالي 16 سنة في العمل لصالح الحكومة في بناء السدود، فلماذا إذن أدمر واحدا".

وقضى عامل البناء الهندي عشرين يوما خلف القضبان قبل إطلاق سراحه بكفالة مالية. كما لم تظهر أدلة على تورطه في هدم أي سدود، لكن العاصفة التي هبت على مواقع التواصل الاجتماعي مستهدفة نذير حسين لاسكار لا تزال مستمرة.

"خشيت أن أتعرض لهجوم"

ضربت ولاية آسام موجتان من الفيضانات في مايو/ أيار ويونيو/ حزيران الماضيين، مما أسفر عن مقتل 192 شخصا. ورغم أن الولاية تشهد فيضانات موسمية كل عام، هطلت الأمطار قبل موعدها وجاءت أكثر غزارة من المعتاد.

مع ذلك، يعتقد بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي أن شيئا ينطوي على الكثير من الشر كان وراء حدة الآثار التي خلفتها الفيضانات هذا العام.

ويزعم هؤلاء، دون دليل، أن الفيضانات هذه المرة من صنع البشر، وأن مجموعة من المسلمين هم من غمروا مدينة سيلشار ذات الأغلبية الهندوسية بالمياه بعد تدمير دفاعاتها ضد الفيضانات.

وأثار القبض على لاسكار وثلاثة رجال مسلمين آخرين وابلا من المنشورات على صفحات التواصل الاجتماعي تتهم الأربعة بأنهم وراء حدوث "الفيضان جهاد".

وأُعيد نشر تلك المواد على مواقع التواصل الاجتماع آلاف المرات، من بينها إعادة نشرها على حسابات رسمية موثقة لمؤثرين على التواصل الاجتماعي. كما وصلت تلك المزاعم إلى وسائل إعلام محلية أخرى أذاعتها عدة مرات.

فيضانات الهند ونيبال: ارتفاع عدد الضحايا إلى 100 قتيل وعشرات المفقودين

فيضانات الهند: 26 قتيلاً على الأقل وعشرات المفقودين في ولاية كيرالا الجنوبية

لكن خطورة موقفه ظهرت جلية، بينما كان لا يزال في السجن، عندما سمع اسمه يذكر على شاشة التلفزيون، إذ كانت قناة أخبار تتهمه بإثارة "الفيضان جهاد".

وقال عامل البناء الهندي: "كنت خائفا ولم أستطع أن أنام في تلك الليلة بينما يتحدث نزلاء آخرون في السجن عن الأمر. وخشيت ساعتها أن أتعرض لهجوم".

الحقيقة وراء الفيضان جهاد

يمثل بناء السدود جانبا كبيرا من الأهمية بالنسبة للتعامل مع الفيضانات في ولاية آسام الهندية منذ خمسينيات القرن العشرين. وهناك حوالي 4000 كيلو متر من السدود في الولاية، الكثير منها هش وآيل للسقوط.

وفي 23 مايو/ أيار الماضي، تصدع سد على نهر باراك الذي ينبع من شمال شرق الهند وشرق بنغلاديش.

وحدث هذا الخرق في السد في منطقة ذات أغلبية مسلمة تُدعى بيثوكاندي، وكان من أهم العوامل التي تسببت في فيضانات شديدة في مدينة سيلشار ذات الأغلبية الهندوسية.

وقال مفتش الشرطة في سيلشار رمضان ديب كاور إن "الخرق كان أحد الأسباب"، لكنه رجح أنه "لم يكن هو المصدر الوحيد للمياه التي دخلت المدينة".

ووفقا للمعلومات المتوافرة لبي بي سي، كانت هذه الواقعة وراء القبض على لاسكار والرجال الثلاثة. لكن السلطات ألقت القبض على رجل خامس، لكن لم يظهر أي دليل على علاقة أي من هؤلاء الأشخاص بالتصدع الذي تعرض له السد.

فيضانات
Reuters
جاءت الفيضانات في ولاية آسام الهندية قبل موعدها مع أمطار أكثر غزارة على غير المعتاد

وقال نيرماليا تشاودري، الأستاذ المتعاون بكلية جامسيتجي تاتا لدراسات الكوارث في مومباي، إن تلك "الصدوع تحدث طوال الوقت بسبب القصور في عمليات الإصلاح والصيانة".

وأشار أيضا إلى أن هناك بعض العوامل ذات الصلة بالعنصر البشري قد تؤدي إلى تفاقم الفيضانات، والتي تتمثل في "خرق السدود على يد سكان منطقة ما لتتسرب منها المياه ولا تغمر المناطق التي يعيشون فيها".

واتفقت شرطة سيلشار مع الأكاديمي تشاودري فيما ذهب إليه من تحليل أسباب شدة الفيضانات.

وقال المفتش كاور: "لم يحدث من قبل شيء مثل 'الفيضان جهاد'، وكانت الإدارة نفسها تحدث خروقا في السدود لصرف بعض المياه. لكن ذلك لم يحدث هذا العام، مما دفع بعض الناس إلى القيام بذلك بأنفسهم".

لكن الأكاديمي تشاودري يرى "الاقتصار على تلك المزاعم كأسباب للفيضان جهاد هو اختيار للطريقة السهلة لتفسير الظاهرة"، مؤكدا أنها "مشكلة إدارية، واعتقد أنها تتطلب استجابة أكثر نضجا".

"اتهموني لأنني مسلم"

وفقا لغوغل تريندز، وهي أداة تحليل للمحرك البحثي، ارتفع معدل البحث عن عبارة "الفيضان جهاد" إلى أعلى المستويات في خمس سنوات بدفعة من جنون التواصل الاجتماعي الذي أثارته تلك المزاعم.

لكن هذه هي المرة الأولى التي تصل فيها نظريات المؤامرة المعادية للمسلمين إلى التيار العام في الهند.

وأثناء الوباء، واجه المسلمون في الهند اتهامات باطلة بأنهم ينشرون كوفيد 19 (وهي الاتهامات التي عبرت عنها وسائل إعلام محلية بـ "كورونا جهاد").

ويرى مراقبون أن ممارسات العنف وخطاب الكراهية والتضليل التي تستهدف المسلمين تتزايد منذ 2014، أي منذ وصول حزب بهاراتيا جانتا الوطني، الذي يقوده رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، إلى السلطة، وهو ما ينفيه الحزب الحاكم.

وفي ولاية آسام، لا يزال لاسكار يعيش في رعب منذ إطلاق سراحه من السجن.

وقال لاسكار: "أخاف أنا وأسرتي أن نخرج من المنزل. ولا يذهب أولادي إلى المدرسة. وعندما أضطر إلى الخروج من المنزل أرتدي خوذة لأخفي وجهي. وأخشى أن أُقتل على يد جماعات غاضبة".

وتابع: "لقد اتهموني بأنني السبب وراء 'الفيضان جهاد' لأنني مسلم. إنها ادعاءات كاذبة، ومن ينشرونها يرتكبون خطأ جسيما".